الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th July,2004 العدد : 68

الأثنين 2 ,جمادى الثانية 1425

حسن القرشي.. الشاعر الذي
قدمه طه حسين قبل أن نقدمه!!

بعد أن عرفنا رأي شاعرنا الأستاذ حسن القرشي في أسلوب التناول الشعري وعشقه للمعاصرة في التعبير على الرغم من شغفه بالإيقاع الموسيقي في الشعر.. نقف تجاه نموذج من تعبيره الحديث من خلال معاناته مع (الغروب) وما تخفق به إيحاءاته في وجدان الشاعر إذ يقول:
شفتاي مطبقتان لا تتساءلان
ويداي في القيد المدمى ترسفان
وأنا هنا أنشودة ولهى.. ولحن لا يبين
قيثارة لم ينسكب منها الأنين.. رغم الزمان
رغم ارتعاشات الهوان.. استمرىء العيش المهين
عيشي على مر السنين..
أمسى رماد من رؤى البؤس العقيم
لا تسألوني ما جناه؟ جناه آلام تحوم
أمسي شعاعات خبت
وزهور أحلام.. ذوتْ
حتى التعبير ثكلته.. حتى العبير
لم يبق إلا الشوك يغرز في تضاعيف الضمير
واليأس يفعم وحدتي.. ويؤزُّ من قلبي الكسير
وغدي..؟ وأي غد يلوح..؟
لمعذب دمي الجروح
يمشي وتتبعه خطاه. أيان لا عين تراه
لا همس تتبعه رؤاه.. تهديه آثار القطيع!!
في رحلة.. لا تنتهي..
والغيب يحجب عنه ركب السائرين
***
وعندما تتكثف مسئولية الشاعر وتركيزه العملي الطموح، فهل يشغله هذا التوجه عن معاناته الشعرية؟
يجيب عن هذا التساؤل الأستاذ أحمد الجدع مؤلف كتاب (شعراء معاصرون من الخليج والجزيرة العربية) الذي يقول في سطور تناوله لشخصية شاعرنا حسن القرشي:
(وسار القرشي في دروب الحياة بعقل شاعر وقلب شاعر، وعلى الرغم من تقلبه في المناصب، فإنها لم تشغله عن الشعر، ولم تخل بينه وبين إصدار الدواوين التي كانت ذات أصداء في الحجاز، وفي سائر أجزاء الجزيرة، وامتدت هذه الأصداء لتعم بلاد العرب بسائر أقطارها).
ولعل من المناسب أن نذكر هنا أن المنصب الذي يشغله شاعرنا أخيراً (سفير المملكة في موريتانيا)، وقبل ذلك سفيراً في السودان، وقد شارك فيها بعدد من القصائد بعنوان (تحية السودان) يقول في أبيات منها:
جئتكم شاعراً ولست سفيراً
حاملاً مهجتي وقلباً طهوراً
ولساناً بسحركم يتغنى
أيها الساحرون هاتوا البخورا
وامنحوني الهوى أعش أتهادى
في مجاليه. أملأ الكون نورا
امنحونيه.. إنني أقدر الحب
فكم عشت في حماه قريرا
أنا طير يهوى السموَّ إلى الآفاق
يستلهم الجدود الجذورا
إن سودانكم سرى في ضميري
سريان الربيع يهدي العطورا
شعبكم نبع نجدة ووفاء
مده يملأ العصور حضورا
***
ما أجمل الشعر يتغنى كالطير على كل دوح جميل، ويقفز من غصن إلى غصن في حديقة الإبداع الضخمة، وينسجم في تجليات المعاناة باسماً، أو متأملاً أو حزيناً فيخاطب أوتار الوجدان، ويعزف عليها أجمل الأنغام.
وفي حديقة الشاعر حسن عبدالله القرشي نقتطف ألواناً من زهور الشعر ووروده الشائكة، وينبثق خلالها الشعر الغزلي الجميل فتخفق معه قلوبنا أحياناً ونردد مع الشاعر، ونحن ننصت إلى هذه الأبيات من قصيدة بعنوان ضياع:
كلما رنَّ بأجوائي غناء
أو..سرى في غسق الليل حداءُ
هزّ نفسي.. فتولاّها الشقاء
فصدى الالحان لي ظلّ وماء
قد تصبّانا معاً.. فهو هباء
ليس لي وحدي به ثمّ عزاء
***
وإذا ما الأفق بالسحب تزيّا
شاعرياً .. ذهبياً جوهريّا
ممطراً لؤلؤه شيئاً.. فشيئا
مرسلاً ذكرى هوانا قرمزيّا
غابت الآلام إذ غاب محيا..
كان يسقيني حناناً عبقرياً..
***
ولقد عدت .. وبي شوق عنيدُ
لخطاباتك.. تغذوها العهود
هي كانت حزمة الضوء.. تجود
لي بالأحلام فرحى.. وتعيد
ذكريات.. كل ماضيها جديد
ما لها جفّت بهاثمّ الورود؟
***
وعندما يشتعل الوجد فيركض خلف الأضواء الجمالية، فيجدها سرابا يكثف لديه معاناة الغربة والاكتئاب، فيعود الشاعر المرهف إلى أحضان الوحدة يشكو حاله ويعلل النفس بارتياد العذاب وألفته له، فيقول الشاعر حسن القرشي مصوراً هذه الحالة في لوحة تقليدية تنعكس على أشتات تجارب واقعية:
أتركيني لوحدتي واغترابي
لعذابي.. إني ألفت عذابي
أتركيني.. ولا تبالي بدمعي
إن فيض الدموع أصفى شرابي
أتركيني.. ولا تقولي (كئيب)
خيرُ زادي توجُّعي واكتئابي
فيم ترثين لي.. وقد كنت يأسي
وشقائي.. وكنت أصل مصابي
نسجت كفك الرشيقة مأساتي
فهل تشمتين من أوصابي
أتركيني.. قد خلقت شريداً
اتركيني ولا ترقّى لما بي
ما أنا العاشق الذي كان يهواك
فقد عدت ساخراً من طلابي
عدت وحدي. فوحدتي لي أجدى
من هوى عاد لي كلمح السراب
***
وللشاعر حسن القرشي حضور متجدد في عدد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية في عدد من الدول العربية، ولديوانه الشعري أيضاً وقصائده الإبداعية النابضة حضور في وجدان كثير من عشاق الشعر ومتابعيه، وعندما نقرأ مجموعاته الشعرية نجده قد تناول ألواناً شتى من الموضوعات التي تشغل البال، وتشترك في معاناتها وهمها كثير من الرؤى والآراء، ونقرأ في صفحات شعره ذلك الوفاء الأسري، والنبض الاجتماعي، والتفاعل الإنساني، ونشهد صوراً من التوتر الإيجابي النابض في عدد من اللوحات الشعرية على الرغم من تفاوت مستواها، ولعل من أسمى وأولى ما نقرأ من ابن مكة القرشي ما ينسجه من شعر في مكة المكرمة، وما شهدته من انبثاق النور الذي أضاء الوجود وملأ الأرجاء، نور الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشرية ونشر العدالة في الوجود.
من قصيدة بعنوان( من وحي النبوة) يقول فيها الشاعر حسن القرشي:
يالبشرى علوية الترديد
غمرت بالهدى شعاب الوجود
أطلقي يا سماء أسمى الأناشيد
وضجّي يا أرض بالتوحيد
واملئي مسمع الزمان فخاراً
واستعزي بطارفٍ وتليد
فلقد لاح في ذراك شعاع
ماله في ائتلاقه من نديد
هو فجر فرد على غرة الدهر
وعيد مخلد التجديد
ورؤى صاغها الإله فكانت
طلعةً فذة لخير وليد
فجرت في الجواء ألوية النور
لتجلو من الظلام العتيد
ورنتْ للحياة بسامة الثغر
كحلم مجسم منشود
وأفاضتْ على العوالم نبعاً
من سلام ورحمة وسعود
إنها طلعة المروءات والنبل
وومض العلاء والتأييد
خرّ منها إيوان كسرى رديماً
وشجتْ قلب قيصر المجهود
وتلاشت مواكب الشر حسرى
كسراب على الرمال بديد
وسرت في الدنى تباشير صبح
أفعم الكون بالضياء الجديد
***
وبأسلوب خطابي مماثل لها في قصيدة(من وحي النبوة) ولكنه محتشد بالروحانية والتصوير النابضين بالإيمان، يقول الشاعر حسن القرشي في قصيدة بعنوان من وحي الكعبة:
أيُّ فجر مرقرق في شعوري
أي سحر مرفرف في ضميري
أي هدي ترعى صداه السماوات
شفاء لظامىء مستجير
أيُّ ذكرى شعت هنا لرسول الله
رفافة الشذا والحبور
إنها راية الاله تجلّت
هي بشرى هزّت جنان العصور
في يديها النعيم للمؤمن البر
وللجاحدين أعتى سعير
شاقني والسّنا يخضل جفني
وفي القلب خشية للقدير
وبروحي روافد الأمل الضاحي
وفي روحي هيمانة بالعبير
شاقني موكب الجلال تبدَّى
في ظلال التهليل والتكبير
برحاب البيت المقدس حفت
هتفات للعليِّ الكبير
***
في ديوان الشاعر الأستاذ حسن القرشي مساحات من الوجد والتأمل، وأطياف من الذكرى والشجون والآمال الضخمة، ستمتد بنا الرحلة مع الشاعر إلى آفاق بعيدة طويلة المسير لو واصلناها عبر مشواره الطويل، وللقراء الأعزاء حرية مواصلة المشوار مع شعر الأستاذ القرشي من خلال قراءة دواوينه المكتنزة بأنداء الوجدان.
المراجع:
1 ديوان القرشي، دار العودة، بيروت، الطبعة الثانية 1979م.
2 كتب ومؤلفون، د. طه حسين، 1980م.
3 شعراء معاصرون من الخليج والجزيرة العربية، أحمد الجدع.
4 رحيل القوافل الضالة، ديوان شعر، حسن القرشي، دار العودة، بيروت 1983م.
5 الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، د. بكري شيخ أمين، الطبعة الثالثة، 1984م، دار العلم للملايين، بيروت.
6 الموجز في تاريخ الأدب السعودي، للدكتور عمر الطيب الساسي، الطبعة الأولى، 1406هـ1986م، تهامة.
7 ديوان الشاعر نزار قبّاني.
8 قراءات أخرى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved