الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th October,2005 العدد : 127

الأثنين 14 ,رمضان 1426

مساقات
مناهجنا المدرسية: تكريس العقلية التقليدية ورثاثة الذوق الأدبي
د. عبد الله الفَيْفي *

ذكرني العدد 121 من (المجلة الثقافية)، وما تضمّنه من ملفّ حول (مقررات الأدب السعودي: بين التصنيف والإهمال والإلغاء)، الذي أعدّه الأستاذ علي بن سعد القحطاني، وشارك فيه الأستاذان: أحمد اللهيب، وأحمد العويس، بموضوع طويل كنت كتبته خلال الاختبارات النهائية للعام المنصرم 1425- 1426هـ، عن القضية نفسها. وليست تلك بالمرة الأولى التي أتصدى فيها لمثل هذا الموضوع.
ولَكَم تصدى له غيري، ولكن يبدو أنه إذا صح أن (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس)، فمن الأصح لدينا: أن (لا حياة لمن تنادي)! فلقد لفتت نظري الأسئلة التي وضعتها وزارة التربية والتعليم لاختبار إتمام المرحلة الثانوية للعام الدراسي 1425- 1426هـ (قسم العلوم الطبيعية والإداريّة) في مادة الأدب العربي - وقلّما نلتفت إلى ما يتلقّاه أبناؤنا في مدارسهم، مطمئنين إلى أن قد (أعطينا القوس باريها!)
- لفتت نظري تلك الأسئلة إلى ضحالة المنهج المقرّر على جميع الأقسام في الثانوية، في الفصل الدراسي الثاني. هذا إلى جانب تربيتهم على الانغلاق على أنماط من الأدب الضعيف، الذي لا ماء فيه ولا روح ولا حياة. كأن الأدب العربي قد صوّحت حدائقه دون اختيار قطوف راقية من الشعر والنثر، فاقتصر واضعو المنهج، ثم معدّلوه من بعدهم، على منتقيات، حرصوا فيها على أن تأتي مصفّاة تقريبًا من (الأدب)..
والأدب مثير للتوجّسات لدى بعض الناس، منافٍ للاستقامة الدينيّة والخلقيّة، بدليل ذلك الشعار الذي جُعل على غلاف الكتاب:
ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ
وكل نعيم لا محالة زائلُ
وهو بيتٌ للبيد بن ربيعة عُدّ أصدق بيت، كما في (الثعالبي، الإعجاز والإيجاز)، ونُسب ذلك الحكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في (المبرد، الفاضل في اللغة والأدب). وذلك بمعيار الحق، لا بمعيار الفنّ الشعري. على حين كذّبه في الشطر الأخير عثمان بن مظعون واستدرك عليه: (... إلاّ نعيم الجنة)، كما يورد ابن هشام في (السيرة النبويّة).
وقد زعم الزاعمون أن لبيدًا لم يقل بعد أن أسلم إلا بيتًا واحدًا، اختُلف فيه، وذلك بمثابة إعلان عن الكفّ عن قول الشعر، أو تحويله إلى نمط منه خاصّ، هو في حقيقته: نظمٌ، لا شِعْر.
لقد حرص واضعو ذلك المنهج - جزاهم الله خيراً - على أن توافق مواده توجّهات مبيّتة، واتجاهات مرسومة، وأفكارًا مقولبة، لا تزيد أبناءنا إلا غثاثة، وانصرافًا عن آداب اللغة العربية إلى الأدب العامّي.
وحقّ لشبابنا الاتجاه إلى الأدب العامّي، ما دام القائمون على وضع تلك المناهج التعليميّة، قد قتلوا في اللغة العربية عبقريّتها، وفي الشباب مواهبهم وحسّهم الفني، حتى أوشكوا أن يُلغوا الأدب إلغاء من المناهج لو استطاعوا؛ لأنه فيما يبدو يتعارض مع فكر نمطي ضيق، وصدور حرجة بكل جديد، منكفئة على كل ماضٍ، شريطة أن يكون ذلك الماضي بدوره منكفئًا على ماضيه.
ماذا تقول الأسئلة؟
السؤال الأول:
قال أحمد محرم:
العاكفون على الأصنام أضحكهم
أن الهوان على أصنامهم عكفا
كانوا يظنون ألا يستباح لها
حمى فلا شممًا أبدت ولا أنفا
تُرى أي أصنام يبدأ بها سؤال وزارة التربية والتعليم الأول في الاختبار النهائي لمادة الأدب العربي في الثانوية العامة، لعام 1426هـ؟!
إن واضع الأسئلة، وقبله واضع المنهاج، ما زالا يعيشان فيما يبدو أجواء فيها مشركون وفيها أصنام، يعكف عليها الناس، وفيها أشباح أنصاب تُعبد من دون الله، بل لعلهما يريان بعضها من حولهما! وإلا ما قيمة مثل هذا النصّ المقرّر، سوى أنه يشبع فكرًا وسواسيًّا، رفضيًّا، يغذّي عقول الناشئة بالقُبح لا بالجمال، وبالكُره لا بالحُبّ، وبالشكّ والريب لا بحسن الظنّ، وبالماضي لا بالحاضر، وبالنظم لا بالشعر، ملبّسًا خطابه الضمنيّ بنصوص تتحدث عن الجاهلية والكفّار. على حين تكاد لا تجد في النصّ عبارة واحدة لها نكهة الأدب.
فما وُضع النصّ إذن، ولا صيغ السؤال حوله، إلا لحكمة إيديولوجية، لا لجمال أدبي.. والعياذ بالله من الجَمال والأدب!
وكذلك هي الحال إذا تتبعنا ذلك المقرّر عمومًا؛ فهو لا يختار مادته إلا على مفرزة: ما هي الأفكار التي يجب أن يوجّه الطلاب إليها، ويقتادوا بأنوفهم نحوها، ولا يهمّ بعدئذٍ التهافت الأسلوبي أو الخواء الأدبي. بل لعل الأدب مرفوض، ولكن لا بأس أن تُستغل بعض نماذجه الباردة لمآرب أخرى، هي المحكّ في وضع المنهج.
ولذلك لن يجد واضع الأسئلة ما يسأله حول هذين البيتين المنظومين السابقين، إلا أن يسأل عن معنى: (العاكفون)، و(شمم).
ثم يطلب من الطلاب أن يجيبوا عن هذا السؤال العجيب: (لِمَ عبر الشاعر بالفعل (أضحكهم)؟)! وهو سؤال أضحكني، وأتحدّى أحدًا أن يعرف معناه، أو يجد عنه إجابة! وأخيرًا سيطلب السؤال من الطالب المسكين - وكالمعتاد - استكمال ما حفظ من النص! أما الفقرة (ج)، فهي: اكتب من قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (استولت على القلوب الذنوب فسوّدتها) ... إلى قوله: (... أحوالكم).
ولا حول ولا قوة إلا بالله!
أنا شخصيًّا - ولجهلي طبعًا - لأول مرة في حياتي أعرف أن الشيخ محمّد بن عبد الوهاب، رحمه الله، كان أديبًا! نحن نعرفه فقيهًا عظيمًا، ومصلحًا جليلاً، ومجدّدًا مجاهدًا، حرّر المسلمين في الجزيرة من ربقة الخزعبلات، ومهاوي الشركيات والبدع، وظلام الجهل والضلال، لكن ما علاقة ذلك بالأدب العربي؟!
بل أكثر من إقحام هذا الموضوع في مقرّر الأدب العربي، فإن الطلاب يُلزَمون بحفظ خُطب الشيخ.. وهي كأي خُطب منبريّة، لا يحفظها حتى قائلوها. نعم، عليهم أن يحفظوها حفظًا لا هوادة فيه، يُسألون عنه في السؤال الأول من الاختبار المصيري النهائي للثانوية العامة.
مع أن حفظ النثر عمومًا لا معنى له، وهو فيما عدا كتاب الله عز وجلّ - الذي يسّره سبحانه للذِّكْر - عسيرٌ، لا قِبَل للحَفَظَة به، قياسًا إلى الشِّعْر. ولقد كان الأَوْلى، إن كان المُراد الجمع بين جمالية النصّ وما يحمل من قِيَم دينيّة، أن يحفظ الطلاب آيات من كتاب الله العزيز، بدل خُطبة.
لا مسوغ إذن أن يُلزم الشباب بما ليس يلزمهم من استظهار تلك الخُطب، إلا لوازعٍ تلقينيّ، ورغبة في تجريعهم قسرًا بعض الأفكار والمضامين، المقصودة لذاتها، وبغض النظر عن النصّ أو الأسلوب الأدبي.. لكنها ستُجعل على كل حال باسم: (الأدب العربي)! أمّا السؤال الثاني، وبقية الأسئلة فيناقشها المساق الآتي، بمشيئة الله.


* عضو مجلس الشورى
أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك سعود
aalfaify@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved