الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th January,2004 العدد : 44

الأثنين 27 ,ذو القعدة 1424

مساقات
الشاعر بوصفه كلمة شعريّة! (2)
د. عبدالله الفيفي

1
كان الشاعر قديماً يكتسب لقبه بسبب تكراره كلمة في شعره. وكأنما هذا على سبيل نقد ظاهرة التكرار لديه. وذلك على غرار ما فعلوه في تلقيب صاحب المعنى بمعناه أو صاحب الغرض الشعري الغالب على شعره بغرضه، كما تقدّم في مساقٍ سلف عن لقب (كعب الأمثال) وغيره. فمن ذلك تلقيبهم الشاعر المخضرم (يزيد بن ضرار الذبياني الغطفاني، ت.نحو 631م) ب( المُزَرِّد)؛ وذلك لقوله، يصف زُبْدَة:
فجاء بها صفراءَ ذات أسرّةٍ
تكاد عليها ربّة البيت تكمدُ
فقلتُ تزرّدْها عبيد فإنني
لدُرْدِ الموالي في السِّنين مُزَرِّدُ 1
على أنه يبدو لهذا اللقب إلى سببه الشعري سبب اجتماعي يتعلق بما كان يوصف به المزرّد من بُخْل، بَلَغَ به حدّ كسر القيمة العربية في الكَرَم، ليس بعدم التزامه بتلك القيمة الاجتماعية فحسب وإنما بمعاداتها أيضاً؛ حيث كان أحد هجاة الضيفان بل هجا قومه أنفسهم حتى لقد حلف أن لاينزل به ضيفٌ إلاّ هجاه ولا يتنكّب بيته إلا هجاه 2. ومن ثمّ كان بيته الشعريّ الذي كرّر فيه مادة «الازدراد» صورة ساخرة من قيمة الكَرَم. فَقَلبَ المجتمع للشاعر ظهر السخرية بالضيفان لقباً يسخر من الشاعر، على المستوى الشعريّ والاجتماعيّ.
وليس من غاية هذه الحفريات النقدية استقصاء ألقاب من لُقّبوا من الشعراء بألفاظ من شعرهم، وإنما تقف من ذاك على ما تستشفّ وراءه مثالاً على رؤية العرب للطبيعة الشعرية أو نقدهم إياها.
على أن من تلك الألقاب ما ليس بذي أهمية في هذا الصدد. وذلك كلقب (أعْصُر)، الذي لُقّب به (منبّه بن سعد بن قيس، الجدّ الجاهلي ) لقوله:
أعميرُ إنّ أباك شيّب رأسهُ
كرُّ الليالي واختلافُ الأَعْصُرِ 3
أو (المُتَنَكِّب)، لقباً ل (عمرو، أو عامر، بن جابر بن كعب الخزاعي، شاعر جاهلي قديم). لقوله:
تنكّبتُ للحرب العضوضِ التي أرى
ألا من يحاربْ قومه يتنكّبِ 4
فمثل هذين اللقبين (أعْصُر والمُتَنَكِّب) لايعدو كونه كلمة شعرية انطبقت دلالتها على شخصية صاحبها، وكأن لسان حالهم يقول عن (أَعْصُر): «صدق إنه لأَعْصُر!»، نظراً لما عُمّر، فهو من المعمّرين. أو لل (مُتَنَكِّب)، ولعله كان يتنكّب الحرب فعلاً في حياته: «صدق إنه لمُتَنَكِّب!». فسارت الكلمتان لقبين لهما.
بل إن من الألقاب الشعرية ما يضاف إلى عدم خصوصيتها الدلالية عدم اشتهار أصحابها بها. كلقب (قطيل)، لأبي ذؤيب الهذلي، الذي صار لأبي ذؤيب لقباً غير مشتهرٍ لقوله: «ثقال الصخر والخشب القطيل 5». ومثل هذا لقب (الحسام) ل (حسان بن ثابت، ت.674م)، لقوله: «فسوف يجيبكم عنه حسامٌ ... 6». وكأنّ لقب «الحسامية الشعرية» هاهنا قد مثّل معوّضاً نفسيّاً لدى حسّان عن «الحسامية القتالية».
2
ومن تلك الألقاب الشعرية المشتقة من شعر الشعراء ما يتجاوز المفردة إلى صيغٍ في جُمَل أو أشباه جُمَل. منها ما ليست له قيمة في الدلالة على شعر الشاعر أو موقف المتلقّين منه، وإنما هو يمثّل عبارة لفتت الأنظار واشتهرت فصارت لصاحبها لقباً. نحو لقب (معوّد الحكماء) ل (معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب)، لقوله: «أُعوّد مثلها الحكماء بعدي...». لا سيما أن قائل هذه العبارة حين قالها كان لا يزال غلاماً حدث السن 7. ومثله (معوّد الفتيان) لقباً ل(ناجية الجرمي)، لقوله: «أُعوّد الفتيان بعدي ليفعلوا...». ولا سيما أن هذا البيت كانت له قصة 8. فهذان اللقبان وأمثالهما لا أهمية للبحث وراءهما.
وكذا يمكن القول عمّا لا يلمح وراء اكتساب الشاعر التلقيب به سوى طرافة التعبير. من نحو لقب (النذير العريان). لقوله: «أنا المنذر العريان ينبذ ثوبه...». وللبيت قصة كذلك، كانت مع طرافة تعبير الشاعر وراء شهرته بلقبه 9.
إلاّ أن من تلك الألقاب مايعبّر عن ملحوظات نقدية أسلوبية على شعر الشاعر. فمنها ما يسجل إلحاح الشاعر على تعبير في شعره. كتكرار «الخِرَق» في شعر (ذي الخرق الطهوي) وهنالك أكثر من شاعر يدعى (ذا الخرق) 10 حين قال 11:
لمّا رأت إبلي هزلَى حمولتها
جاءت عجافاً عليها الريش والخِرَقُ.
وقال:
وما خطبنا إلى قوم بناتهمُ
إلاّ بأرعن في حافاته الخِرَقُ
وفي المساق المقبل استكمال هذه الظاهرة من تلقيب الشعراء لدوافع نقدية.
إحالات:
1) الآمدي، (1982)، المؤتلف والمختلف، عناية: ف.كرنكو (بيروت: دار الكتب العلمية)، 190؛ الجاحظ، (1975)، البيان والتبيين، تح. عبدالسلام محمد هارون (القاهرة: مكتبة الخانجي)، 1:374.
2) انظر: المرزباني، (1960)، معجم الشعراء، تح. عبدالستار أحمد فراج (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية)، 496؛ ابن قتيبة، (1966)، الشعر والشعراء، تح. أحمد محمد شاكر (القاهرة: دار المعارف)، 315316.
3) انظر: المرزباني، 466.
4) انظر: م.ن، 234، الآمدي، 180، السيوطي، (د.ت)، المزهر في علوم العربية وأنواعها، عناية: محمد أحمد جاد المولى، وآخرَين (القاهرة: دار التراث) 2:439.
5) انظر: السيوطي، 2:442؛ ابن منظور، لسان العرب (قطل).
6) انظر: السيوطي، م.ن؛ العبادلة، عثمان محمد، (1991)، ألقاب الشعراء بين الجاهلية والإسلام، (القاهرة: دار النهضة العربية)، 1415.
7) انظر: الآمدي، 188، الضبي، (د.ت)، المفضليات، تح. أحمد محمد شاكر وعبدالسلام محمد هارون (القاهرة: دار المعارف)، 354: العاني، سامي مكي، (1999)، إتمام الوفاء في معجم الشعراء، (بيروت: مكتبة لبنان)، 228229 العبادلة، 13.
8) انظر: الآمدي، م.ن؛ العبادلة، 14.
9) انظر: الآمدي، 131؛ ابن منظور، (عرا).
10) انظر: الآمدي، 119.
11) الأصمعي، (1993)، الأصمعيات، تح. أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون (مصر: دار المعارف)، 124، الجوهري، صحاح اللغة، (خرق)؛ البكري، (1936) سمط اللآلئ، تح. عبدالعزيز الميمني (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة)، 2: 747، البغدادي، (1979)، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تح. عبدالسلام محمد هارون (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، 1:4243.


aalfaify@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved