Culture Magazine Monday  18/06/2007 G Issue 203
الملف
الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1428   العدد  203
 

الأب .. والإنسان
د. زهران بن علي السلوك

 

 

في الحقيقة إن اللسان ليعجز عن الكلام ولا يستطيع البيان ويبقى المرء حيران من أين يبدأ؟ هل يوصف الحب والحنان أم عن العلاقة بالجيران أم بتربيته للإخوان أم عن حبه للعلم والتعليم أم بصلته بالأصدقاء والخلان أم بزياراته للمرضى ومشاركتهم في الأفراح والأتراح أم بره بوالديه أم بتفقده للمحتاجين أم بإخلاصه في عمله وتفانيه في خدمة دينه ثم مليكه ووطنه وحرصه على أوقات الدوام أم بسعيه للإصلاح بين الناس أم بمشاركته في المناشط الاجتماعية كالجمعيات الخيرية وجمعية أصدقاء المرضى والجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع والجمعية الخيرية السعودية للأطفال المعاقين أم بسعيه لإصلاح ذات البين وحل الخلافات العائلية والقبلية أم عن كرمه أم عن حسن خلقه في استماعه وإنصاته للصغير والكبير، أم عن تمسكه وتطبيقه للوائح والأنظمة، وقد أكتفي وأترك للقراء الكرام معرفة ما يحويه هذا النبع الذي لا ينضب. هذا قبل مرضه -شفاه الله وعافاه وجعل الجنة مثواه وجزاه عما قدم خير الجزاء- ولا يزال هذا النبع الصافي يتدفق عطاء حتى لحظة كتابة هذه الأسطر؛ فما زرعه خلال ما يزيد على الستين عاماً من خلال ما ذكر أعلاه ما زال هو وما زلنا نحن أبناؤه نجنيه من حب الأصدقاء والزملاء من الزيارات اليومية للمستشفى، وما نسمعه ونتعلمه يومياً من المواقف التي يحكيها لنا أصدقاء الوالد، لم نكن نعلمها من قبل، وقد لا يتسع المجال لذكرها جميعاً؛ لأنها قد تحتاج إلى مقالات ومقالات، ولكن قد يسمح لي القارئ الكريم ليرى بعضها مما سمعته أنا شخصياً ولأول مرة وفيها:

* ذكر لي أحد أبناء قريتنا (قرن ظبي) وهذا قريب جداً، حيث كنا في مناسبة عامة وسألني عن صحة والدي فذكرت له أنه في صحة جيدة -ولله الحمد والمنة- فقال لي عندما تخرجت من المتوسطة وهذا قبل حوالي الثلاثين سنة، سافرت مع والدك إلى الطائف وسألني ماذا تود أن تدرس وما هو طموحك العلمي. وكان السائد في تلك الفترة التوجه مباشرة للغالبية من الطلاب إلى معهد المعلمين والإحجام عن الدراسة الثانوية العامة، فقلت له لا أعلم وأنا في قرارة نفسي قد قررت أن أتجه لمعهد المعلمين، فبدأ يشجعني على أهمية العلم والتعلم، ولكني لم أستفد من تلك النصيحة التي لم أسمعها من أحد غيره.

* ذكر لنا أحد أصدقاء الوالد أنه أصيب بمرض في الكبد وذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لزراعة كبد، وهناك حس بالغربة والوحدة ومرارة الألم، ومن خفف عليه بعد الاتكال على الله إنه والدي (علي بن صالح السلوك) كان على اتصال به شبه يومي؛ حيث كان يتصل عليه بعد صلاة الفجر، وقد ذكر أنه أصبح موعد هذا الاتصال ثابت لديه؛ حيث كان يسأل عن صحته ويرفع من معنوياته حتى عودته من الرحلة العلاجية، يذكر أن هذا الموقف لم يحصل من أقرب أقربائه ولن ينساه.

* ذكر لنا أحد أبناء القرية الذين كانوا في الخارج لإتمام تعليمهم أنه أحس بالغربة والبعد عن الأهل والحنين للوطن، فيقول ذات ليلة وأنا في غرفتي بالولايات المتحدة الامريكية في ليلة باردة وماطرة فإذا بالتليفون يرن ونظرت للهاتف فلم أجد رقماً، وهذا يعني أن الاتصال خارجي وليس من داخل أمريكا، فرفعت السماعة، فإذا بصوت يسلم علي.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرددت عليه السلام فعرفني بنفسه (علي بن صالح السلوك)، وهذه ميزة كان يطبقها شفاه الله وعافاه عند الاتصال بأي أحد، وسألني عن أحوالي الدراسية، فذكرت له أن الأحوال على خير ما يرام، فشجعني وحرصني على التعلم وسألني هل أنت بحاجة شيء، هل ينقصك شيء فشكرته وسلم علي وأغلق السماعة ولم أعتد على اتصالات من أحد حتى من أهلى إلا نادراً، فلم أستوعب ذلك الموقف وكأنه حلم وليس حقيقة وبقية فترة من الوقت أسترجع ما حصل ومن هو المتصل ولماذا يتصل وليس هناك قرابة ولا علاقة مباشرة فهو في سن والدي وأدركت حينها مقام هذا الرجل (علي بن صالح السلوك) وحبه للعلم وعدم تفرقته بين قريب وبعيد؛ فالكل سواء ولن أنسى هذا الموقف ما حييت.

- الباحة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة