الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 18th October,2004 العدد : 81

الأثنين 4 ,رمضان 1425

مذكرات تلميذ صغير
سلوى أبو مدين
كلما استيقظت كنت أحاول أن أفرغ تلك الشحنة التي حاصرت ذاكرتي، بل حنطتها، أنقم على الأيام التي حاصرتني في بوتقة الخوف.
هلع ينتابني وأنا أسمع عن هول المدرسة وما تخفيه خلف الأسوار..!
أذكر جيداً تلك الليلة الحالكة التي تظاهرت فيها بالمرض،
إلا أن جدتي الرحيمة كانت أسرع على احتوائي..
***
كانت لدي المقدرة على افتعال المرض، بينما جدتي أقدر
لاستيعاب ذاك الخوف..!
وكلما عبرت حضنها الدافئ أجد مشاعري تتكلس، لكن القلب الحاني ظل يطوقني بفيضه.!
***
أستيقظ مع صباح شاحب خبا ضوؤه، لا تحملني قدماي..
أرتعد للحظات.. غير أن نظراتها فيه دافع قوي لمواجهة أول يوم في حياتي الدراسية!
كنت أحمل جسداً بأعضاء ناقصة..!
ولا أعلم إلى أين سيحملني في يومي ذاك.؟
حتى الوقت لم يمهلني قليلا..!
***
يبدو أني محاصر بقتامة لم أعهدها من قبل.!
بقلب صغير حملتني خطواتي المثقلة إلى شارع ممتد، وقفت أتأمله
من بعد، فأرى وجوها تتدافع مسرعة.. سياج يطوق تلك البراءة.
أمام عيني مبنى ضخم تحيط بجوانبه أشجار السرو العالية.
انتظرت أتبع خطوتي التي حملتني فوق جليد
أو وربما فوق جمرة من ضضاح.!
وقفت مأخوذا بدكان قرميدي عتيق يبيع الحلوى.
كل شيء يستيقظ باكراً، حتى المطر تنساب فوق الغيوم.
كانت حواسي لا تلتمس سوى الفضاء الجريح..!
أمشي خطوات، أجد ظلا آخر يتبعني.
حتى إذا ما توقفت وجدت خوفي خلفي.!
باب معدني أخضر، حارس طاعن في السن.
يجلس على كرسي خوص.. تحمل ملامحه تعب السنين..
ابتسامة باهتة مفتعلة ترتسم على وجهه.!
مجموعة من الحقائب تقفز على ظهر الصغار.. تتبعهم حيث ساروا..!
***
حجرة واسعة لا تحمل ملامحها أي نوع من الدفء..
كراسي مصطفة.. مقاعد باردة.. لوح خشبي كبير
يقف أمامه رجل فارع الطول ونظارة فوق عينيه..!
على وجهه ابتسامة صباحية مهنئا ببداية العام الجديد.!
كان يعبر بين مقاعدنا وهو يتأمل وجوهنا التي حملت رعبا، وعلى الأرجح بهتت على شفاهنا البسمة..!
***
استدار نحو اللوح الخشبي.. وأمسك يكتب كلمات متشابكة
ربما أرقاما.. لم تكن لدي القدرة على استيعابها.!
يغرقني شبح الخوف.. تدركني كلماته..
عندما سألني عن اسمي.. وأجبته بدهشة..
ارتعدت قامتي الضئيلة..
خواء علق على نفسي..!
عصا طويلة حملها تحت إبطه.. أوراقا ملونة أشياء كثيرة لا أعرفها.؟
تحلق ذاكرتي بصور نحتّها.!
حصاني الخشبي.. هدير المطر.. قصص جدتي..
أغادر نفسي للحظات.. أقف مثل جذع شجرة خاو
تعبث بي الريح..!
***
جدار الفصل.. نافذتي.. كل شيء تجمد.
عدت وضاقت بي الأبعاد.. حياة أخرى في فضاء الروح.
أقف أمام اللوح الخشبي.. لا أجد اسما مرادفا للخوف.!
سوى ريبة تتوجسني..!
وجه معلمي لوحة تحمل غابات الشتاء المبللة..
يربت بيده على كتفي ويدعوني حيث مقعدي..
أنين مخنوق يمر على سهام نفسي.. يغتال فرحي!
تعبث بي صور أصدقائي.. لعبهم.. ضحكاتهم..
أبقى وحيدا.. خلف باب موصد.!
أفتح نافذة جديدة.. لا تعرف شيئا عن أقلام المدرسة الملونة،
أو حقيبتها.. أجوب الطريق بدمعتين.. وقلب عانق الخوف..
في صباح يوم كئيب.. أسلم نفسي لطريق طويل
تتبعني حقيبة تحملها يدي الصغيرة..
وقلم ملون ورغبة زائفة تحملني كرها حيث لا أريد..
لا يبقى شيئا في ذاكرتي سوى طفولة الكلمات تعبث بي،
تحيل الخريف ربيعا.. والضعف قوة..
وما زلت أحلم أن تحملها الأيام لتدفعني من جديد بحقيبة صغيرة،
وأقلام ملونة وحذاء أكبر من حجمي.. لتعيد لي طعم الشتاء القاتم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved