الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th January,2004 العدد : 44

الأثنين 27 ,ذو القعدة 1424

المتن والهامش
مقدمة في صفة الشعر ( 4/1 )
محمد العمري

وإذن لا يكون المفهوم إلاّ حيزاً معرفياً واقعاً في شرط الحد والنطاق، وبهذا الاعتبار فإنَّ كل مفهوم لابد ان يكون ضداً معرفياً لانفلات اللغة من شرطها الذي كنا نقول عنه: إنه كون كل إمكان فيها معرفيا بالضرورة، هذا يعني ان اللغة التي هي الشرط الأول لمثول المفهوم، انها تنفي «التعاظل» الذي يوهم أكثر مما يثرى، فيما هو ذو صلة تجيز المفاهيم باطلاق، ومن ذلك حيز المفهوم الذي نسميه الشعر، وبهذا الاعتبار فإن الشعر من حيث هو حال تكييف للغة ومن حيث هو حال اشتقاق للسياق الجمالي بما هو إمكان لغوي مخبوء، إنه لا يمكن ان يكون تعاضلاً لغوياً، ذلك التعال في حقيقة الأمر نفي لفكرة النظام ولشرط الحد الجمالي ولطبيعة المفهوم، وربما هو سائغ أن أنزله في منزلة الظاهرة «ظاهرة التعاظل» إن اللغة بإزاء هذه الظاهرة تكون في حال انسياح وتكون منفكة عن شرطها وعن إمكانها بما فيه سندها الجمالي، ويتبع ذلك تنفك هي ذاتها عن أن تبلغ حيز المفهوم المعرفي فلا تكون حينها شيئاً غير كونها صوتاً وصورة مكتوبة رافدة بغير سند، لافي مستوى النظام ولا في مستوى المتن الذهني الذي كنا نقول عنه: إنه جمالي، والملاحظ ان هذه المعضلة كثيراً ما يمكن ملاحظتها في مطلق نماذج قصيدة النثر، إنها شراذم من الكلمات متعاظلة لا تعني شيئاً ولو في المعنى التخيلي بما هو جوهر المجاز، الآن فكرة اشتقاق السياق الجمالي تعادل فكرة الشعر، أو أنها تحوّل المتن الذهني الجمالي إلى ظرفه العقلي الفرد، ذلك شرط الشعرية، ونحن نقول: إن ذلك الذي نسميه سياقاً جمالياً إنما هو المطلق الجمالي الذي تنطوي عليه اللغة، فيما فكرة الاشتقاق المطلق الذهني الذي ينطوي عليه العقل الجمالي، أي أننا نقول الآن بفكرة الطيف أو فكرة الثراء فيما هو ذو صلة بتعدد ذلك الذي نسميه مطلقاً ذهنياً جمالياً.
إن تعدد المثال الجمالي يتبع ذلك إحالة إلى تعدد مراتب المطلق الذهني بما هي مماثلة لحقيقة رياضية هي حقيقة «ما لا نهاية» أي أن المتن الجمالي اللغوي بهذا الاعتبار غير منتهٍ إلى حد لأن المطلق الذهني غير منته إلى حد، ولأن المطلق الجمالي الذي تنطوي عليه اللغة غير منته إلى حد هو كذلك، إذن بأية أداةٍ معرفية يمكن ان نسوِّغ ظاهرة التعاظل التي ألمحت إليها قبل قليل؟ إنها مناقضة لشرط المفهوم ونافية لإمكان اشتقاق السياق الجمالي أكثر من كونها تفعل ذلك، ربما يكون في وسعنا أن نرجع هذا إلى انتفاء شرط المتن الذهني الفرد، ذلك الذي يؤول باللغة إلي ثراء مطلقها الجمالي الزاخر، أي أنه ليس هنا مطلق ذهني يكون في موازاة المطلق اللغوي، هذا الذي نسميه المطلق الذهني، يتنزل في مرتبة الأداة المعرفية، انها بدهية، ليس في وسعك أن تكون بإزاء أي ملمح جمالي للغة بدون ذلك الشرط وتلك الأداة.
إن المفردة أو الإشارة اللغوية عند ذلك تتحول إلى وحدة أولية معطلة بقدر ما نحن بإزاء مطلق ذهني متعذر أو غير متحقق، هكذا لايكون في وسع المملكة اللغوية ان تتعالى إلي مرتبة الفراق العقلي الفرد، كنت في حقيقة الأمر أعطي الشعر هذا التعريف العام: «إنه الظرف العقلي الفرد في معادلة اللغوي الفرد» هذا هو الفرق إذن بين العقل الشعري والعقل العام، إن في وسعنا ان نقول الآن: «إن العقل الشعري انطواء الإمكان العقلي على الإمكان اللغوي الفرد، هذه فكرة الترادف والتقابل أو فكرة الواحد والمتعدد، أي أننا من وجه نقول بتعدد هذين الجناحين واختلافهما ومن وجه نقول بتماثلهما وكونهما تواشجاً أو انطواء لأحدهما على الآخر، إذن هذه مسألة بحاجة إلى شيء من الايضاح.
دعونا ننظر في فكرة العقل العام «إن ظاهرة التعاظل آيلة إلى فكرة العقل العام في المستوى الجمالي وفي مستوى النموذج الجمالي على وجه التحديد، العقل العام أو الذي لا يبلغ منزلة مما نسميه عقلا شعرياً يؤول باللغة إلى ظاهرة التعاظل، الآن العقل العام انطواء صفة العقل في مرتبتها العامة على الإمكان اللغوي المشترك، ونحن نلاحظ أن ملمحين معرفيين هما: الإمكان اللغوي الفرد والإمكان اللغوي المشترك، هذان نطاقا معرفة متباينان، نطاق الاشتراك هو صفة اللغة الفاعلة أو الاجرائية، هذه لغة الدلالة، فيما نطاق الفرادة صفة اللغة المفارقة أو اللغة حال كونها انفكاكاً للسياق الذي قلنا إنه السياق الجمالي، تلك لغة المجاز أو الظرف العقلي الفرد أو لغة الشعر، هذه الفكرة من أساسات النظرية الجمالية تكون اللغة اشتراكاً معرفيا وتكون اللغة سياقاً جمالياً وهي حال كونها اشتراكا معرفيا في موازاة العقل العام فيما هي حال كونها سياقاً جمالياً في موازاة العقل الفرد أو المطلق الذهني الجمالي الفرد، من هذه الحيثية أيضا تتأتى فكرة النظرية التي هي نظرية التلقي، غير ان من شرطها ألا نوقع ما نسميه عقلا عاما في نطاق ما نسميه عقلا فرداً، لأن من شأن هذا ان يفضي إلى نفي الشرط المعرفي الجمالي لما لا يكون في مرتبة المعرفية، ويوشك أن يكون هذا هو الذي ترجع إليه حال التفاوت بين المثال الجمالي والذائقة العامة أو ذائقة الجماهير.
ونحن الآن بين واقعين هما في حال التضاد الكامل: واقع اللغة المتعاظلة التي لا تقول شيئا غير أنها صوت وصورة مكتوبة، وواقع اللغة المتعالية حال كونها سياقاً جمالياً مشتقا من إمكانها الجمالي المطلق، وكلاهما في أزمة صلة مع الذائقة: لأن التعاظل تنفيه اللغة باعتبار كونها نظاماً وباعتبار كونها عقلا فرداً وعاماً، ومن هذا الاعتبار لا نكون بإزاء المعنى التخيلي ولا المجاز كما لا نكون بإزاء أي مستوى من مستويات الدلالة، هذه هي فكرة النفي، نفي اللغة ذاتها لذاتها حال كونها في صفة التعاظل، وللحديث صلة إن شاء الله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved