Culture Magazine Monday  18/06/2007 G Issue 203
الملف
الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1428   العدد  203
 

حبة اللوز!
أحمد الدويحي

 

 

مرت أربعة أو خمسة أشهر، وأنا قريب من تحضيرات هذا الملف الثقافي، لرجلٍ أعطى وطنه الكثير، تعمدت خلال هذه الفترة الطويلة، أمتحن ذاكرة المشهد الثقافي (الدفانة) في حزمة لقاءات ثقافية، وأطلب من الذين أتوسم منهم الوفاء، الكتابة حول شخصية الملف الثقافية، فيأتي الرد بالاعتذار، مصحوباً بمفردة وكلمات ثناء متواطئة في حق الرجل (كفؤ)، يقولها مثقفون كتّاب في أجناس أدبية متنوعة، وأداري حرج اللحظة والسؤال، وأقول إن بعض الكتّاب كحبات اللوز، يحتاج لتقشيره لتفهمه، ولكن - آه- من لكن هذه! حتى وجدت نفسي محاصرا، ومجبرا في اللحظة الأخيرة كالآخرين، للإجابة على ذات السؤال، وباتت أسئلة الأستاذ سعيد الدحية، ورسائله تطاردني..

الأستاذ علي بن صالح السلوك قامة شامخة اجتماعيا وثقافيا، يعد من أبرز وجوه المجتمع في الباحة، ورمز ثقافي من جيل عاصر مرحلة التكوين، الجيل الذي حفر في الصخر دون هوادة، ليبقي للأجيال التالية ما يغني عن السؤال..

تحفظ ذاكرتي هذا الاسم البارع مذ كنت طفلاً، يناغي الحرف قراءة ومتعة، وبالذات حينما يتناول الكاتب في هذه المرحلة من الغمر، شاناً أدبياً وفكرياً قريباً من العقل والعاطفة، وهذا ما أظن أن الأستاذ السلوك قد فعله معي. ويؤلمني أنه على امتداد أربعين عاماً، هي عمر معرفتي الثقافية بهذا العلم الثقافي، لم يتيسر لي معرفته وجهاً لوجه أبداً، وكنت كلّما تهيأت لي زيارة الباحة في الاجازات الصيفية، أهيئ نفسي للقائه فتذهب الأيام، وأبقى على الوعد.. وفي أحدى تلك العطل الصيفية من خمس سنوات تقريباً، سمعت أن الأستاذ السلوك أصيب بجلطة، ونُقل في غيبوبة إلى الرياض، وهنا أجد ما يبرر سؤالي للمثقفين والطلب منهم الكتابة عنه، وكأني أكفر لنفسي ومبرراً لها بضعف، الغياب الذي أعيشه أنا لا علي بن صالح السلوك!!

الرموز الثقافية في بلادنا، قضية لن تنتهي أبداً، فإذا كنا ما زلنا نعاني في زمن التسطيح والتهريج والبهرجة، وثقافة الإقصاء والتهميش والجحود، وقد أقصت كثيرا من حالات التنوع، وأغفلت ثقافة الأطراف في سيادة ثقافة المحور، فإن منجز علي بن صالح السلوك الجاد، لن يغيب من ذاكرة الأجيال، ولو غاب سنوات طويلة في مرضه. جئت لزيارته في مستشفى التخصصي مرات برفقة الأستاذ محمد الكلي، وأخرى برفقة الأستاذ الروائي إبراهيم الناصر الحميدان، وكنت أجد أبناءه البررة ومحبيه يحيطون به، ويلتمسون الدعاء له بالشفاء، وأشعر بغصة في الحلق حينما أشاهد رجلاً، حمل وطنه وإنسانه في داخله، بأرضه، تاريخه وفولكلوره وفنونه وشقائه وتعبه..

انقطعت عن زيارته (ما هذا الجحود؟) وسجلت وجعي وأسئلتي في مقال بهذه الصحيفة قبل سنة تقريباً، وظننت أن إدارة نادي الباحة الأدبي وربما إمارة المنطقة، لابد أن تفعل شيئاً لتكريم هذا الرائد الكبير، خصوصاً أن الرجل كان نائباً لرئيس النادي الأدبي، والعافية من الله..

يحدثني الصديق الأستاذ محمد القشعمي، وكان من الذين عرفوا هذا العلم عن قرب، إبان تكريم عبدالعزيز مشري في الباحة-رحمه الله، وحينها كانت الحرب ضد الحداثة في أوجها، وحينما تسري الإشاعات والأفعال الكيدية في مجتمع محافظ، فلا بد أن تفعل فعلتها، وهذا ما كان سيحدث في حفل تكريم الراحل المشري، لولا وجود رجل مثقف حقيقي اسمه علي بن صالح السلوك، فما فعله كان فعلاً ثقافياً عكس للنخبة القادمة للباحة الأمل في حوار مجدٍ.

نتاج الأستاذ علي بن صالح السلوك المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية (بلاد غامد وزهران) جزء من ثقافة الوطن وتاريخها، يأتي في ضمن المنظومة التاريخية التي كانت مشروعاً للرواد، وبالذات الأستاذ حمد الجاسر-رحمه الله، سأدع للباحثين والمتخصصين قراءته والكتابة عنه، فيكفي الرجل ما قدمه من جهد وعلى الجامعات والمختصين واجب دراسة هذا الأثر والإضافة منه، وأجزم ما من بيت ثقافي في الباحة، لا توجد فيه نسخ من نتاج الأستاذ السلوك، سواء التاريخية أو ما يتعلق بمنجزه عن التراث والشعر الشعبي وقراءته، وهذا في حد ذاته التكريم الحقيقي للكاتب. شكراً (للجزيرة)، شكراً لأهل الوفاء..

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة