الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th April,2005 العدد : 102

الأثنين 9 ,ربيع الاول 1426

أعراف
وإن لم تعتبوا!
محمد جبر الحربي

يصلني كل يوم تقريباً كتاب، أو عمل إبداعي جديد، وسيل من المجلات والإصدارات المختلفة لمن أعرف، ولكثير ممن لا أعرف، من هنا، ومن هناك وهناك.
ومع المرحلة النتية الجديدة أخذت تتدفق علي مواد، وأعمال، ومواقع عبر النت تطلب لطف الاطلاع، أو إبداع الرأي، أو المشاركة..
ويتصل بي عدد كبير من الصحفيين والصحفيات معظمهم لا أعرفه يطلبون أعمالاً، أو وقتاً لاجراء حوار.
وهذا ليس مديحاً للذات، أو رغبة في إظهار أهمية الفقير الى الله فهذا ما يحصل لكثير ممن لهم علاقة بما نحن فيه.
لكن مشكلتي تكمن في أنني لا استطيع الكتابة عن الكتب التي تصلني، ولست من المحبين للحوارات بشكلها الدارج، ولا جديد لدي يكفي لهذه المكانة الإعلامية الضخمة.
واليكم ما ينتج عن ذلك:
عتب من الجميع، واتهامات لا حدود لها، ومن كل نوع ولون.
أو في الأحسن حوارات لا طعم لها تعمل بدافع الخجل والمجاملة.
وبحكم أنني قارئ للإبداع ومتذوق له، ولأنني لا أعرف النقد، ولا أدعيه فإنه لا يوجد سوى احتمالين لكتابتي عن الكتب التي تصلني:
كتابة إخبارية صحفية، وتلك ولى زمنها منذ دفعتني الصحافة مرغماً إلى خارج أبوابها ولكي لا تشطب هذه الجملة فلنقل منذ تركتها فرحاً بما في الأرض من منأى.
كتابة فنية ابداعية فيها من الحميمية بقدر ما فيه من انحياز الذائقة.. وهذه لا تتشكل إلا بوصول الكتاب إلى هذه المنزلة. ولكي يصلها لا بد أن يعيش معي، ويأكل من زادي، ويشاركني شقتي المتواضعة المستطيلة وتفاصيلها، وأسرار الليالي الطويلة.
ثم هناك احتمال كبير بأن يرفضني الكتاب قبل أن أرفضه، كما في حالة الأخضر بن يوسف حينما رفضه الذي كان يشاركه شقته، ويرتدي برنسه الصوف، وكان رفضاً مريراً، إذ كان دفعة واحدة (سعدي يوسف).
ومنذ أسابيع، قل أشهر، وصلتني عدة مجموعات شعرية لشعراء مبدعين أعزاء على قلبي هي: (أطفئ فانوس قلبي) لمحمد حبيبي، (قامة تتلعثم) لعيد الحجيلي، و(الغزالة تشرب صورتها) لعلي الحازمي، كما أهداني الشاب المانح للحب والشعر بدر العنزي المجموعة الشعرية الجميلة (يحاور أنثاه) لحمدان الحارثي وأضيف إلى ذلك مجموعة قصصية هي: (وجوه رجال هاربين) للبراق الحازمي، ولكل حازمي منهما وقفة إن أراد الله.
والشعراء جميعهم من المخلصين للتفعيلة، وممن أطرب لهم، وأحبهم، وأعرف منهم بشكل خاص علي الحازمي الذي هو أكثر من أخ، وهو شاعر مخلص لقصيدته، محب للجمال وللناس، ومحمد حبيبي شاعر متمكن أعرفه قبل ديوانه هذا، وكلاهما يكتب القصيدة بحرفية عالية، أما عيد الحجيلي فهو ابن عم شاعر لم ألتقه، ولكنني عرفته منذ فترة ليست بالقصيرة عبر ما ينشر، وكنت اسأل عنه دائماً حتى تعرفت عليه فازددت اعجاباً لا بشعره فحسب بل بجمال روحه.
أما الحارثي فشاعر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإن لم أسعد بمعرفته، وأتمناها.
إن كتابتي بشكل سريع وروتيني كما يفعل جملة من الروتينيين المزعجين للفن ولنا عن أي من هؤلاء الشعراء خطأ لا يغتفر، وهم المكتملون تجربة وأدوات، بل من يمكن أن يعلموني هنا.. وهناك، وان يضيفوا لأي قارئ لهم متعة الوصول إلى أراض جديدة، وجمال اضافي، ومعرفة خرجت لا من قراءات سريعة، ولا من ضجيج تنظيري، بل من تجربة ذاتية حقيقية استندت على موروث معرفي متنوع وثري، ونهلت عيونها من فضاءات معاشة.
إن ما يكتبونه في تصوري هو الشعر الأقرب إلى الذائقة العربية، وهو الأقدر على البقاء متى ما تمكنوا من الحرص على تغذيته دوماً بأرواحهم لا بأحلامهم فقط، وبقراءاتهم المنتقاة لا بما تفرضه عليهم موضات التفاهة العربية، وهم قادرون على السير به قدماً متى أخلصوا لتجاربهم وأصواتهم الخاصة، وربطوا أنفسهم بالشعر لا بالواجهات، وبالذائقة الحرة لا بحتميات الخراب الكامل والفوضى الشاملة كما لدى الأبواق التي تشوه انسجام شعرنا العربي العظيم، وأذننا العاشقة لغناء الإنسان الذي لم نرتو منه بعد، والنابع من حقيقته وجوهره وبحثه في الدروب الطويلة حاملاً سلال الألم والسعادة والأمل في عينيه المتطلعتين إلى أكثر من صفو تلك الأصوات النشاز التي تشوه كل جمال لا يصدر عنها عن عمد، أو عن جهل ونقص، أو عن عدم اكتراث بكل بساطة.
تلك الأصوات التي لا تغني، ولا تترك لك حرية الغناء، بل تذهب إلى أكثر من ذلك حين تحاول عبثاً اقتلاع الأشجار العظيمة على أطراف انهارنا الجارية منذ بدء التاريخ، لتضع مكانها ما تبضعته من أغصان، وزهور بلاستيكية من هنا وهناك.
أما لدي هنا فلكي تستمع إلى الشعر فاستمع إلى داخلك، فإن استقمت فهو الشعر، وإن رفعت يديك صائحاً الله فهو الشعر الشعر.
وأما ما تبقى هنا فهو اعتذار يليق بعتب المحبين ممن ذكرت، وممن لم أذكر، وإن لم يعتبوا، وهم كثر.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved