الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 19th June,2006 العدد : 158

الأثنين 23 ,جمادى الاولى 1427

كرموهم أحياء!
* أحمد الدويحي *

عجيبة هي مسيرة الحياة الأدبية والثقافية في بلادنا، فسيرحل كثير من الذين كانوا وقوداً لضوئها الخافت، دون أن ينالوا حقهم الأدبي والإنساني، ولن أقول حقهم المادي فذلك من سقط المتاع كما يقال.
مرت شهور شعرت أن بيني وبين عتبات بوابة النادي الأدبي بالرياض وقفة نفس، لأسباب لاتخفى على أحد كما يقال، وليست شبيهة بمبررات الدكتور الغذامي التي أعلنها، ولكنها تدور في ذات الفضاء، والعجيب أن تأتي الخطوة إلى بوابة هذا المبني لمرتين، بسبب هاجس شعري لا سردي كما يفترض، وفي كلتا الحالتين وجدت نفسي في حدثين ثقافيين مهمين، فكانت الأولى أمسية شعرية للرائد الشاعر محمد العلي، ولا أظن مثقفاً على بعد خطوات من النادي، يمكن أن يتجاهل هكذا أمسية بسهولة، يستشعر فيها الجمال والمتعة، بسبب وقفة النفس تلك مع أشباح!
والمرة الأخرى كحالة لا تقل غرابة ودهشة، ليست من الناحية الشعورية والشعرية، فالشاعرة سارة سليمان أبو حيمد، ونحن بصدد معايشة نصوصها وعالمها الأدبي، ودققوا في هذا الاسم جيداً، لتعيشوا تلك الدهشة، فهي ليس من النوع الذي يمكن أن تستدعيه الذاكرة بسهولة، وهنا مكمن الخطر والمفاجأة، فإذا كان شاعرنا الكبير، عرف عنه عزوفه في السنوات الأخيرة عن المنابر لأسباب كثيرة، يعلمها كل من عرف بواطن المشهد الثقافي، ومنها طبيعة الحال إقامته المتوالية خارج المملكة، ولهذا جاء حضوره مدهشا، فأن المشهد الثقافي وفي غلفة منه قد أعلن وفاة الشاعرة سارة أبو حيمد!!
صوت الشاعرة التي ماتت في نظرهم، جاء عبر الهاتف بعد مقدمة قصيرة، قال فيها مدير منتدى بيت الشعر الشاعر أحمد كتوعة، أنها ستكون فاتحة لحضور أخريات لكن من باب ثان، لتلقي سارة قصائد لم يتيسر لنا سماعها بشكلٍ واضح، بسبب رداءة تقنية الصوت، ليتولى الشاب هيثم السيد قراءة نصوص للشاعرة، تحمل عناوين مرحلة (ذكريات مؤلمة، ضياع، سأم، قلق طفولة، حيرة، يائسة)، كانت قد نشرت في مجلة الأديب البيروتية في بداية الستينات الميلادية من القرن الماضي، وكانت الشاعرة قد أنهت دراستها هناك في بيروت، لتبدأ معركة الحياة الطويلة هنا..
محمد القشعمي هذا المثقف العجيب الذي لا آمل الحديث عن أفعاله الثقافية تجاه الآخرين، كان له بصمة كبيرة ومشهودة في حضور هذين الأديبين والعلمين من روادنا، قدم سيرة ذاتية ضافية عن الأدبية التي نحتفي بها، قال إن الشاعرة تم تكريمها ضمن قائمة الأديبات اللواتي تم تكريمهن في معرض الرياض الأدبي الأخير كرائدة للتعليم في المملكة، وكم كانت المفاجأة مذهلة بعد ذلك، حينما اتصل به الشاعر علي الدميني، ليطلب منه الاتصال بالشاعرة فوزية العيوني، فكانت المفاجأة!
سارة أبو حيمد حية ترزق لم تمت!!
(أبو يعرب) أراد أن يكفر عن ذنب لم يرتكبه، ويكفر عن جناية الساحة الثقافية وبيروقراطيتها، فنظم للشاعرة برنامجاً إذاعياً، تحدثت فيه عن تجربتها الطويلة، وربما يجمع قصاصات مما كتب عنها، وكذا هذه الأمسية الشعرية وفيها مداخلة عميقة لفوزية العيوني، حول الدور الريادي لشاعرتنا في مجال التعليم، وقراءة في نتاجها الشعري والنثري، ونضالها في مسيرة حقوق المرآة في مرافعة لا تليق لغير أم (عادل)، ولتتركنا حضور منتدى بيت الشعر ضئيل العدد في هذه الأمسية، نواصل طرح الأسئلة الحارقة في كل الاتجاهات، وبالذات المبدع علي العمري الذي كانت مداخلته بحق، تشخيص جميل لواقع ثقافي متردٍ، وكذا مشاركة رئيس النادي الدكتور سعد البازعي الذي جاء متأخراً في نهاية الأمسية، ليعوض ذلك التصرف السلبي لعضو مجلس الإدارة الشاعر عبدالله الوشمي، حضر فدخل وخرج في لحظة، وطل وكأننا في فصل دراسي لمجرد الحضور ورؤية طلته!
وخلاصة القول لمن يهمهم حضور المرأة، وتواجدها من باب والرجل من باب آخر، بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما قال قولته المعروفة (أخطأ عمر وأصابت امرأة)، فإنما كان حواراً مباشراً في شارع الحياة الطويل، ولم يكن حواراً بواسطة تلفون أو دائرة تلفزيونية مغلقة، وإذا كانت الأدبية السعودية قد ظلمت خلال عقود طويلة، لدرجة دفنها وهي على قيد الحياة، فإن هناك من الأدباء من قست عليهم ظروف الحياة من أمراض وفقر، منعتهم عزة نفوسهم وما أكثرهم، الوقوف في شارع الحياة الطويلة لعرض حال!


aldw17y1000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved