أعر اف أسئلة فوق الحزام محمد جبر الحربي
|
أفهم في هذه الحياة السريعة المتقلبة التافهة، وفي طبيعة البشر أشياء كثيرة، وأستطيع التمييز بين الوردة والشوكة، والأساور والقيد، والشجرة الطيبة والخبيثة، والسماء والأرض، والأسود والأبيض، والحلو والمر، والعسل والعلقم، والسمو والوضاعة، والصدق والكذب، والأمانة والخيانة، والحق والباطل، والحرية والاحتلال.
ولكن ما لا أفهمه ولا أعرفه في المقابل أكثر بكثير، وهذا أمر طبيعي.
لكن ما استعصى على فهمي تماماً هو مشكلة المحسوبين على الثقافة، أو من ينتمون للثقافة والإبداع، مع قول الحقيقة والدفاع عنها، أو الارتباط بالمثل العليا، أو الدفاع عن قضايا الأمة، أو في الأقل الإحساس بها.
ولا أفهم سر انصرافهم عن كل ما يتعلق بالقيم والأوطان والناس ناسهم وأهلهم.
والأدهى من ذلك سقوطهم في وحل المؤامرات التي تحاك ضد الأمة، وتكريسهم للخطابات التي تتفه قضاياها، هويتها، ولغتها، وحضارتها.
ولم تشهد الثقافة العربية خلطاً وتداخلاً ودساً كما تشهده هذه الأيام.
ألا تلاحظون كثرة من يلوون ألسنتهم بترجمات غبية، وجمل وعناوين مكرورة حد الأذى كنوع من التباهي بالحرية والديموقراطية والذوبان في الآخر استجداء أو ادعاء للتقدم والتجاوز والتسامي وفهم الآخر..
ومن ذلك مثلاً وضع المقاومة والإرهاب في خندق واحد، ولصق تهمة الإقصاء بالثقافة العربية، وتسمية الاستعمار بأوصاف لا يسبغها المحتل على نفسه، ولوي الألسن بأي مقولة مترجمة تصدرت صحف الغرب البارحة، وشتم العرب والتنازل عن الهوية في أول متجر إعلامي يدير حوارات أو أسئلة مشبوهة يراد منها إثخان جراح الأمة، والمزايدة على أي إنسان عربي أو غربي يقول الحقيقة أو يقترب من ساحاتها، والتنازل لدى أقرب حانوت عن مبادئ دفعت الأمة ملايين الشهداء من أبنائها في سبيلها، وتشرد الملايين، وسجن الآلاف، ودمرت مدن ودول لكي يأتي هذا الصنف من التافهين لتحقير كل ما حدث ويحدث.
يا الله ما هذه الأوبئة التي أصابت (مثقفينا)، وما هذا العفن الذي يعشش في عقول (مبدعينا)؟!
وهل هم بالفعل مثقفون ومبدعون؟!
وهل هم - يا للخيبة - مثقفونا ومبدعونا؟!
وإن كانوا كذلك فما هذا الانحدار الذي يعيشونه؟!
وما هذه الجرائم، نعم الجرائم، التي يرتكبونها؟!
وهل يعقل أن الإبداع لا يمكن أن يكون متجاوزاً وحديثاً إلا إذا سفّه الجمال، وأشاع القبح والفوضى والأمراض، وانطلق من تحت الحزام؟!
وهل يجب أن تسود آه الرعشات كتابات المرأة والرجل لتكون جواز عبورهم، وأن تطغى على آهات الجرحى والأسرى والمظلومين والمقموعين داخل وخارج السجون سجون المحتلين في أجزاء مختلفة من عالمنا وأمتنا؟!
وهل انتهت قضايانا وهمومنا وحررت أراضينا ورفرفت أعلام نصر أمتنا حتى أصبح مستغرباً بل وحتى - للأسف والحيف - ومستهجناً التزام كاتب أو مبدع بقضية أو هم كبير لأن ذلك يسقط قيمة الإبداع حسب أقوال ذلك النموذج من المثقفين المتخاذلين، أو المنسحبين، أو المسحوبين من آذانهم بيد مخربي الثقافة العربية ممن لا ضمير لهم، ولا قيمة لأي شيء لديهم إلا ما يدخل جيوبهم أيا كان المصدر، وكيفما كانت التنازلات؟!
وسؤالي لهؤلاء المسلوبين السلبيين هو: ما نوع الأدب الذي كانت تنتجه فرنسا إبان الاحتلال، وكيف كان حال الإبداع العربي والعالمي مع احتلال الجزائر من بعد وهل يطلعون على صحافة الغرب اليوم، وسوق نشره وإصداراته المناهضة للحرب..؟!
أم أنهم لا يأخذون من الغرب إلا ما هو تافه، وسالب لكرامة وعزة أمتهم، وطاعن في قيمها ووحدتها، حضارتها ولغتها وثقافتها، أو هم لا يقتبسون إلا ما يليق بما تحت الحزام؟!
mjharbi@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|