Culture Magazine Monday  18/06/2007 G Issue 203
الملف
الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1428   العدد  203
 

ذلكم
الرجل العظيم
أحمد حامد المساعد*

 

 

في عام 1384هـ لمحت صورة الصديق الكبير الأستاذ علي بن صالح السلوك عافاه الله على إحدى صفحات جريدة الندوة وكنت آنذاك عاملاً بها في قسم الصف، وكان المنشور بجانب الصورة كلام عن منطقة الباحة، وكان محل إعجابي، لأنه حديث إخباري يقدم الباحة المنطقة للرأي العام لكني لم أتواصل مع أبي زهران إذ لم يكن ذلك متاحاً كما هي الحال عليه اليوم ثم قدر لي أن أعود إلى القرية عام 1396هـ، فرأيت الرجل عياناً في قريتي برفقة الأمير إبراهيم آل إبراهيم - يرحمه الله - عندما كان أميراً للمنطقة، وكان الأستاذ السلوك يحمل أداة تصوير ويقوم بتوثيق المناسبة، فقدمت نفسي إليه ووجدت أنه لا يجهلني إذ كنت أمارس الكتابة في صحيفة البلاد بين الفينة والفينة، ثم ما لبثت أن أنشأت أول مكتب صحافي بمنطقة الباحة لحساب صحيفة المدينة في عهد رئيس تحريرها الألمعي الأستاذ أحمد محمد محمود، فتوطدت العلاقة بيننا، وقد تبين لي أنني على صلة برجل عظيم فكراً وخلقاً وأريحية، وقد قدر له أن يمضي شطراً من حياته في مكة المكرمة حيث تشرب التحضر منذ الصغر، وهذا في حد ذاته سبب لتميز فكره وسلوكه ورؤاه عن الذين لم يغادروا القرى، فقد نشأت بينه وبين الكتاب علاقة أنعم بها من علاقة، حيث تحول إلى موسوعة تاريخية وجغرافية ولغوية، وقد كان قريباً من الأمير سعود السديري أمير منطقة الباحة السابق الذي كان يوالي كتابة مقال منظم في مجلة المنهل يومذاك فأعد كتابه الأول (المعجم الجغرافي لغامد وزهران) أحصى فيه قرى وأودية منطقة الباحة في تهامة والسراة والبادية إذ لم يكن ممكناً له القيام بذلك لولا العزيمة المتكئة على العمق الثقافي في شخصية الأستاذ علي السلوك. وعلى الرغم من ضخامة المنجز، وعمق الجهد المبذول من أجله فقد انتقص من جهده الغمازون اللمازون الذين لا يحسنون غير هذه النقيصة التي هي من صفات الرعاع وهو الذي أمضى عشرات السنين بلا كلل أو ملل في جمع مواد المعجم، ومواد موسوعة الموروث الشعبي (خمسة أجزاء) وكتاب (غامد وزهران السكان والمكان) وأخيراً كتابه (وثائق من التاريخ) الذي يتحدث عن التاريخ الموثق للمنطقة وقد ضمن عدداً من الوثائق النادرة التي يصعب الحصول عليها حيث لم يقدر له أن يراه فقد أصيب بصدمة عصبية بسبب الدخول مع الحمقى في جدل لم يكن يتوقع عمق حقدهم عليه وضغينتهم ضده ولا يزال يعاني من غيبوبة على مدى خمسة أعوام مضت، ولا يعلم إلا الله بحين خروجه منها.

والأستاذ علي السلوك رجل متحضر في سلوكه الخاص والعام وقد تميز بحرصه على استخدام حزام الأمان عندما يجلس في سيارته من قبل أن يعتمد المرور تطبيقه بسنوات ولو كنت مسؤولاً في المرور لمنحته جائزة تقديراً لوعيه وتفهمه لهذا الاختراع، ويعتبر الأستاذ السلوك مضيافاً إذ ما أكثر ما تتابع المدعوون إلى داره، حيث إذا كانت لديه مناسبة يحس أن كل الناس يعلمون عنها فيدعو الجميع إليها، وما أكثر الشخصيات البارزة على مستوى الوطن التي استضافها وأكرمها وبخاصة التي تصل للقيام بمهام عمل تخدم المنطقة وهو رجل أنيق في ملبسه وفي تعامله مع الآخرين، ومن فرط وعيه لا يستكنف أن يسأل عما لا يعلم، وفي ذات الوقت لا يبخل على سائليه بما يعلم، ولقد جمع بيني وبينه الترحال في داخل الوطن، وخارجه، فوجدت الوفاء والإيثار والموافقة عماد المرافقة عنده حد أنه يخجلني كثيراً بتلطفه معي، أما خدماته الوطنية فقد تمثلت إلى جانب خدمة الفكر والأدب في الاضطلاع بإنشاء جمعية تعاونية في بلدة قرن ظبي التي تعد من أكبر قرى المنطقة للقيام بالخدمات الاجتماعية ومنها شبكة الكهرباء وتوسعة طرق وممرات البلدة ذاتها، وكذلك اضطلاعه أيضاً بإنشاء أول جمعية خيرية تعنى بتحسين أوضاع الفقراء في داخل قريته وخارجها، وقد تمخض عنها قيام روضة أطفال، ومكتبة عامة، وكل معارفه يعلمون دوره الريادي في منطقة الباحة، وفي هذه الحالة أيضاً لم يسلم من ألسنة الأشرار، فقد رفعوا فيه الشكاوى، وآذوا مشاعره ولم يرعوا جميله، وما ذاك إلا لأنه رجل بارز قدم الكثير من المنجزات الحضارية التي تنم عن وعي، ووطنية، وطموح، ولا يتصدى لها إلا أصحاب الأهداف النبيلة، والحق أن الأديب علي بن صالح السلوك أولى من غيره بالتكريم الذي افتقده عندما كان يتوالى الركض في كفاحه المشروع من أجل خير المجموع فالعقوق حل محل الوفاء في وجدان من يكرهون النور ويفضلون الظلام وإنني أبتهل إلى الملك الحق المبين أن يمن عليه بعاجل الشفاء فهو ولي ذلك والقادر عليه.

*رئيس النادي الأدبي بالباحة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة