الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th November,2003 العدد : 37

الأثنين 22 ,رمضان 1424

الواقع وخيال الأدباء.. من يستوعب من؟!
الأدب والتحدي الأكبر في عصر المعلومات
* القاهرة عتمان أنور:
تظل الأحداث التي يشهدها الواقع في تجاوز دائم لخيال واستيعاب الأدباء فما ان يسأل أديب عن مدى تعبيره عن هذه الأحداث سرعان ما يجيب بأن هذه الأحداث تحتاج لفترة طويلة من الوقت حتى يتم استيعابها وتأملها ومن ثم التعبير عنها، ويأخذون رواية الحرب والسلام لدتسيوفسكي والتي كتبها بعد سنوات طويلة من الحرب الروسية مثالاً على ذلك.. لكن تبقى المشكلة أكثر تعقيداً في ظل التحدي الذي يواجه الأدب في عصر المعلومات الذي نعيشه وفي ظل عدم تطور المخيلة الأدبية بصورة تجاوز ما أصبح واقعاً بالفعل وما استخدمته ثورة المعلومات الكونية وتكنولوجيا الاتصال العالمية واجيال الكومبيوتر والانترنت.. فهل سيؤثر هذا على مضمون ما يعبر عنه الأدب ومضمون الخيال الأدبي ومن ثم انماط البلاغة التقليدية والمعروفة لكي يعبر عن واقع جديد في عالم متغير، القضية متروكة للأدباء والنقاد حول استشراف مستقبل الأدب في ظل التحدي الجديد.
الروائي محمد مستجاب يقول: هذا السؤال ألقي عدة مرات خلال القرن العشرين: ماذا عن الأدب الروائي بعد اكتشاف الذرة، وظل الأدب الروائي بعد أن وصل الانسان إلى القمر وظل الأدب الروائي روائياً والقمر قمراً. أما في عصر الكمبيوتر وما افرزه من آلة في خدمة المعلومات فإن الروائي الحق هو الذي سيبقى لأنه سيجعل من كل ما يحدث حوله مادة له وبوضوح أكثر الأدب اساساً يقوم على المشاعر والحواس ويصوغ بنيانه العقلي والأديب شاعراً كان أو روائياً في حاجة دائماً للمعلومة بصفتها جزئية المعرفة العامة ليس مهماً ان يستغلها وهذا يجرنا إلى نظرية اختراق واكتناز المعلومة، وبالتالي على الروائي أو الشاعر الفنان ان يأخذ ما يريده لتغذية نصه الأدبي، ويضيف محمد مستجاب هناك فارق بين الخيال الروائي والخيال العلمي. فالخيال العلمي سابق للخيال الروائي ولاحظ أن الرواية العلمية لها قدرتها الخارقة التي تتجاوز انجازات خيال العلماء فكل انجاز علمي يأتي إلينا يبدو أنه سيعوق خيال الأدب ولم يحدث هذا انما الفنون هي التي تؤثر في المنجزات العلمية.
ويرى الدكتور الطاهر مكي الناقد واستاذ الأدب بكلية دار العلوم ان ثورة المعلومات افادت الأدب من زوايا أخرى وهي زاوية التقنية، فليس لدينا الآن تطوير حقيقي في الكتاب المسموع خيالاً ومادة واخراجاً سواء كان ذلك في الرواية أو الشعر فثورة المعلومات سوف تساهم بامكانات عظيمة في تطوير عملية التلقي الأدبي لدى القراء وإذا كان الأدب بشكل عام له مرسل وهو الأديب ومتلق وهو القارئ ووسيط وهو الكتاب فمن القول ان هذا الوسيط سوف يساهم في تعميق العلاقة بين الأديب القارئ عندما يأخذ شكلاً أفضل وسوف يوسع من دائرة القراء من خلال الكتاب المسموع أو القصيدة والمسرحية المعبأة على أجهزة الكترونية دقيقة ويضيف د. الطاهر مكي العلم وليد الخيال ولا يمكن تصور علم دون خيال والأدب وظيفته الأساسية تنمية الخيال وتطويره وتعميقه وأي أدب حقيقي لا يمكن أن يعطي ظهره للواقع فهو يتأثر به ويؤثر فيه لكن الأدب يسبق دائماً، وأنا أتصور ان العلاقة بين الأدب والانجازات العلمية في عصر المعلومات سوف تكون علاقة تكامل وعلى المستوى الإنساني لا يمكن أن يعيش الإنسان المعاصر على العلم ونظرياته فقط لأن الشعر والأدب يمنحها الاسترخاء وروعة الاحساس وعذوبة الرومانسية.
التلاقح الطبيعي
الشاعر أحمد زرزور ينظر إلى القضية من زاوية أخرى يقول: منذ فترة وأنا أتبنى تصوراً قد يبدو غريباً جداً لمستقبل الكتابة الأدبية عامة بما فيها الشاعر، فأنا أتصور من واقع معرفتي بالتراكم الخبراتي المتواصل للبشرية اننا سنصل بعد فترة وجيزة جداً إلى كتابة ابداعية تنعدم فيها الثنائيات مثل ثنائية الأدب والعلم والسياسة والثقافة بحيث نصل إلى نص كبير تندمج فيه جميع الخبرات ويحرضني على هذا التصور المزج الإبداعي الحالي في جميع الأجناس الأدبية، فالرواية لم تعد نقية نقاءها القديم بحيث دخلتها اشارات من الشعر واشارات من السينما واشارات من التقارير الصحفية المباشرة.
والشعر لم يعد انسياباً طروباً مجرداً من التأمل فقد دخلته اشارات من شتى الفنون والسينما أصبحت ملونة بهذا التلون الجميل بحيث أصبح هناك ما يسمى بالسينما الشعرية وهذا سيوصلنا في نهاية المطاف إلى الالتحاق من خلال التراكم المعرفي الأدبي والعلمي، وبالتأكيد سيتم نوع من التلاقح الشكلي الجمالي الذي يمكن أن يؤخذ في كل المعارف والفنون وهذه هي النتيجة الطبيعية لعصر المعلومات الكوني الذي من أهم سماته التدخل والتمازج وسرعة نقل المادة عبر وسائط وتقنيات لم يكن لها وجود من قبل وأمام التحدي المعلوماتي الجديد وانعكاسه على الخيال الشعري يقول أحمد زرزور: المعرفة العلمية تفوقت كثيراً على الخيال الشعري الذي اعتمد طويلاً على ماهيته التقليدية ومن ثم فإن الشعراء أمام تحد قاس لإغناء مخيلتهم بالتعرف والاندراج في الثقافة الأخرى أي ثقافة المعلومات.
الروائي أحمد الشيخ على عكس ما يقوله الروائي محمد مستجاب يرى أننا لو قصرنا الأمر على روايات الخيال العلمي فسينطبق عليها سبق العلم الذي زحف في تطويره على ما تتصور انه خيال ذلك ان الكشوفات والابتكارات التي توصلت إليها الهندسة الوراثية لم يخطر على خيال أحد، ومع ذلك فإنني أعتقد أن الرواية قد غاصت في أعماق النفس الإنسانية وتلمست في أغوارها ما لم تستطعه حتى الآن علوم النفس، كما أنها تخيلت من الأشياء التي لم يكن العلم يعرفها الكثير. كما أن هناك مناطق وعرة كثيرة قابلة للغوص أمام الرواية الأمر كله من وجهة نظري يتوقف على جدية الروائي وموهبته. وفي عصر المعلومات لا خوف على الروائي الموهوب ومن الممكن أن أقول ان عصر المعلومات له فائدة عظمى اذ انه لن يبقى على أن الروائي ضعيف، فالتحديات التي يطرحها العلم أكبر من أنصاف المواهب في الأدب فسوف يكشف هذا العصر حقيقة التكوين الثقافي للأديب، هناك قدر من الثقافة الشمولية حتى يستطيع الروائي ان يوظف ثمرة المعرفة في ظل عصر انفجرت فيه المعلومات بشكل غير مسبوق لم يعد كافياً أن يعرف الروائي أدباً فقط، ولم يعد كافياً ان يعرف لغة وبلاغة فحسب، ولكن عليه أن يطل بشكل متعمق في الجانب الآخر من الثقافة ويعرف عن الهندسة الوراثية والكيمياء والكمبيوتر وغيرها بشرط ألا تكون معرفة سطحية.
الدكتور صلاح قنصوة الناقد واستاذ علم الجمال يتناول القضية من خلال التركيز على مفهوم الخامة الفنية للإبداع وهو يرى أن الفن في الأصل تشكيل لخامة، فالخامة في الشعر هي الكلمات والشعر هو التشكيل والخامة أيضاً ليست قاصرة على المادة الخام العقل دائماً أيضاً بمعنى الوسيط والمهارة المكتسبة والفن ليس محاكاة لواقع وانما هو ابداع واقع جديد وأي نوع من أنواع تقدم المعرفة في السياسة والاقتصاد والتاريخ والعمل والتكنولوجيا يدخل في اطار ما أسميه بالخامة والفنان يعيد تشكيل هذه الخامة لصنع عالم مواز للعالم الواقعي أي أنه يصنع بخاماته ويشكل منها عالما تخيليا.
ولا شك ان ثقافة عصر المعلومات وتقنياته خامة جديدة سوف يبدع الروائي أوالشاعر منها عالماً تخيلياً جديداً وانا أرى أن هناك نوعا من العلاقات المفتوحة دائما بين الفن ووسائطه أو خاماته وهي علاقات تأثير وتأثر متبادل بشكل غير مباشر.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved