الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th July,2004 العدد : 68

الأثنين 2 ,جمادى الثانية 1425

أطياف.. شعر التأمل والمناجاة
نفحة أدبية عطرة لعبقرية شابة

* كتب إبراهيم المعطش:
من يحظى بالاطلاع على كتاب (أطياف) ديوان شعر للشاعر عبدالله بن زيد آل داود رحمه الله الصادر في الرياض عام 1425هـ 2004م يقف على تجربة شابة ثرة زاخرة بالتنوع المعرفي، والعبقرية الشعرية، مشحونة بثقافة أدبية تنم عن تفرد شخصية مؤلفه رحمه الله.
تأتيك أبيات القصائد أليفة طائعة وكأنها تناجيك، لغتها سهلة ممتنعة مفرداتها سلسة جذابة، مواضيعها مغرية تكشف عن تكوين نفسي ذوقي خلاق لهذا الشاعر الذي رحل في ريعان الشباب، فالمواقف الإنسانية العميقة، والمبادئ السامية الرفيعة التي يسعى الشاعر إلى ترسيخها لا تستطيع جزالة القصيدة اخفاءها، مهما تدثرت في بعض الأحيان بثياب الرمزية، والبيان والتورية.. وفيما جاءت بعض القصائد لتميط اللثام عن العشق الدفين للشاعر لبلدته (حوطة بني تميم) يجيء البعض الآخر من القصائد ليبدي الجانب الأخوي، والعاطفي ومشاعر الزفة لدى الشاعر، من خلال تلك الأبيات التي جاء بعضها في الرثاء والبعض الآخر في فراق الأحباب ليس كعادة السواد الأعظم من الشعراء أن تكون القصيدة إما للحبيبة أو الوطن أو السياسة، بل جاء قدر كبير من شعر ديوان (أطياف) معبراً عن معاني التضرع إلى الله والابتهال إليه، ومناجاته بالدعاء، كما أخذ جانب العلم والدعوة له والتشجيع عليه جانباً مهماً من محتويات الكتاب.
بالإضافة الى الكثير من القيم والفضائل التي تضمنتها القصائد التي تدعو إلى المجد، والسمو الى العلياء استظلالا براية الحق، وإحياء الأمل المشرق في النفوس، وعدم الركون الى اليأس والحزن والقنوط.
ومن يتفحص كتاب (أطياف) يجد فيه تأملات عميقة وكأنها نسجت في سكون الليل، وهدأة ظلاله، وخفوت ضوء القمر، منها ما كتبه الشاعر عرفاناً لشيخه محمد بن عبدالعزيز الواصل المدرس بالمعهد العلمي بالحوطة حين أحيل إلى التقاعد، فنظم فيه قصيدة برزت فيها القدرات الابداعية، والروح الشاعرية، وتجلت فيها القيم التربوية التي يحملها بين جوانحه، والاحترام والتقدير والمحبة التي يكنها لشيخه، والتي صاغها في أبيات شعرية ذات معان ودلالات عميقة، ولم يقتصر شعره على المعارف والأحباب،والأهل والأقارب، وبلدته الحبيبة الى قلبه (حوطة بني تميم) بل تعدى ذلك ليلامس هموم المسلمين وأوجاعهم، وآمالهم وآلامهم في مشارق المعمورة ومغاربها.
فخاطب بعض الشعراء ممن عاصرهم، أو تتلمذ على أدبهم وكاتب الأدباء مناجياً لهم، متودداً، وحاثاً لهم على الانطلاق في درب القصيدة المسافرة، خاطب الشاعر عمر أبو ريشة كنقلة ابداعية خرج بها مع القارئ بعيداً عن دفتي الكتاب لكنه أبقاه داخل حظيرة الشعر، كتب عن فلسطين بقلب جريح، وحزن عميق، وأمل كبير، كانت قصائده تفوح حباً، وسلاماً، وتعاوناً وتراحماً بين المجتمعات والأمم والشعوب، نبذ فيها العصبية والعنصرية وكشف وجهها البغيض وعاقبتها السيئة، وحارب التفرقة والشتات بأسنة رماح الكلمة، ونار المفردات، سعى من خلال الحرف، إلى استنهاض الأمة، ولملمة أطرافها والعودة الى صحوتها الأولى.. وفي احدى قصائده يعبر عما آل إليه العراق في العهد البائد حينما وجَّه نيران أسلحته إلى الإخوة الأشقاء في الكويت، في خطوة مخزية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها، مقارناً ذلك بما كانت عليه بغداد والعراق كافة في عهد الخلافة الإسلامية والمجد والجهاد..
غنى بشعره السلس الجميل رونق الحرف لروضات حوطة بني تميم ترانيم العشق، وتراتيل الهوى وابتهالات الحب..
الكتاب في مجمله يجعلك تقف أمام تجربة شعرية رائدة في مجالها وتفردها، فهي تمثل نفحات أدبية شابة تحكي عن عبقرية شعرية وفكرية فذة، تنم عن إلمام واسع بمجريات الواقع الاجتماعي والثقافي، والسياسي، وتنظر إلى هذا الواقع بمنظار أدبي تغذيه الثقافة الدينية وتدفعه شفافية الروح الإنسانية الرفيعة التي نذرت نفسها للدعوة الى تسنم ذرا المجد والعلياء، فهي حقاً تجربة ثرة تستدعي الوقوف عندها بتأن وتبصر وتعمق.. فهذه الخلفية الزاخرة بالتكوين التربوي الناضج والبناء الفكري السليم، والقدرة الابداعية الخلاقة، أسهمت بشكل واضح في صناعة هذه الدرة التي نتحدث عنها، وكان لها الدور الكبير في صناعة هذا الديوان بالكيفية التي جعلته محل دراسة وموضع اهتمام، وأخرجته بهذه الصورة الرائعة.
كلمات الشاعر التي تشرئب حروفها من بين أبيات القصيدة في كل صفحة تفتش عن الشاعر الذي رحل وفي جوفه مخزون كلام لم يكتمل، تشعرك بأن الشاعر عبد الله بن زيد آل داود رحل في منتصف الطريق، رحل ومعه بقية الشعر وبقية الشعلة الكلامية التي ينتظرها القارئ تقول كل أبيات القصائد، إن هذا الديوان كان يعبر عن خطوات تصبو إلىالعلياء، وتفسح لها ساحات الأدب والشعر في مستقرها مراكز مرموقة، تليق ببوادر القدرة الابداعية التي لاحت من خلال قصائد (أطياف) وتهيئ لتلك الخطوات موقفاً مناسباً لها في حقل الأدب، حيث يشعرك هذا الإبداع الشعري، أن الأديب الراحل رحمه الله قد تمرس في الشعر، وتشرب فنونه، وصقلته التجربة وأفادته مشاركاته العديدة في الملتقيات الدولية والمنتديات العالمية، بالإضافة الى غزارة مخزونه العلمي والبحثي، وحسه الأدبي المرهف الذي صاغ كل ذلك في قالب يسلب الألباب وينتزع الإعجاب.. لكنه رغم ذلك ترك الشعر الذي كان أنيسه في البادية والحضر، وذهب ملبياً نداء ربه وهو ما زال في ريعان الشباب، وجعل القصيدة تبكي وتئن في منتصف الطريق.. لكن وضع أمام القراء تجربة جديدة عصرية جديرة بالاطلاع، وجديرة بالتآسي بما فيها من تنوع زاخر، والتأسي بحياة صاحبها الذي لم يكن إنساناً عادياً بل جمع بين العلم والأدب والدين في شخصية إبداعية مرهفة. رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا بما تركه من طيب الكلم وأجزل له الثواب.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved