الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 18th September,2006 العدد : 171

الأثنين 25 ,شعبان 1427

العرب من زوايا أمريكية (6)
إرهابي أبدايك
سعد البازعي

يمكنك أن تقول أشياء كثيرة عن رواية جون أبدايك (الإرهابي) The Terrorist (2006): إنها تدور حول العلاقات الزوجية، أو حول علاقة الإنسان بالدين بشكل عام، أو حول علاقة الفرد الأمريكي بالسلطة السياسية بعد 11سبتمبر، أو حول المجتمع الاستهلاكي الأمريكي ووقوع الفرد ضحية الاستغلال الرأسمالي، أو غير ذلك من موضوعات، يمكن أن يكون بينها بطبيعة الحال ما يتصل بالعنوان الرئيس: الإرهاب. لكن أياً من تلك الموضوعات، ومنها الإرهاب، ليس الموضوع الرئيس، على الرغم من أن الإرهاب يتصدر القائمة من حيث تطور الشخوص والأحداث.
فالإرهاب على أهميته يتحول إلى إطار، أو قضية يتم في إطارها طرح مسائل كثيرة تهم الإنسان الأمريكي كما يراه كاتب رفيع الثقافة عميق الرؤية وشديد التمكن من أدواته السردية.
من تلك المسائل تلك التي أشرت إليها: الاستهلاك، استغلال الفرد، العلاقة بالدين، وغيرها. كما أن منها بطبيعة الحال ظهور أفراد أو مواطنين أمريكيين يشعرون بالنفور من المجتمع الأمريكي الذي يعيشون بين ظهرانيه لأسباب تتصل بمعتقداتهم الخارجة عن التيار الثقافي والاجتماعي السائد وتتطور لديهم مشاعر عداء ورغبة في تغيير ذلك المجتمع على النحو الذي يعجبهم.
ذلك هو المدخل الذي يسمح للروائي الأمريكي بمعالجة شخصية مثل أحمد العشماوي، الشاب ذي الأب المصري والأم الأيرلندية الأصل والأمريكي مولداً وتربية ومواطنة. فهو الإطار الذي تتداخل ضمنه جملة قضايا أبرزها الإرهاب، لكنه يتحول إلى بوابة للدخول في تلك القضايا. وموقف أبدايك الواضح من كيفية المعالجة ومن نغمة الخطاب السردي موقف أقرب إلى النقد الساخر ليس من الإرهاب ومن يقف وراءه، كما سيتوقع الكثيرون، وإنما من الظروف المحيطة في المجتمع الأمريكي نفسه على مختلف المستويات، لكن طبيعة ذلك الموقف يخالطها شيء من الغموض.
وتتلخص القصة في أن الشاب أحمد يعيش مع والدته في مدينة (نيو بروسبكت) في بنسلفانيا، بعد أن تركهما أبوه المصري الذي كان قد جاء للدراسة في الولايات المتحدة. ثم تتوالى الأحداث من خلال قوتين تجتذب كل منهما أحمد باتجاهها: القوة الأولى يمثلها اليمني (رشيد)، إمام مسجد مجاور.
أما الثانية فتتمثل في أحد مدرسي أحمد في الثانوية التي يدرس بها. ومع أن أحمد يظل أقرب إلى الإمام بحكم توجهه الإسلامي وحرصه على تلاوة القرآن، الذي يفهمه بالإنجليزية وليس بالعربية، فإن تأثير المدرس (ليفي)، وهو يهودي ليبرالي يجيء حاسماً وفي الصفحات الأخيرة من الرواية.
علاقة أحمد بالإمام علاقة حميمة ولكن يتضح تدريجياً أن الإمام يعمل ضمن شبكة إرهابية تخطط للقيام بتفجير في نيويورك القريبة وتسعى إلى تجنيد أحمد لذلك الغرض، وهو ما يبدأ بالتحقق عندما يقرر أحمد عدم مواصلة الدراسة بعد الثانوية والاتجاه إلى مهنة قيادة الشاحنات، بتأثير على ما يبدو من الإمام. فقيادة الشاحنات تؤدي به إلى العمل مع شركة أثاث يملكها لبنانيون مهاجرون يهيئ أحدهم أحمد لقيادة السيارة المملوءة بالمتفجرات.
هذه الأحداث تتخللها مواقف كثيرة توضح ارتباط أحمد بالحياة اليومية في مدينته الصغيرة سواء مع والدته المسيحية ولكن غير المتدينة، أو مع الطلاب والطالبات في المدرسة أو مع جوانب أخرى من الحياة الأمريكية. فإلى جانب والدته التي تترك له حرية الاختيار في كل شيء، حتى في الديانة، هناك الفتاة الزنجية (جوريلين) وصديقها (تايلينول). الفتاة تعجب بأحمد وتحاول أن تجذبه إليها كما تفعل الفتيات الأمريكيات عادة مع الشبان، ولاسيما أنه قريب منها بسمرته الشرقية، بينما هو يصارع تلك الجاذبية الجنسية بالاعتصام بتعاليم الإسلام التي يحاول نقلها إلى الفتاة لهدايتها لكنه لا يقابل سوى بالرفض وأحياناً بالسخرية.
ومن مشاهد العلاقة بتلك الفتاة زيارة أحمد إلى كنيسة مجاورة بدعوة منها حيث تشارك هي في جوقة المنشدين أثناء القداس، فيعجب أحمد بأدائها لكنه يظل على نفوره من الكفر الأمريكي سواء في الحياة العلمانية أو في النصرانية المحيطة به.
مع اقتراب الأحداث إلى نهايتها نشاهد أحمد وهو يقبل القيام بالمهمة التفجيرية بوصفها استشهاداً يحثه عليه الإمام والشاب اللبناني (تشارلي) الذي يتضح في النهاية أنه عميل لوكالة الاستخبارات الأمريكية يخطط من جانبه للإيقاع بالشبكة الإرهابية لكنه يُكتشف من قبل أفراد تلك الشبكة ويقتل ذبحاً حين يكتشفون ما يخطط لهم. غير أن أحمد الذي أوكلت إليه مهمة التفجير يسعى في مهمته ويركب الشاحنة متجهاً إلى نفق لنكولن في نيويورك ليفجره ويقتل الكفرة.
تلك المهمة تفشل في اللحظات الأخيرة حين يتبين أن الحكومة الأمريكية تتابع العملية الأمر الذي يؤدي إلى وصول المعلومات إلى المدرس من خلال أخت زوجته التي تعمل في وزارة الأمن القومي.
يقوم المدرس إثر ذلك بالبحث عن أحمد ولا يجده فيقف في طريق الشاحنة وهي متجهة إلى مكان التفجير ليرافق أحمد محاولاً ثنيه عن مهمته. ومع أن المحاولة تبدو وكأنها فاشلة لا محالة فإن أحمد يقرر في اللحظات الأخيرة ألا يضغط الزر المؤدي إلى الانفجار. وهكذا ينجح اليهودي ليفي في إنقاذ نفسه وأحمد ومئات الأمريكيين من موت محقق.
بقي أن نعلم أن ليفي هذا يرتبط بعلاقة محرمة بأم أحمد العزباء، والطريف أنه ضمن محاولاته اليائسة ثني أحمد عن التفجير يصرخ في وجهه بأنه على علاقة بأمه (بل إنه يقول ذلك بطريقة مهينة)، فيفاجئه أحمد بردة فعل هادئة قائلاً إنه لم يستغرب ذلك. لكن ما يؤثر في أحمد على ما يبدو هو انكشاف المخطط وعلمه بأن الشاب اللبناني الذي كان قد وثق به واتخذه صديقاً لم يكن سوى عميل للاستخبارات.
هذه هي الأحداث مجملة وعلى نحو مخلّ لا محالة، فليس غير القراءة قادرة على توضيح مجريات الأحداث وتفاصيلها في رواية أبدايك الأخيرة. والسؤال، بل الأسئلة التي ستطرح نفسها، ليس على القارئ الذي لم يطلع على الرواية فحسب، وإنما أيضاً على من قرأها، هي: ماذا يريد أبدايك أن يقول من خلال روايته؟ ما موقفه من مختلف القضايا المطروحة، ولا سيما أن في الرواية قدراً كبيراً من السخرية التي تنتج نوعاً من الضبابية؟
لماذا اختار من العرب أو المسلمين اليمني واللبناني والمصري، ولماذا جعل الأم أيرلندية؟ ثم ماذا بشأن اليهود ودورهم؟
تلك وغيرها أسئلة لن أتمكن من الإجابة عنها كاملة، لكني سأقترح في المقالة التالية خطوطاً يمكن أن تساعد على الإجابة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved