الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th October,2005 العدد : 127

الأثنين 14 ,رمضان 1426

ممتلكاً زمام التفرد
عبد الله الشيخ
أبقى الهوية وتجاوز التقليد في تشكيله اللوحة ..

إعداد: محمد المنيف
في لوحاته منظومة منسجمة بين إبداعات التصوير والنحت ضمن تواصلنا في تسليط الضوء على أسماء تشكيلية أعطت وتعطي وتمارس إبداعها لتحقيق الهدف الأهم والأسمى، هدف رفعة الفن التشكيلي السعودي والأخذ به نحو المنافسة والحضور العالمي إضافة إلى تأكيده محلياً والارتقاء بذائقته وتقريب مفاهيمه وأبعاده لمن يستحق أن يشاهده ويتفاعل معه. قدمنا في الأعداد السابقة إضاءة على الفنان مهدي الجريبي كأحد الشباب المؤثرين في الساحة والمجتهدين للوصول بهذا الفن في مرحلة قادمة مع زملائه من المبدعين الشباب إلى أعين الأجيال الجديدة بمستوى متألق ومعاصر. بعدها استعرضنا بإيجاز بعض مما نعرفه ونتابعه عن الفنان فيصل السمرة وهو أحد الرموز التشكيلية المعاصرة واحد رواد التشكيل المحلي مع ما يمتلكه من حضور عربي وعالمي. كما مررنا على الفنان سمير الدهام، اسم ساهم ويساهم في هذا المجال منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً بكل طاقاته، إعلام وإبداع عبر اللوحة وإدارة للفن التشكيلي. واليوم نقدم أيضاً الفنان عبد الله الشيخ أحد رموز الفن التشكيلي السعودي ورواده واحد الفنانين الأبرز في مستوى فهم أبعاد الفن التشكيلي فكراً وتقنيات، وهو صاحب ثقافة عالية في هذا الجانب.
فنان تسكنه اللوحة
في الوقت الذي نشاهد فيه استلهام الواقع أو الموروث في الكثير من الأعمال الفنية التشكيلية المحلية تظهر بالشكل السطحي الذي يؤكد نمطية وتبعية الاستعارة والتقليد المختزل الساذج للأشكال المعروفة، ودون ان يكلف هؤلاء الفنانون أنفسهم بالغوص في أعماق الموضوع، والسعي لإيجاد السبل التي تجعل الرؤيا متكاملة من خلال طابع فني معاصر، يمثل دوراً واضحاً في العملية الابتكارية، لعدم فهمهم واستيعابهم لمعنى المعاصرة وحداثة الأسلوب.
في هذا الوقت يبرز أسماء واعلام لها مواقع الريادة الحقيقية عبر مرحلة من الإبداع أثبتت مكانة وموقع هؤلاء الفنانين في ساحتنا التشكيلية ومنهم على سبيل المثال الفنان عبد الله الشيخ الذي يحق لنا أن نعتبره رمزاً ورائداً في مسيرة الفن التشكيلي السعودي الذي يدفعنا في كل معرض إلى أن نقف احتراماً لاعماله الفنية دون ملل او الشعور بصدمة التدني وضعف الأداء فكرة وتقنية كما نصدم بها في أعمال كثيرة، ففي أعمال الشيخ ما يحرض على التأمل واعادة النظر في كل زوايا اللوحة، ففي كل عودة لأي من أعماله تشعر بأنك تراها لأول مرة وان هناك من المعاني والمفردات ما غاب عن بصرك ولم يصل إلى بصيرتك تلك النظرة والبحث في أعماله تجبرك على اكتشاف أشياء كثيرة تساعدك على فهم عالمه الإبداعي وكيفية تعامله مع مختزله البصري للحياة ومن مختلف المواقع والمناطق مع تمكنه من الاحتفاظ بشخصيته الخليجية عامة والمحلية على وجه الخصوص.
نضج في الفكرة
وتمكن من الأدوات
يقدم لنا الفنان عبد الله الشيخ نمطاً وشكلاً وأسلوباً منفرداً لا يمكن أن يكون إلا له وحده فقط، جامعاً فيه الكثير من المؤثرات والتأثيرات ابتداء بإعجابه بمعلميه المشاهير في هذا المجال في بغداد خلال دراسته الأكاديمية في مجال الفنون التشكيلية مروراً بتلقيه الثقافة التشكيلية العالمية وصولاً إلى تفاعله مع الواقع المحلي في وطنه المملكة حيث برز لنا وللمتابعين له مستوى التكامل في بناء عمله وربطه العناصر بكل تناقضاتها موازناً بين الكتلة والفراغ بناء على معرفة مستفيضة لحسابات العمل الفني.
في أعماله يظهر الاستلهام المبستر لواقع الحياة بكل أشكالها الثابتة كأنماط البناء وهندستها والحال التي تبرز فيها زخرفتها من موقع لآخر بعد تحوير تلك الرؤى ومرورها وإخضاعها بمختلف مراحل التغيير نحو رؤيته الشخصية التي يتعامل بها مع منجزه التشكيلي.
فعند النظر إلى تفاصيل العمل ومفرداته أو عناصره نجد ان الأشكال عامة تأخذ حقها في التوزيع الهرموني للون والتوازن في العلاقات الأخرى المكملة للعمل الناجح، حيث تأخذ قالبها النهائي لمجمل التكوين مسيطراً على أي تمرد على الذات نتيجة قبول أي تأثير خارجي.
ومن الجوانب المهمة في تجربة او مسيرة الفنان عبد الله الشيخ غنائية اللون التي يجمع فيها أحياناً بين المتضادات بين الألوان الساخنة والباردة في توزيع موسيقي لا يمكن أن يشعرك بنشاز أو يصدم الذائقة وأحياناً أخرى يسعى إلى التعبير عن إحساسه بأبعاد فلسفية فتظهر ساخنة في مجمل عناصر اللوحة تبعاً للفكرة والموضوع أو هادئة بالرماديات المنسابة من بين أجزاء ومساحات تشكل التفافاً على بقية العنصر، ولهذا فالفنان عبد الله الشيخ يتعامل مع اللون بحساسية دقيقة وحرص شديد نتيجة قناعته بأن اللوحة من دون هذا المستوى من النقاء ومن التوظيف لن يكون لها قيمة أو معنى.
من جانب آخر، يسعى الفنان الشيخ إلى التكنيك بمواد وخامات إضافية احدث بها ملمساً ونتوءات ونفور في سطح للوحة بأسلوب (الريليف) بمزج احترافي مع اللون محققاً بذلك في تكوينها العام إبراز للفكرة التي تأخذ أهمية كبرى في العمل ويأتي استخدام الفنان الشيخ لهذا الأسلوب بشكل مدروس عكس ما حاول به البعض التقليد او المحاكاة أو الاقتراب من التجربة الا ان الفارق كبير بين من يتعامل مع إبداعه بمرجعية تقنية وفكرية مؤطرة بالثقافة والوعي بعيدة المدى وبين من تعامل معها بالتجريب السريع في محاولات يائسة لتحقيق النجاح المرتجل. لقد استطاع الفنان الشيخ أن يضع أمامنا نتاج ما تعلمه من تكنيك وتوظيف للضوء والظل في العمل المسطح وتأثير الضوء من خارج اللوحة والتقائه بالعناصر المضافة، جامعاً بذلك بين اللوحة الزيتية وما يتبعها من صفات ومواصفات وبين المنحوته الجدارية.
الشيخ
والاهتمام بمحور العمل
يؤكد لنا الفنان عبد الله الشيخ قدرته على تجاوز الشكل التقليدي في تشكيل اللوحة، وجعل همه منصباً على المعاصرة والتفرد في كيفية توزيع العناصر والعناية الكاملة بالشكل العام فارضاً الدور الأهم المكمل والمتمثل في التكوين مؤكداً تميز أسلوبه الذي اخضع من خلاله مضامين إبداعه بكل مصادرها الحضارية والبيئية والاجتماعية مستعيراً بها مختلف الملامح التقليدية المعروفة في تلك المصادر خصوصاً ما يشعر بضرورتها للتأكيد على الهوية.
وقد نجد تحليلاً مقنعاً للكيفية التي لامس فيها المظاهر الفيزيائية عند تعامله مع الوجوه خاصة وفي عموم رسمه للأشخاص، ودرجة الشفافية التي اقترب بها من أبعادها النفسية بتآلف يكشف مدى العلاقة بين الفنان والموضوع او الفكرة وبين كيفية اختياره لزاوية رؤية لذلك الموضوع من اجل الوصول إلى المعالجة الحقيقية التي تصيب الهدف من ابداعه.
أخيرا
أخيراً يمكن أن نختم هذه الإضاءة المحدودة التي لا تفي بالكثير عن هذا الفنان الرائد لنقول لقد اختار الفنان عبد الله الشيخ الحياة بكل عناصرها المتحركة والثابتة، الاجتماعية والطبيعة موضوعاً لأعماله بصياغة جديدة، منح فيها للأشكال فضاء من الحرية والجمال، ألواناً أو ملامس سطوح عالجها بخامات متنوعة بتركيب مدروس ومنسجم أضفى عليها روحاً جديدة وقيمة تشكيلية ً غنية توحي بالبعد الثالث.
إضافة إلى ما يتميز به الفنان الشيخ من بحث عن وسائل جديدة للتعبير، ففي لقائي به ما كشف الكثير عن هاجسه الدائم ورغبته الشديدة للتوغل في أعماق القيم الإنسانية والتعبير عنها في الفن وما يجب أن نكون عليه من تطور في هذا المجال تبعاً لما نعيشه وتعيشه الفنون التشكيلية العالمية من وتحولات وتطورات.
بطاقة
ولد الفنان عبد الله الشيخ في مدينة الزبير وتلقى فيها الابتدائي والمتوسط ثم التحق بمعهد الفنون الجميلة ليواصل تعليمه وحصل منه على دبلوم عام 1959م وعمل في تدريس مادة التربية الفنية بعدها واصل تعليمه العالي في إنجلترا وحصل منها على الدبلوم الوطني العالي، أقام أول معارضه في بغداد عام 65م، ثم أقام أول معارضه في المملكة في الخبر بعد استقراره في الوطن منذ عام 69م لتتوالى بعده معارضه في مختلف مدن المملكة، حصل على العديد من الجوائز من بينها جائزة السعفة الذهبية في مسابقة دورية لفناني دول مجلس التعاون عام 89م.
حالياً متفرغ للفن بعد رحلة عمل في المجال الحكومي.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved