الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 18th October,2004 العدد : 81

الأثنين 4 ,رمضان 1425

رحيل (الفقي).. شاعر الحزن والفلسفة الشاعرة!!
علوي طه الصافي
أستاذنا وشاعرنا الشامخ محمد حسن فقي..
حين قرأت خبر رحيلك من دنيا (الكَبَد) الضيقة إلى رحاب رحمة الخالق الواسعة إن شاء الله، نساب فجيع الفقد أمامي، وافترش الحزن طريقي كما يقول شاعر احترت كيف أخاطبك، ولم يبق لنا إلا أطياف شعرك الذي أزهر به جمال دنيانا، وأورق في بساتيننا، وأثمرت به نخيل الجزيرة العربية.
أعرف جيداً أنك لن تقرأ هذه الرسالة المكلومة بغيابك، اليتيمة برحيلك فقدنا أباً روحياً لنا نستمد من نثرك الضخم، وشعرك الأضخم عوالم الخير والحق والجمال، ونستضيء بك مشعلاً يثير صدى الطريق الطويل، والرحلة الأطول.
وأعرف جيداً أنك رحلت عنا وأنت غير راضٍ عما تعيشه أمتك العربية والإسلامية بتشرذمها، وخلافاتها، واختلافاتها مما جعل الأمم الأخرى تتداعى عليها كما يتداعى الذباب على قصعة التمر!!.
ألم يكن شعرك السامق شاهداً على هذا العصر اللئيم نتيجة أعمالنا الأكثر لؤماً؟
كنت بيننا مثل (ديوجين) تحمل مشعل البحث عن الحقيقة بروح صوفية صافية فإلى ماذا وصلت، وهل أدركت أنك وصلت ولو إلى شيء.. أم أنك رحلت وفي نفسك ما في نفس (ابن جني)؟
إن البحث عن الحقيقة صعب، والعثور عليها أصعب!!
لهذا تعرف أنك تكبدت في مسار حياتك الكثير، وعانيت الأكثر في منعطفاته العديدة، وأنك صعدت جبالاً، وهبطت أودية، وغامرت برحلاتك في عالم الأرض، ودنيا الخيال، وعوالم التخيل الشعري الذي انسكب من مداد قلمك شلالات من الحزن الدفين، ومطراً من الفلسفة المتشاعرة، ومواكب من الصور المنظومة كالعقد الثمين، المموسقة بالبحور، والراكضة على إيقاع اللغة التي أحببتها وشغفت بتجلياتها، هذه اللغة التي حمَّلتها همومك، وشجونك، وآهاتك ومناجاتك مع نفسك حين اضطرابها، وجيشانها وفيضانها وحين تحيط بها الوحدة الذاتية!!.
لقد تركتنا نحن العرب كما صورتنا في إحدى رباعياتك.. تخاطبنا حزيناً:
يا أيها العرب الذين تفرَّقوا
شيعاً فكاد كيانهم يتمزقُ
قد أثمر الخلف المفيد ثماره
فإذا العدو بكم محيط محدقُ
فتجمعوا وتفاهموا وتعاونوا
فالشر كل الشر أن تتفرقوا
لم نعِ ما قلت، ولم نستوعب نصيحة الحكمة والحكيم، وصحت علينا مقولة ذلك (الأعور الصهيوني) دبان (أتفق العرب على ألا يتفقوا)!!.
نحن يا سيدي (نراوح في مكاننا) لم نخطُ قيد أنملة الى الأمام، بل اذا سار العالم خطوتين الى الأمام، سرنا نحن عشر الخطوات الى الوراء.. إلى ماضٍ مشرق نحلم به، او أمس كثرت فيه هزائمنا، وقطع الأعداء أوصالاً غالية من جسم أرضنا، ونحن لا نملك ما يحدث إلا (الشجب والتنديد)، وهما وسيلة العاجز المغلوب على أمره.
صدقني يا أستاذنا انني قاطعت مشاهدة أخبار القنوات الفضائية تجنبا لمشاهدة مناظر الذل والمهانة والعار التي تحدث في فلسطيننا الجرح الكبير في تاريخنا لأن الأندلس كانت الجرح الأكبر وعراقنا الجرح الجديد، فكأننا كما قال الشاعر (ابن النحاس المدني) في ألم ومعاناة (كلما داويت جرحاً سال جرح).
فإلى متى يا أستاذنا نظل نعيش حياة (الجراح)؟
ومتى ستلتئم هذه الجراح ليعيش الجسم العربي والاسلامي سليما صحيحا معافى ليبني نفسه، ويسترد كرامته، وينطلق متقدما حضاريا، لا نود أن نستسلم للأحلام التي ذبحتنا، فنود أن نكون في مقدمة المتقدمين الحضاريين، وإنما في الموكب ومع الموكب الذي سبقنا بأرقام فلكية في كل مضمار!!.
اعذرني يا أستاذنا الشاعر الكبير (الفقي) إذا استطردت في نعي أنفسنا، في الوقت الذي جئت لنعيك، والتعبير عن مشاعر الأسى والحزن التي أصيبت بالوجوم والذهول عند سماعها خبر وفاتك، وهي مشاعر قرائك الكثر، وأحبابك الأكثرين.
وهذا الاستطراد جاء عفويا، وصوتا صادقاً يسكن شعرك المورق المونق الذي نتفيأ بظلاله، ونستمطر غيومه، إنه ترجمة لهذا الشعر الذي أضناك بهمومه (الذاتية العربية الاسلامية).
أنت يا أستاذي تعرف انني لست شاعراً، لكنني حاولت من خلال رحيلك أن أكون (شويعراً) يرثي نفسه في حياته:
من ترابٍ أتيتُ
إلى ترابٍ أعودُ
هذه الدينا فماذا أريدُ
أغنىً أقضي العمر في جمعه
وفي البنوك بنمو الرصيد
أم في وجاهة تسودُ أو لا تسود
أم في امتلاك الأطيان في كل أرض
وامتلاك العقود في صندوق
ألهذا أعيش وأحيا
أفني العمر كله في لهاث
من مطار الى مدينة أجول اغتراباً
في سبيل الفلوس
وجمع النقود
حياة كئيبة وعمر بئيس
أن يكون المراد قرش وفلس
والجني حصاده افلاس
بئس الافلاس يدعو الى الافلاس!!
وأخيراً هل أقول يا أستاذنا وداعاً، وأنتم السابقون ونحن اللاحقون؟
أقولها، وقبلها أقول تغمدك الله بواسع رحمته.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.

alawi@alsafi.com
ص.ب (7967) الرياض (11472).

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved