الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th April,2005 العدد : 102

الأثنين 9 ,ربيع الاول 1426

من حديث الذكريات
أبو تمام والبحتري والمتنبي في خميسية الرفاعي
عبد الرحمن بن محمد الأنصاري
لم يكن الكثيرون منا يدركون ما كان يضطلع به المجلس الأسبوعي لمعالي الأديب الأستاذ عبد العزيز الرفاعي رحمه الله الذي كان ينعقد مساء كل خميس بدارته بالرياض حتى غادرنا ذلك العلم البارز الذي كان مثالاً للخلق والكرم والنبل، ولقد فتحنا أعيننا فجأة على الفراغ الذي تركه غيابه في ساحتنا الأدبية والفكرية.
ففضلاً عما كانت تزخر وتحفل به خميسية الرفاعي، فإن من مميزاتها التي كانت تنفرد بها أنه قلَّما وفد على الرياض قادم ذو شأن في مجال الفكر والأدب إلا وكان ضيفاً من ضيوفها، يسعد بلقائه رواد الخميسية. إن معرفتي بالأستاذ عبد العزيز الرفاعي متزامنة مع معرفتي بنفسي منذ عرفتها وهي متعلقة بالقراءة ومتابعة ما يكتب بشغف ونهم، وهذا أمر أقرره هنا لتسجيل الواقع وشكراً لله عز وجل الذي لو شاء لي أن أسلك طريقاً غير هذا لسلكته.. فتحت عيني على أدب الرجل وعلى مشروعاته الفكرية والثقافية (الصغيرة) في عينه، الكبيرة في أعين الناس، وفي بدايات عملي الصحفي أذكر أن من أوائل المقابلات التي أجريتها مع الأدباء تلك التي أجريتها مع معاليه في أوائل التسعينيات الهجرية في منزله الصيفي بالطائف ونشرتها جريدة (البلاد)، وعندما انتقلت إلى العاصمة الرياض تسنَّت لي متابعة الرجل عن قُرب، فقد أصبح منتداه الأسبوعي الذي يعقده في (دارته) مساء كل خميس أحد روافدي الثقافية والفكرية.
إن مَن يتأمل حياة الأستاذ عبد العزيز الرفاعي سيجد نفسه في حيرة من أمره لو أنه أراد أن يتحدث عن جانب دون آخر.. فقد قلتُ له ذات مرة في رسالة مفتوحة ضمن رسائل طُلب مني توجيهها لعدد من الفضلاء عبر الجريدة، وكان الأستاذ الرفاعي أحدهم، قلتُ له:
(إنَّ من فضل الله عليك أن وهبك علماً ومعرفة، وما أكثر ما رأينا الخلل الذي ينشأ عند البعض عندما يكون صاحب عقل فقط من غير علم.. ومن هنا يا سيدي فأنت من الذين لا يشقى بهم جليس، وعن نفسي أحدثك: إنني أتعلم منك صامتاً مثلما أتعلم منك متكلماً.. فكلامك معرفة، وصمتك حكمة). فالرجل لا يتصنع الوقار، فالوقار سمة من سماته، وهو كذلك لا يتصنع التواضع، فالتواضع ولين الجانب من مكونات الطينة التي خلقه الله عز وجل منها، ولا أذكر على طول ملابستي له أنني سمعتُ منه كلمة عوراء، كما لا أذكر أنه تناول إنساناً في غيبته أو حضوره بما لا يليق.
ومن طريف ما قد يحسن إيراده هنا بالمناسبة أنني عندما كنتُ مديراً لمكتب جريدة (المدينة) بالرياض كنتُ أتولى تغطية ما كان يدور في ندوته التي قلما وفد على العاصمة أديب أو ذو شأن علمي وفكري إلا وأنس بها وأنست به كما أسلفت.
وقد حدث ذات مساء أن قدم على الندوة ثلاثة نفر من بلد عربي شقيق، فتولى أحدهم التعريف بزميليه وبنفسه فقال: إننا كلنا شعراء، وأشار إلى أحد رفيقيه فقال: إن اسمه فلان بن فلان، ونحن نعتبره (أبا تمام).. وانتقل إلى الآخر فقال: هو فلان بن فلان، ونقول عنه (البحتري).. أما أنا فاسمي خالد.. ولكنهم يقولون عني: (المتنبي)..!
اشرأبت أعناق الحضور، وتطلعت نفوسهم إلى (أبي تمام والبحتري والمتنبي) وهم معهم وجهاً لوجه وكأن الأرض قد انشقت عنهم.. وكانت الصدمة بشعر الشعراء الثلاثة بحجم الصدمة بانشقاق الأرض عنهم قبل يوم البعث والنشور.. فقد بدأ أبو تمام بالإنشاد، وتلاه صاحباه، أما الشعر الذي صدحوا به فهو من قبيل ما تحفل به كتب الحكايات الشعبية كقصة عنترة بن شداد والزير سالم وتغريبة بني هلال.. كانت أمسية لطيفة، أذكر أن من بين حضورها معالي الأديب الأستاذ عبد العزيز السالم. وباعتباري صحفياً فليس مثل هذا مما يفوته مثلي..! فقد كتبتُ عن المتنبي والبحتري وأبي تمام الذين انشقت الأرض عنهم وحضروا ندوة الرفاعي.. والشاهد من إيراد هذه الواقعة أن الأستاذ الرفاعي الرجل المهذب المضياف الكريم رأى أن ما نُشر عن الشعراء الثلاثة هو من قبيل السخرية التي مسَّت بعض ضيوفه بما يسيء إليه هو قبل أن يُسيء إليهم.. وهو لم يقلْ لي ذلك بل ولم يلمح به مجرد تلميح، وإنما الذي نقله لي بأسلوب التلميح المهذب صفيه وخليله الأستاذ عبد الرحمن بن فيصل المعمر. فذلك مثال للطف الرجل وكرمه، فداره مثل دار أبي سفيان التي مَن دخلها فهو آمن حتى لو كان متلبِّساً بانتحال شخصية أبي تمام والبحتري والمتنبي!


alansari1@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved