الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th August,2003 العدد : 25

الأثنين 20 ,جمادى الآخر 1424

استراحة داخل صومعة الفكر ( 3/3 )
سعد البواردي
أغاني العاشقين
محمد التهامي
174 صفحة من القطع الصغير
إلى ولدي» مقطوعة انسانية لا بد وأن نتوقف عندها ولو للحظات:
«أنا قادم لك يا بني
وحق طهرك لا تنم
لا تحرمن أباك من
فمك الشهي إذا ابتسم
حلواك تلك أضمها
في لهفة بيديّ ضم
أسعى إليك وكل خا
فقة بقلبي تضطرم»
عواطف أبوية جياشة تتدفق في بحر الكلمات.. إلا أنها وحدها غير كافية.. ولا ترفع العتب عن صاحبها.. الطفل المسهد بسهره.. أو بدراسته.. أو حتى بعمله لا يمكن له أن يظل مغالباً لسباته حتى يعود إليه والده بعد أن يفرغ من زياراته. أو ارتباطاته.. مسؤولية الأب المتيم بولده أو ببنته أو حتى بشريكة حياته الا يطيل السهر عنهم ويحملهم ما لا يقدرون على حمله..
ونحن نقترب شيئاً فشيئاً من طيّ مساحة الرحلة مع شاعرنا محمد التهامي لا بد من أن نسرع الخطى كي لا يفوتنا قطار العودة إلى حيث بدأنا..
لأجلك يا ولدي» مقطوعة جمالية فدائية.. فمن أجل عينيه أحب الزمن الرديء.. أبدا أبق لابنك كل الحب دون أن تلوث ذلك الحب بزمن رديء لا يستحق الحب.. وإنما الغضب.. وأخرى تحت عنوان وأخيراً يا ولدي» تدور حول حلقة مفرغة.. مشحونة بالتقريرية وتعريف ما يعرف كأن يقول مخاطباً ابنه:
«إني أحبك يا بني.. ولا أحب لك الألم»
تأكيد لما لا يصح تأكيده.. فمن يحب يكره لمن يحب كل ما يكرهه لنفسه تلك بديهية لا تحتاج إلى اعتراف.. ومن ولده تأتي نقلة إلى أمه»:
«من قطرة، قطرة من حبك الحاني
قد صور الله يا أماه جسماني
ما كنت شيئاً وفي أحشاك ابدعني
ومن كيانك والأعضاء سواني»
يمضي شاعرنا مع أمه يبثها شعره ومشاعره مطرا من مداد حب لا يجف ويخف.. ولا يتلون بتلون الحياة:
«حب تنزه عن أغراض عالمنا
هذا الرخيص. المريب. الضائع. الفاني»
للشعراء أدوات يحاربون بها في ساحة حبهم.. الرموش.. العيون.. وكلها أدوات مفضوحة لا تنطلي على الخصم لغتها واحدة.. وأحاديثها مقروءة.. حتى ولو كانت بطول قصيدة شاعرنا أحاديث العيون» اختار منها هذا البيت:
«لغة العيون هي الحيا
ة بكل ما تعني الكلم»
إنها أحياناً يا صديقي قاتلة من نوع ذلك القتل اللذيذ الذي قال عنه الشاعر:
«إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا»..
إنها تملك غير الحياة أيضاً.. الاغراء والاغواء.. وأحياناً الوقوع في المصيدة.. نتجاوز رثائياته المتعددة.. مكتفين برثائية واحدة صاغها شعرا حزيناً يوم ان رحل الشاعر محمد مهدي الجواهري عن دنيانا: لم يتركه ينعم بهدوء مثواه.. وصمت قبره.. وسكون مصيره.. وإنما راح يلاحقه بالأسئلة.. هكذا هي صنعة الشعراء مع بعضهم.. احياء، وأمواتاً.. انهم لا يملون البحث عن أشياء خارج مداركهم.. أو حتى داخلها..
«مازلت تنشد في الحياة المنتهى
حتى بلغت ذرا السنين، وجزتها»
وهنا يبدأ طرح الاسئلة الموجهة إلى روح الغائب.. وما أظنها تجيب.. لأنها في علم الغيب.. والغيب لا يدريه إلا خالقه!
هل يا ترى بعد المسيرة كلها
بلغت فيما قد أردت المشتهى؟!
وهل الحياة وقد ظفرت بطولها
أفضت إليك بسرّها فعرفتها؟!
وهل الحياة تمردت.. وتباعدت؟!
أم أنت؟ انت مللتها فتركتها؟!
أم يا ترى هذي الحصيلة كلها
عمر تطاول ما تطاول. وانتهى؟!»
إنها الأخيرة يا صديقي.. كما ان رحلتنا الشعرية معك انتهت بنهايتها.. تلك هي اعمارنا.. انها محطات قد تطول وتقصر.. لا خيار للحوق فيها كأنها إرادة الخالق جل شأنه..
جميل أن ختمت تساؤلاتك بإجابة واحدة لا تقبل الجدل.. إنها الأجل.. نعم الأجل الحتمي لكل كائن حي منذ الأزل..
أجيال ترثها أجيال.. يزرعون ونحن نحصد.. ثم نزرع ليحصد من يأتي بعدنا.. وهلم جرا..
وبعد يا صديقي التهامي كان ألمك ينضح من بين ثنايا عشقك.. أين أملك؟ الحياة رغم قسوتها وسوداويتها دون أمل.. دون حلم نمني به أنفسنا تعني النهاية.. ونحن لا نريد لحياتنا أن ترتهن بالدموع. والدماء. والاغتراب.. والفشل دون بارقة أمل.. وضوء في نهاية النفق المظلم.. أعطنا الوجه الآخر المتفائل في شعرك.. بعيداً عن اليأس والقنوط فلربما تورق شجرة من بذرة صغيرة اسمها نبتة الحياة المتفائلة..

++
الرياض : ص.ب 231185 الرمز 11321
فاكس 2053338

++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved