الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th July,2004 العدد : 68

الأثنين 2 ,جمادى الثانية 1425

ولها من البكاء الحارق..نصيب
غادة عبدالله الخضير

(1)
نستطيع في كل نص أن نقطع رقبة.. ونشفي..
ونستطيع أيضاً أن نضع حد السيف على ما نرغب ونقطعه.. فلا يعود.. ونستطيع أن نطلق الرصاص على من يسكنون الذاكرة.. عشرة عشرة.. فلا يبقى وجه نعرفه. ونستطيع أن نلصق بالورق الأبيض.. كل هذه الأحاسيس السوداء التي آن لها أن تتطهر فنتطهر.. النصوص قد تكون رقاباً محنطة.. أما أن توقف النبض فيها على دمعة ذارفة..
أو ابتسامة تخفي خلفها صورة ضبابية لفرح عابر..!!
(2)
(كلانا لا يمكن أن يكون ظهراً للآخر، سنداً أو براح أمان، لأننا ونحن معاً نفكر وبشكل قياسي دقيق أين يمكن أن تكون طعنة الظهر لو أن أحدنا فكر ذات يوم أن يقدم للآخر خيانة جميلة.؟!!
أين يمكن بالتحديد أن نصوب سهماً غادراً بأمانة وإتقان للعمل..؟!!
أين يمكننا أن نحدد موقع الطعنة، على اليمين حتى لا يتألم القلب ويشقى بغدر مفاجئ، أم على اليسار في منتصف القلب تماماً حتى تأتي الطعنة مباغتة، فلا يلتفت من أي الأحبة جاءت، ومن هذا الذي اختصر عليه أن يتلوى ويتعذب فداهمه بذوق العارف النبيل بطعنة راقية رحيمة..؟؟
الإنسان يجب أن يكون أكثر رأفة عندما يقرر بين عشية وضحاها أن ينسف تاريخاً، ويطعن حبيباً أو صديقاً.. وإلا ما فائدة العشرة والأيام التي مضت؟!!
وأين لها تلك الدماء الطاهرة أن تنزف...؟
على الأرض..؟!!
ألهذا الحد يصبح التاريخ رخيصاً.. هدراً لا قيمة له.. ..!!
ألهذا الحد تصبح الدماء التي جرت يوماً في غرف القلب عشقاً وغراماً.. نزفاً تشربه الأرض، وقد تدهسه قدم غريبة لا ترفق به لأنها لا تعرف حكايات جريانه؟؟
ألهذا الحد لا يملك الآخر للآخر منا ذكرى وفاء وولاء تجعل تلك الدماء النقية تنبت غرسة صغيرة، نسوّرها ونجعلها مزاراً.. نقرأ عليها عند كل خيانة مشابهة تراتيل أن لا خيانة تشبه هذه الخيانة، وأن فرص الحياة لا تتكرر وإن تكررت تأتي باهتة.. فمن منا يبحث عن خيانات باهثة لا طعم لها ولا أصالة..؟
من منا لا يبحث عن خيانات يجري على جباهها عرق عمر طويل من الصبر والحب!!!
من منا لا يريد أن تأتي خياناته صادقة ومعبرة ولها من البكاء الحارق نصيب..!!
من منا يريد أن يضرب ضربته، ويطعن طعنته.. ولا يسمع نواحاً يشبه مواويل الفراق..؟
يشبه غناء العصافير في آخر فجر لها..؟
يشبه غناء المنافي البعيدة عندما يهجرها من احتضنتهم بعد أن غدرهم وطن؟؟!
وكيف يمكننا أن ننزع هذه السهام برفق ولين، إن قارب الآخر على الموت جسداً أو قهراً أو خيبةً لا فرق..؟!!!
كيف ننقده إن صوبنا بدقة سهامنا وقبل الحشرجة بقليل.. تذكرنا أنه كان بالإمكان أن نجعل عمر الخيانة أطول، فمن غير اللائق أن يكون عمر اللقاء طويلاً ويأتي الفراق هكذا عابراً سريعاً، فصله الأخير بارد، وصوت الآخر فيه ضعيف بأنين لم نهمل أنفسنا وقتاً لنعرف أهو أنين ألم أم أنين فراق أم أنين فجيعة أم أنين الأنين ذاته عندما اكتشف أنه جاء في غفلة من راحته..؟؟
خلق الإنسان عجولاً ورب البيت..!!!
ما الذي ينقص من طيبته أن جعل الطعنة قريبة من منتصف القلب؟ ما الذي ينقص من نبله لو جعلها تلامس الوريد فلا تأتي الدماء سخية هكذا.؟
ما الذي ينقصنا من وقته أن جعل الزمن بين سهامه والآخر آطول هنا: يستطيع أن يتأمل المشهد ببطء فيتعلم أي السهام أكثر جودة وسرعة في المسافات الزمنية للخيانة؟
ما الذي يجعله عجولاً هكذا، ألم يكن بمقدوره وهو العطوف بطبعه أن يجعل الطعنة على مراحل آخرها قبلة وداع طويلة..؟؟ لكن هذا هو الإنسان لا يتعلم إلا من أخطائه.. ولا يتقن خياناته إلا بعد عدد من الخيانات، طعناتها أقل ودماؤها أكثر.. والمسافات بينها أقصر حتى لا ينسى ما تعلمه....!!!
لكنه هذا الإنسان وحتى لا نجحف بحق إنسانيته تعلم: راقب الجفاف على شفاه الآخر حتى إنه لزمن طويل أخذ يصف له كيف هو الماء البارد وقت الجفاف..!!
أبصره ملياً وهو يتلوى فلم تهن عليه عشرة العمر.. فرفع يده للسماء وتضرع: اللهم ارحه فلم يتعبني في حياته أبداً..!!
سمع صوته ينادي بأنين محتضر.. يرفع ساعده أن ساعدني، فلم يتوان هذا الإنسان للحظة أن يجرب شهامته وعراقة إيمانه.. ويهمس له: وداعاً بطعنة أمامية ولدت بين حضن دافئ حنون وقبلة رحمة على جبهته..!).
ghadakhodair@hotmail.com
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved