الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th April,2004 العدد : 55

الأثنين 29 ,صفر 1425

شجن السؤال
مسؤولية الشعر
عبدالله بن عبدالعزيز الصالح
على الرغم من كل ما يقال حول النص الشعري المعاصر، من أنه دخل أفق الاستنفاد وتكوينه تقليدي جديد.. الخ. فمما يحمد لهذا النص أن المجانية غادرته إلى غير رجعة، ونعني بالمجانية تلك الحالة التي لازمت القصيدة العربية قرونا عديدة انصاعت فيها القصيدة لتحقيق الهدف الوظيفي للمتلقي الذي ينظرإلى القصيدة على أنها ببساطة شديدة.. ليست إلا قالباً شكلياً مادته اللغة الجميلة؛ فعلى الشاعر والحالة هذه أن يسعى إلى تحقيق احلام المتلقي متيحاً لمخيلته من ثَمَّ فرصة المتعة التي تنتشله من الهموم الحياتية إلى شيء من اللذة المؤقتة والسعادة العابرة!
إن المتلقي بهذه الصورة الساذجة، وبهذه النظرة التبسيطية لوظيفة الشعر يطلب من الشاعر أن يترك مهمته الحقيقية ليمارس معه دور المطرب المغني، أو النديم المسلي، أو البهلوان الراقص، والإشكالي في هذه المسألة هو غياب الإدراك والوعي بحقيقة الشعر وجوهره لدى هذا المتلقي الساذج.
غير أن المتلقي الواعي يدرك جيدا أن الشاعر صار أكثر مسؤولية عن كلماته وعن رؤاه وعن أخيلته وعن مقترحاته، فلم يعد ينتظر من الشاعر ذلك الدور التقليدي والمكرَّس الذي كان الشعر فيه مجرد بناء لغوي أجوف، ما على الشاعر إلا أن يريق فيه ما يعن له من هواجس، أو يخطر على باله من قصائد إخوانية، أو ما تمليه عليه المناسبات والأحداث العابرة من فرح راقص أو نشيد ينضح بالنشيج.
إن الشعر الحقيقي هو ذلك الممعن في نفي الجاهز، ونبذ الماثل باقتراح جمالياته الخاصة، معولاً على سياقه الجمالي الجديد بعد أن أصبح أكثر انتباها لما يحيط به وأشد وعياً لما يمنح الحياة أبعادها الأخرى وآفاقها الأكثر اتساعا، فأدواته أصبحت أكثر عمقاً وأوغل ترميزا وأعمق دلالة، وأطروحاته لم يعد بوسعها أن تهادن المألوف أو تتصالح مع الجاهز، بل أوغلت في السعي بأسئلتها نحو الفضاءات البكر التي تنتجها المخيلة القادرة على تجديد المألوف وكسر النمطي مزحزحة بشعريتها الفاعلة يقين الإجابة بقلق السؤال الساعي إلى تدريب الحواس على أن تحدق أكثر فيما تطرحه هذه المخيلة الطازجة. أما لغته فهيأت لها مناخات الشعرية الجديدة أهم الفرص كي تخرج من صرامة قاموسيتها إلى طراوة نبض الحياة بإيقاعاتها المتشاكلة والمختلفة معاً.
ولن تكون الحياة مسكونة بالشعر، إيقاعاً وقلقاً، إلا حين يكتظ الشعر بالحياة حتى الحواف، عندما يسعى الشاعر إلى إعادة تنظيم العلاقات بين الأشياء، مقيما علاقات أخرى محررة من التشيوء الذي ران عليها، مجردة من حمولاتها المعرفية التي كلستها حتى غدت كما المثل السائر المحنط، محاولاً جهده العودة بها إلى ذاكرتها الأولى وإلى عذريتها الصافية، وخلال هذه العودة يمعن الشاعر التحديق في إيقاعات الحياة، مرهفاً حواسه إلى نبضها مصغياً إلى نداءات الهوامش والنوافل والتفصيلات الصغيرة عبر تشكيل لا يفتعل البوح والتصوير بل يعانيهما ويتوحد بهما توحداً يظهر الأشياء في بكارتها الاولى وكأنما خلقت لتوها، بلغة لم تطف عليها الصيغ الجاهزة المدججة بالمكرر والعادي والمألوف والمبذول.. بل خرجت عقب مخاض لفظي وتعب تركيبي، وبعد اشتغال شاق وشائق معاً عاناهما الشاعر في وعيه وفي لا وعيه.
أن يطرح الشاعر لغة طازجة، فذلك معناه أن يصادم خطابات شعرية تنطوي على أصوات مختلفة الأشكال والألوان والطعوم، بعضها يهمس همسا وبعضها يجهر بفظاظة منكرة، والبعض الآخر تمعن الذات الشاعرة في منحه خصوصية العبقرية؛ فخطابه لا يمكن أن تطاوله فاصلة جديدة فلا بأس من مهادنته والانكفاء أمام عتبات نصوصه!! وهذا أخطر ما يمكن أن يصاب به الشاعر، لاسيما وأن عقدة (الكبار) لا يمكن أن يتخلص منها الشاعر بمجرد الرغبة فقط، بل عليه أن يعاني في البحث كي يبتكر أبجدية ثانية لم تبل بسبب ما تحمله من شعارية إعلامية ذات غرض وظيفي توصيلي.. بل تتجدد باشتغالها على اللغوي الغائب غير المألوف وغير المستعمل وغير المكرر وعلى الموحي الدال عبر مجازات المخيلة المقلصة لمضمونية الخطاب، بل على اللغة الساعية إلى تسمية الأشياء تسمية جديدة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved