الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th January,2004 العدد : 44

الأثنين 27 ,ذو القعدة 1424

من حذاء الطنبوري.. إلى أحذية المارينز
طوبى لأحذية المقهورين
سالمة الموشي *
أليس من الأفضل أن يفعل الإنسان ما يريد أو يفشل، بدلاً من أن يغدو نكرة..!
هنري ميلر
لم تعد الأحذية قصراً على الأقدام فقد تطورت تطوراً سياسياً أيضا إذ أصبح لها وكما كان لها من قبل علاقة صلة بمعارك غير عادلة في أغلبها فهي عند عرباننا باستثناء تركها هربا.. يضرب بها الضعفاء، والنساء والأطفال في حالات السلم بالطبع، أما في حالات الحرب فتستل من القدم لمحاولة درء الأعداء لتضرب بها دبابة إسرائيلية أو أمريكية، أو لضرب صورة فار كان رئيساً، أو تمثال كان ذا مهابة.!
سقطت أوراق التوت، وانهالت الأحذية على بشاعة العورات ذلك أهم حدث في العام 2003م ولعل المتابع لأهم أحداث العام المنصرم حتما سيتذكر الكثير من مآسي حذائنا العربي ولنا في صورة عجوز عراقي وطفل فلسطين قصص، وعبرة، أولئك الذين لاذوا بحصى الأرض وأحذيتها بعد أن أعيتهم نوايا «اصبروا وصابروا» و«الموت للأعداء» وأنه ليخجل التاريخ من حجارة ومقاليع أطفال فلسطين ومن بعدهم أطفال العراق بعدما كبر الظلم وبدأت أحذية البسطاء تصرخ..!
اليوم إنساننا العربي على موعد مع سلاح جديد، فافسحوا له الطريق.. لأنه يفتش عما يعيد لذاته الاعتبار. حفنة من الساسة التي تدير امبريالية العالم أهانته على طريقة شريعة الغاب، وهل بعد المهانة ماء وجه، أو بعد شريعة الغاب عدل ينتظر..؟!
إن الخطاب الذي يتحدث الآن ليس نقديا على طريقة دريدا، وليس توفيقيا على طريقة إصلاح ذات البين، ليس على طريقة بلاد العرب أوطاني مطلقا إنه في واقع الأمر سلاح جديد لم يتردد بسطاء الأمة، ومقهوروها عن رفعه بأيديهم المتعبة والضرب به.
إذاً، أن يضرب به ليس بجديد، الجديد من الذي يضرب به..؟!!، بأية كيفية..؟! إنها في الآخر مسألة خطاب، خطاب من لا يعرفون خطابات البيانات السياسية، ولا خطابات مثقفي النقديين العرب أو نخبوي المنابر الباردة.
مضى عام آخر سينضم إلى قائمة أعوام المابعديات «ما بعد سبتمبر، ما بعد حرب العراق، ما بعد صدام/ ما بعد مايو..» وربما سنجد يوما أننا أمام مرحلة ما بعد الحذاء..!! مستقبل أمتنا أصبح رهن ما بعديات كثيرة ومحزنة لن تتوقف عن سفك دماء الأمة، وشرب نخب السلام والحريات التي لا تأتي..!
حينما تتوقف الكعكة عن النمو، يتغير الحراك السياسي حسب لستر براون وبالمقابل فانه في عالمنا الذي أردناه ثالثا وأخيرا بكل المقاييس حينما تتوقف العدالة الإنسانية والسياسية سينمو شيء ويظهر ولو كان حذاء، وسيحاول إنساننا أن يتغير وإن كلفه الأمر ترك حذائه ليهرب، فأسلحتنا على مدار السنوات الطويلة من اللاعدالة السياسية تجاه العرب صدئت بامتياز وتطورت مقابلها أيضاً وبامتياز أحذيتنا بحيث أصبحت أكثر أناقة وأغلى ثمنا.
من الواضح أن الحذاء تطور عبر تاريخنا العربي تطورا ملحوظا، فمن حذاء زوجة هارون الرشيد الذي كان من الذهب الخالص إلى الأحذية المهزومة التي يلوذ مقتنوها بالفرار، إلى الأحذية المحرمة، والأحذية المباحة، و من أحذية الفقراء إلى أحذية الأثرياء تاريخ من السير الشاق المضني.
إن ثقافة ما لها علاقة مباشرة بالانسحاق، والدهس في طريقها لتبني خطاب له صلة وثيقة بالركل على غرار «اضرب واهرب» إذ لم تعد تجدي ثقافة خطاب «قل وانكر»، فالضرب، والهرب أصبح أحد أهم سمات ودفاعات عالمنا الثالث. لنقل للتاريخ في غير كبرياء أو خجل المكتوب على الجبين يا تاريخنا..!! تجاهل بعضه، أو جله «اذكروا محاسن موتاكم» لا نملك إلا أن ندّعي هذه الحقيقة، نكاية بالتاريخ، نكاية بمن عروا فارسنا الفزاعة ونكاية بمن أسقطوا سيفك الخشبي سنشذب، ونستنكر طويلا، قضيتنا عادلة، عادلة عادلة.. ألم تسمعوا بشيخ الأزهر، وياسر عرفات وهما يقولانها في كل مرة ثلاثا..! إذا..، هي كذلك، كذلك، كذلك..!!
في الماضي كانت أحذية البشر تتساوى، اليوم في أحسن الحالات أحذية العربي سلاح إرهابي عليه ألا يقدم على لمسه وإلا...، فحذاء المارينز الأمريكي، وحذاء اليهودي أكثر هيبة من حذاء عراقي يضرب تمثال صدام، أو ثائرين أرادوا ضرب أحمد ماهر الفوارق محفوظة بالتأكيد فالحذاء المارينزي ونظيره اليهودي يطأ ليسحق حتى الموت، وحذاء عرباننا يناوش ليخفف من كآبته وحسب.
مضى عام شديد الوطأة، شرس الأنياب، التهم الكثير من فرص الفوز أو النجاة وترك لنا نحيب موتى إنساننا العربي وصور موتى سكنت في أرواحنا.. لنقرأ الفاتحة على الذين رحلوا دون أن يطرحوا على العالم أسئلتهم، أو أن يقذفوا صورة أو تمثالاً بأحذيتهم، رحلوا وتركوا لنا حذاء لنبدأ به قصة أخرى، وعاماً آخر.
لا بد أن المراقبين لن يغفلوا في تقارير منظماتهم الكثيرة «فلسفة الحذاء العربي الأصيل» ولعلهم يعيدونه إلى أصوله التاريخية البعيدة التي نعرفها في تاريخنا نوادر لا تكف عن إضحاكنا، ومع فارق الأزمنة أيضا فإن حذاء أبو القاسم الطنبوري الذي تخلص منه برميه في البحر لا يضاهي حذاء عربي يلقمه لتمثال طاغية، أو يضرب به صورة كانت، كما أنه لم يفكر برميه في البحر فهو منشغل حتى الثمالة بشرب ماء البحر حسب قانون السياسة العالمية حتى الثمالة تركت لثقافتنا المحافظة أن نضحك من حذاء شاري شابلن، وأن نتداول حكايا ضياع حذاء السندريلا، لكنها بالمقابل وعلى نحو عملي تركت لتاريخنا أن يدون بدم بارد كم في أوطاننا من رؤوس وطأتها الأحذية، وكم من أحذية مسحت أجواخها وسجل يا تاريخ!!.
أصبحت سياسة الأحذية هي كل ما يستطيعه هذا العربي أيا كان، دقت ساعة الأحذية، وطوبى لأحذية المقهورين إنها قادمة، ربما لإنقاذ التاريخ، الذي يدون نواياه لمخلصين لا يأتون..!
هكذا ينتصر بؤس الإنسان، وينتحب في محراب العالم الضاج، مرتلا الموت للتمثال، الموت للصورة وطوبى لأحذية أوهام المنتصرين، وللفارين الذين تركوا للبقية أحذيتهم.


* كاتبة صحفية
salmoshi@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved