الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 17th July,2006 العدد : 162

الأثنين 21 ,جمادى الثانية 1427

حكايات .. محمد آل أحمد الشدي
هاجر والصحراء!

هذا جزء من رواية لم تكتمل.. أحب المؤلف أن يشرك القارئ وجدانياً على الأقل في اطلاعه على عجزه واستلابه! وضياع حبه الدائم.
وعلى عناقيد الشوق والأمل التي تجول في قلبه ونفسه وهو يصارع الزمن الغادر الذي أذاق أبطاله مرارات هجر الأحباب والذي كان يوما ما يملأ روحه بالهناء ويضيء كل ما حوله من زوايا التاريخ ومن قلوب ملتاعة رقيقة تغرق في الشجن وهي لا تعرف غير الصدق ولكنها بضربة غدر تلاشت في تيه الصحراء وعشعشت الحشرات السامة على آثارها فأصبحت أثرا بعد عين.
- للزمن صوت حار يشتعل في الدم، يتسلق أغصان القلب باتجاه الذاكرة حيث الوله والفرح القديم..!.
- وها أنا الآن كهل (مأزوم) ضائع في متاهات السراب والعطش أبكي وأنزف وأعض أصابع الندم، أبحث عن قطرة طل، ألوح للقوافل القادمة من الأعماق، زادي قصائد المتنبي وحمحمة الخيول الجريحة، في أنفي الغبار وخزامي الصحراء والنعناع البري!.
أقف كالزرقاء على هضاب جديس، أطلق لبصري العنان، أرى الشجر يستحيل إلى غايات من الأسمنت ومجرات النيون والسيارات الفارهة تقدح الشرر وتعوي في شرايين المدينة فتطوي الناس والقطط وإشارات المرور الحمراء!.
لقد تحضرت القبائل، رحلت صوب الشواطئ الغربية والشرقية وتركت أطفالها في العراء للذئاب والقراصنة والوحوش الخرافية.
تحضرت القبائل العاربة المستعربة وانطلقت من الشرنقة إلى البناء المسلح من الجمل إلى الطائرة.. وها هي تزحف كالديدان إلى فتوحات جديدة مكتوبة بالحبر الأبيض وبالسراب الرقراق!.
زاهرة الآن مسبية ترعى النوق في ديار الغجر والسوقة والكلاب الضالة، تقضي رحلة طويلة لا عودة بعدها عبر فيافي الصحراء.
ومديحة توزع الصحف في أمعاء القاهرة. تقرأ.. تقرأ ثم تدخل بشكل عمودي في عربة قطار آخر الليل ثم تتوقف نهائياً عن الدوران.
سعد.. يقفز على الأرصفة برشاقة قطة برية ينتظر موعد التلاشي الأسبوعي، بدوي به جوع الفأر إلى السنابل الخضراء ثم يلفظ أنفاسه الأخيرة في ضباب لندن ويعود إلى باب (البديعة) جثة هامدة، وعلى شفتيه ظمأ حار إلى رائحة الشيح والعرار وذائقة الخوخ البلدي ورائحة الهورة الهندية النفاذة!.
صوت الذاكرة المذعور يشتعل في دمي كل مساء منذ أدمنت الحزن وملح البحار. وما بين لحظة وأخرى تتغير الأشياء والأدوار والوجوه ويبقى الصوت هو الكتاب الوحيد المفتوح للقراءة والجنون، أخذتني اليقظة وأبي يقول وهو يرشدني: عليك يا ولدي بصداقة الزمن انه (الوحش) الذي لا يكف عن المطاردة كلما أحس بالثأر، انه يصعق بلا رحمة وبلا انتظار.
قلت لأبي وأنا أكاد أموت، وإذا رفض الزمن صداقتي ماذا أفعل؟ قال يائساً: ابحث عن مخرج اهرب إلى الأمام إلى الخلف.
ولكن يا أبي.. قال: انتهى ليس لك خيار والعاقل.. فقاطعته أمي بغضب: لا تقطع قلب ولدك!.
قال: إنني أحذره فقط.. ومضى!.
وما زال لدي في عزلتي وخوفي بقايا صغيرة من عناقيد الشوق والأمل لحياة رحبة وتوقعات كبيرة أسلحة حادة وفتاكة مخبأة في فراغ القلب ومختزنة لمعركة فاصلة مع المجهول مع الزمن سيد المواقف، وفي هذا الجو اكتب رواية عجزي واستلابي.
وهذا الصباح كانت هناك جلسة خاصة مدعمة بالشاي الأخضر والكافيار فيها سعد: ما أروع أن تكون مخالفا للآخرين في الرأي، على طريقة (خالف تعرف) ولِمَ لا.. وفجأة صاح:
- الا لا يجهلن أحد علينا
- فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
- ثم قال سعد بضحكة مريرة: ما رأيك يا علي الصماغ في شجر الطلح.. أليس مثمراً، ورد عليه هل هذا استهزاء بي؟
إن طارق بن زياد بعد ان فتح الأندلس عاد ليعمل بيديه في أسواق دمشق - رحمه الله رحمة واسعة -.
لقد شاهدتهم بعيني يفرغون خمس رصاصات في صدر علواني الشمالي بالقرب من المسجد الأقصى، كانوا ملثمين وكانت جريمة علواني الدعوة إلى التوحد لتحرير الأقصى، كل شيء تم بهدوء والصحف الخائنة طالبت بالبحث عن القتلة. وها هم القتلة والخونة والسماسرة وتجار الجنس ومهربو المخدرات.. ها هم يطلون من شرفات الفنادق الفخمة، يتحدثون عن البورصة والوجوه السينمائية الجديدة، وجمعت بقايا نفسي وهربت من المدينة وصحت بأعلى صوتي: وينك.. يا جدي الخالد في ذاكرتي؟! لترى انبجاس القلوب وهجر الحبيب الذي فقدته!!.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved