الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th April,2004 العدد : 55

الأثنين 29 ,صفر 1425

سبل إنهاء حرب 1948 بين استراتيجيات التدمير وأوهام السلام

تأليف: تانيا راينهارت
ترجمة: رندة بعث رشا صباغ
بيروت : دار الفكر المعاصر، 2004م
تتناول بموضوعية وطرح علمي، الكاتبة والصحافية الإسرائيلية تانيا راينهارت، الأستاذة في جامعة تل أبيب والمناضلة من أجل السلام، الخطين الرئيسيين في سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة: إما تنفيذ خيار الطرد، أي الترحيل الجماعي للفلسطينيين استكمالاً لمهمة العام 1948 غير المنجزة، أو إقامة نظام تمييز عنصري بدأ عبر (مسار السلام) في أوسلو وتعرض بدقة، مستندة إلى الوثائق، اكذوبة (عرض باراك السخي) في كامب ديفيد، وتقول: إن الهدف الأكبر من المفاوضات اللانهائية هو إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن الفلسطينيين يفرطون في تطلبهم، وبأنهم يهددون وجود إسرائيل نفسها، وفي هذه الأثناء، تنفذ إسرائيل خطتها التي تقضي بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبتدمير المجتمع الفلسطيني.
تأسست دولة إسرائيل في العام 1948 بعد حربٍ يدعوها الإسرائيليون حرب الاستقلال، في حين يطلق عليها الفلسطينيون اسم النكبة.
كان هناك شعب ملاحقٌ، مضطهدٌ، سعى لأن يجد لنفسه ملاذاً ودولة، وحقّق مسعاه على حساب شعبٍ آخر دفع لقاء ذلك ثمناً فادحاً.
في حرب 1948 تلك، قام الجيش الإسرائيلي بترحيل أكثر من نصف السكان الفلسطينيين الذين كانوا يعدّون في ذلك الحين 1.380.000 نسمة، خارج ديارهم.
وعلى الرغم من أنّ إسرائيل ادّعت رسمياً أنّ معظم اللاجئين فرّوا ولم يطردوا، فإنّها ما تزال ترفض السماح لهم بالعودة التي نصّ على حقّهم فيها قرارٌ صدر عن الأمم المتحدة بُعيد حرب 1948.
وبالتالي، إذن، لقد تمّ الحصول على أرض إسرائيل بتطبيق التطهير العرقي على سكانها الأصليين من الفلسطينيين.
إنّها ليست عمليةً استثنائيةً في التاريخ، فما فعله الإسرائيليون لا يقارن بالتطهير العرقي الواسع الذي مارسه المستوطنون الأمريكيون وحكومتهم على سكان أمريكا الأصليين.
ولو أنّ إسرائيل توقّفت عند ما حدث في العام 1948، لاستطعت ربما التعايش مع ذلك الواقع، إذ إنّني، كإسرائيلية، ترعرعتُ وأنا أعتقد أنّه يمكن الصفح يوماً ما عن هذه الخطيئة الأولى التي قامت عليها دولتنا، فقد كان جيل المؤسسين مدفوعاً بإيمانه بأنّ تلك هي الطريقة الوحيدة الكفيلة بإنقاذ الشعب اليهودي من خطر تعرّضه لمحرقةٍ أخرى.
إلاّ انّها لم تتوقف هنا.
ففي العام 1967، وبعد حربٍ شاملةٍ مع البلدان العربية الثلاثة المجاورة، استولت إسرائيل على الضفة الغربية (من الأردن) وقطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء (من مصر) ومرتفعات الجولان (من سورية)، واحتلّت تلك الأراضي. وقد أعيدت شبه جزيرة سيناء إلى مصر وفق معاهدة سلامٍ بين البلدين (أُنجز الانسحاب الإسرائيلي في العام 1982). أما باقي الأراضي التي استولت عليها إسرائيل عام 1967، فلا تزال تحتلّها.
أثناء حرب 1967، هربت موجةٌ جديدة من اللاجئين الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة (بلغ عددهم وفق المصادر الإسرائيلية 250.000 نسمة). ولا يزال حوالي 3.000.000 فلسطيني يعيشون اليوم في هاتين المنطقتين، تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، محاطين بالمستوطنات الإسرائيلية التي بنيت على أراضيهم.
لقد حذّر الفيلسوف والعالم المعروف يشاياهو لايبوفيتز من نتيجة الاحتلال منذ البداية، ففي العام 1968 كتب: (إنّ دولةً تحكم سكاناً معادين يبلغ تعدادهم 1.5 2 مليون أجنبي (وهو عدد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في تلك الفترة) منذورةٌ لأن تصبح دولة شين بيت (جهاز الأمن)، مع كل ما يتضمنه ذلك من تأثيرٍ على روح التربية والتعليم وحرية الخطاب والفكر والديموقراطية.
سوف يغزو إسرائيلَ وباءُ الفساد الذي يميّز أيّ نظامٍ استعماري، وسيتوجب على الإدارة العمل على قمع حركة الاحتجاج العربية من جهة، وعلى اجتذاب الخونة من جهةٍ أخرى... كما سينحطّ الجيش الذي كان حتى الآن جيشاً شعبياً، ليصبح جيش احتلال، ويتحول ضباطه إلى حكامٍ عسكريين، لا يختلفون عن أمثالهم في أيّ مكانٍ آخر من العالم).
في دوّامة نشوة القوة التي تملّكت إسرائيل في تلك الفترة، قلّةٌ فقط أعارت انتباهاً لتحذيرات لايبوفيتز. فقد تطورت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعد الانتصار العسكري الذي حققته إسرائيل في العام 1967، والذي برهن على أنّ إسرائيل هي ذخرٌ استراتيجيٌّ نفيس لخدمة مصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ وأشعر الدعم الأمريكي إسرائيلَ بأنّها كلّيّة القدرة.
في العام 1982، قادها أرئيل شارون، وزير الدفاع حينذاك، إلى مغامرةٍ جديدة في لبنان، واضعاً نصب عينيه أهدافاً طموحة تتمثّل في خلق (نظامٍ جديد) في الشرق الأوسط، وتدمير منظمة التحرير الفلسطينية التي نمت في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان والسيطرة الدائمة على جنوب لبنان المحاذي لإسرائيل. أدّى الهجوم إلى مقتل 11.000 لبناني وفلسطيني. وعلى الرغم من أنّ المجتمع الإسرائيلي قد اعتبر الحرب مع لبنان إخفاقاً، فقد مكث الجيش الإسرائيلي في الأرض التي سيطر عليها في جنوب لبنان حتى أيار من العام 2000، كما استمرّ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية التي استولت عليها في العام 1967 على حاله.
غير أنّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 1993) حملت معها تغييراً هاماً، إذ اكتشف المجتمع الإسرائيلي أنّ للاحتلال العسكري للأرض الفلسطينية ثمناً باهظاً، وأدرك كثيرون أنّ تحذير لايبوفيتز قد أصبح حقيقةً واقعة، وكثيرون أخذوا يرفضون الاحتلال من مبدأ أخلاقي.
وفي الجانب الفلسطيني، استند النضال من أجل الاستقلال أيضاً للمرة الأولى إلى الاعتراف الصريح بحقّ إسرائيل في الوجود (ضمن حدود ما قبل 1967).
وكما سنرى لاحقاً، فإنّ اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد عام 1988 تحت اسم دورة الانتفاضة قد دعا إلى قيام دولتين مستقلتين على أرض فلسطين التاريخية. لقد أصبح النضال ضد الاحتلال نضالاً إسرائيلياً فلسطينياً مشتركاً، عبر تظاهر العديد من مجموعات المعارضة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، أو دعوة القادة الفلسطينيين للتحاور مع الأساتذة والطلاب في ندواتٍ عُقدت في جامعاتٍ إسرائيلية.
وفي إحدى مناسبات هذا النضال المشترك الكثيرة، سُجن سبعةٌ وعشرون عضواً من حركة (العام الحادي والعشرين) الإسرائيلية (ومن بينهم كاتبة هذه السطور) لمدة خمسة أيام بعد قيامهم بتظاهرةٍ في الضفة الغربية.
في العام 1993، بدا أنّ الاحتلال آخذٌ في السير إلى نهايته. وصدّق الكثيرون أنّ اتفاقيات أوسلو التي تمّ توقيعها في واشنطن في ذلك العام سوف تؤدّي إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وإلى قيام دولةٍ فلسطينية.
لكن الأمور لم تسر على ذلك النحو؛ فقد حوّلت القيادة السياسية لمعسكر السلام الإسرائيلي، كما سنرى، روح أوسلو التصالحية إلى شكلٍ جديد أكثر تطوراً للإبقاء على الاحتلال. يصف شارون، الذي أصبح الآن رئيساً للوزراء، حربه الحالية على الفلسطينيين بأنها (القسم الثاني من حرب 1948).
وقد استخدم العسكريون الإسرائيليون الوصف نفسه في تشرين الأول/ أكتوبر 2000 في فجر الانتفاضة الثانية التمرد الفلسطيني الثاني.
واليوم، لا يراود المرء كبير شكٍ في أنّ ما قصدوه بهذا التشابه هو أنّ التطهير العرقي لم ينجز في العام 1948 بشكلٍ كامل، مما ترك للفلسطينيين من الأراضي أكثر مما ينبغي.
وعلى الرغم من أنّ غالبية الإسرائيليين قد تعبوا من الحروب ومن الاحتلال، فإنّ قيادة إسرائيل السياسية والعسكرية لا تزال مدفوعةً بجشعها للأرض والموارد المائية والسلطة.
من هذا المنظور، فإنّ حرب 1948 لم تكن سوى الخطوة الأولى في استراتيجية أكثر طموحاً وأبعد مدى...
يركّز هذا الكتاب على فترة ما بعد أوسلو، ويتابع السياسات الإسرائيلية في السنوات الثلاث الأخيرة، أي منذ أن تولّى إيهود باراك رئاسة الوزراء، وحتى صيف العام 2002، وهي، إلى الآن، أكثر الفترات حلكةً في تاريخ إسرائيل. وكما سنرى، فإنّ تغيّر السياسة الإسرائيلية في تلك الفترة لم يكن ردّ فعلٍ تلقائياً على الإرهاب، كما لم يكن فعل دفاعٍ عن النفس، بل خططاً محسوبة، تنفّذ بصورةٍ منهجية.
صدر الكتاب بالفرنسية عن دار لافابريك بفرنسا تحت عنوان: تدمير فلسطين، أو ما السبيل إلى إنهاء حرب 1948 Détruire la Palestine, ou comment terminer la guerre de 1948، ثم صدرت نسخته الإنجليزية التي تطرقت، ضمن جملة أمورٍ أخرى، إلى تطور الخطط الإسرائيلية الهادفة إلى تدمير السلطة الفلسطينية، تلك الخطط التي تمّ تنفيذها بشكلٍ كامل في الفترة الواقعة بين نيسان/أبريل وتموز/يوليو 2002 يقع في نسخته العربية في (408) صفحات من القطع المتوسط.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved