الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 17th November,2003 العدد : 37

الأثنين 22 ,رمضان 1424

فن الاتصال الوراقي بين المدلول والخطب المنبرية
د. إبراهيم بن عبدالله السماري

عُرِفَ الاتصال البشري منذ بدء الخليقة حيث فطر الله عز وجل الإنسان على الاستئناس بأخيه الإنسان، ولذا ذاع صيت عبارة ابن خلدون الشهيرة في مقدمته «الإنسان مدني بطبعه» غير أن عملية الاتصال ذاتها عملية معقدة، تتطلب مهارات متميزة، لأن مفتاح الاتصال بين البشر هو الفكر، والفكر محمي ببوابات تتشكل في صيغة أدوات من الفهم والإدراك والقدرة على النقد ونحو ذلك!
*ه1ه* قٍمً فّأّنذٌرً } المدثر 12، ولرحمتهم الغامرة بهم كما قال سبحانه وتعالى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم {عّزٌيزِ عّلّيًهٌ مّا عّنٌتٍَمً حّرٌيصِ عّلّيًكٍم بٌالًمٍؤًمٌنٌينّ رّءٍوفِ رَّحٌيمِ }
ومن صور عملية الاتصال البشري: الوِراقة بمفهومها وأدواتها المتعددة، وأعني هنا بالذات مخاطبة الناس بتأليف الكتب، فهذه العملية الاتصالية التواصلية عملية شاقة بحكم أن العملية التفاعلية فيها تنتج من قبل طرف واحد، فصاحب الكتاب يودعه قرائحه وفهومه وتنتهي وظيفته عند تلقف الناس له من أرفف المكتبات وغيرها، في حين أن المتلقي يفسر ماجادت به قريحة المؤلف على هواه وفي ضوء مداركه لأنه لايكون موجوداً أمامه ليناقشه.
وهناك عملية اتصالية مركبة أي أنها عبارة عن دمج عمليتين اتصاليتين في عملية واحدة، تلكم هي كتب الخطب المنبرية، فقد ألقيت مادتها مشافهة ومباشرة في جمع من المتلقين عبر الاتصال الخطابي الإلقائي في دائرة ضيقة هي دائرة الجامع أو موقع المحاضرة، ثم أريد توسعة دائرة التلقي بعملية اتصال وِراقي، لتشمل قطاعاً أكبر، ولتأخذ امتداداً أوسع فطبعت في كتاب يسهل تداوله ومن ثمَّ يمكن نقله إلى شريحة أكبر من المتلقين!
وكل مهتم بالكتب وبثمرات المطابع سيلفت نظره حتماً ذلك الكم الهائل من كتب الخطب المنبرية وإن اختلفت أسماؤها، حتى ليظن ظانٌّ أن الحاجة ماسة إلى رصد ببليوغرافي نسقي وتحليلي موسع لحصر تلك الكتب ونقدها، لتتحقق الفائدة المرجوة منها.
هذه المقدمة عن المدلول الاتصالي رأيتها ضرورة وأنا أقلب بين يديَّ كتابَ «الخطب المنبرية» لفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السدحان، الذي قامت بنشره دار العاصمة بالرياض في ثلاثة مجلدات، بطباعة فاخرة، صدر الجزء الأول عام 1419هـ، وصدر الجزء الثاني عام 1420هـ، وصدر الجزء الثالث عام 1422هـ.
شدني في هذه الأجزاء الثلاثة ماتنم عنه من مهارات اتصالية متفوقة يتمتع بها الخطيب وفقه الله، حيث تنوعت طريقة العرض بين الأساليب التقريرية والحوارية في فلك عدد من المناهج العقلية والعاطفية وهكذا، في حين تميزت بأسلوب جميل سلس، ترابطت فقراته، حتى أصبحت قافلة واحدة يأخذ بعضها برقاب بعض، مع العناية بعوامل التشويق والجذب بتنويع أدوات اللغة بين الخبر والاستفهام والإشارة والكناية والتشبيه وضرب الأمثال وهكذا. وبرز فيها جانب مراعاة أحوال المخاطبين بملامسة شغاف قلوبهم وتحريك مشاعرهم واستثمار مايشغل اهتماماتهم ومايحيط بهم من متغيرات ومواسم يتفاعلون معها، ويمكن أن توقظ ماركد من قدراتهم الإدراكية.
وبمعالجة تتصف بالحكمة والموضوعية تنوعت مادة الخطب المنبرية لتشمل الحديث عن العبادات ووظائفها الدينية والاجتماعية وغيرها وآثارها في الفرد والمجتمع، ومنزلة العلماء، وأسباب ضعف المسلمين وتسلط الأعداء عليهم وأسباب عزتهم، والحديث عن الشباب، وعن المسؤولية بمفهومها العام ونطاقها المتعدد، وعن بر الوالدين وقضية المرأة، وحقوق الجار والعمال، وعن بدء العام، وبداية الدراسة، وحِكَم التغيرات الكونية كالشتاء والصيف، وحسن وسوء الخاتمة، كما تحدثت عن مناهج الإصلاح الاجتماعي، وآثار المعاصي، وحقوق الحيوان، وصفات علماء السنة وعلماء الضلال، إلى غير ذلك من الموضوعات. كما عُنِيَت «الخطب المنبرية» للشيخ السدحان بأهمية القدوة فكثر فيها الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وخصصت خطباً مستقلة لجلاء هذه الأهمية، ولاسيما في سير الخلفاء الراشدين الأربعة.
ومما تميز به الشيخ السدحان وفقه الله تنوع استدلالاته بين الآية القرآنية الكريمة والحديث الشريف والأثر الصحيح والبيت الشعري المُعَبِّر والمَثَل العميق، كما زان الكتاب تلك النقول الجميلة من كلام العلماء المحققين التي تدل على سعة اطلاع الخطيب ودقته في إيراد النقول لتصيب كبد المعنى المراد بيانه بأوجز عبارة وأوضح صورة.
هذه صورة من صور العملية الاتصالية التي أصبحت في هذا العصر قضية خطيرة لتنوع مواردها، وتسارع خطواتها، مما يدعو إلى إتقانها وإبراز جهود المتقنين لها.
وبالله التوفيق...


alsmariibrahim@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved