الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th July,2004 العدد : 68

الأثنين 2 ,جمادى الثانية 1425

حسان الجودي ل«الثقافية»:
علاقة الشعر بجمهوره علاقة شائكة ومنتجو الشعر هم قرّاؤه والفجوة بين الإبداع والقراءة ما تزال تتسع

* لقاء ظافر الدوسري:
الأستاذ حسان الجودي شاعر وقاص من دولة سوريا الشقيقة منذ الثمانينيات وأحد أعضاء اتحاد الكتاب العرب، نال العديد من الجوائز المحلية والدولية، أكاديمي في كلية الهندسة المدنية في إحدى الجامعات السورية، انتقل قبل مدة لمدينة الجبيل الصناعية وسط ضوضائها وأدخنتها ولم تستفز دهشته الشعرية كما يقول. استضفناه في حوار مبيناً ان محاولة وضع قوانين للغموض الشعري الايجابي هي محاولة فاشلة وتحد من الابداع الحقيقي للشعر.
وأشار في حواره الى ان شعور شعراء العرب بالفقد والغربة والحيرة هو منجم كنوز الشعراء وان الغربة هي غربة الروح المتواصلة. وحتى لا نطيل عليكم دعونا نقرأ هذا الحوار:
جوائز ومقامات
* بداية هلا أعطيتنا لمحة عن جوانب ابداعاتكم الثقافية؟
أنشد الشعر منذ بداية الثمانينيات على صفحات الدوريات الثقافية السورية. ومجموعاتي الشعرية المطبوعة هي ثلاث: الأولى هي «صباح الجنة مساء الحب» عام 1998م عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق. والثانية «حصاد الماء» عام 2000م والثالثة «قصائد لغيره»، وقد صدرت حديثاً عن وزارة الثقافة في دمشق. وكتابي الأخير المطبوع هو «صانعة الأحلام»، وهي قصة طويلة للأطفال. صدرت عن مؤسسة ثقافة الطفل العربي في دولة الامارات.
نلت عن مجموعة «مرايا الغدير» الجائزة الثالثة في مسابقة سعاد الصباح عام 1994م. كما نلت في العام الفائت عن قصة «صانعة الأحلام» الجائزة الثالثة في مسابقات أنجال الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان لثقافة الطفل العربي. بالإضافة الى ذلك أقوم بالعمل الثقافي الرسمي من خلال عضويتي لاتحاد الكتاب العرب في دمشق، وأقوم أيضاً بعمل اكاديمي من خلال التدريس في كلية الهندسة المدنية في إحدى الجامعات السورية.
الجبيل
لم تستفز دهشتي الشعرية
* مدينة الجبيل الصناعية.. هل استطاعت التغيير في توجهاتك وابداعاتك الشعرية؟ وماذا كانت تعني لك أول أمسية شعرية بالسعودية؟
أنا ابن مدينة أيضاً، ومدينتي «حمص» السورية هي مدينة صناعية كالجبيل وتشكو من تلوث الروح والجسد. وعلاقتي الشعرية بمدينتي هي علاقة الشاعر بالمكان، وهي علاقة متشعبة، فالمكان يمكن ان يكون فضاءً معرفياً يسمح لفكر الشاعر ان يتسرب من خلاله. أو أن يكون بحد ذاته منبعاً للإبداع يمثل عنصراً ضاغطاً على الذات لاخراج ما بداخلها. المكان بنظري ليس مجرد أبعاد هندسية. هو قبل ذلك المساحة التي يؤطرها الاحساس الانساني.
ان امكنة «الجبيل» ومعالمها وشوارعها ومصانعها لم تستنفزّ دهشتي الشعرية. ربما لأنني أشعر بالانتماء الأبدي لها. وهي المكان المفضل عندي الذي أحاوره. إلا ان ما أثارني هنا هو هذه الصحراء الشاسعة المفتوحة على الاحتمالات. هي مكان الأزمنة الذي ارجو له ان يورق، وهي زمان الأمكنة، وأتمنى ألا يتحجر أبداً.
وأمسيتي الشعرية الأولى هنا تعني الكثير لي فهي ستظل في ذاكرتي شجيرة نخيل صالحة أحملها الى بلادي.
منتجو الشعر هم قرّاؤه
* الى أي مدى وصل التلاقي بينكم وبين المواهب الأدبية بالمنطقة وبين جمهور الأدب والثقافة عموماً. وهل أنت راضٍ عن حجم هذا التلاقي؟
لا استطيع ان اصف هذا الشعور بالرضا، ولا استطيع وصفه بالنقيض ايضاً. فعلاقة الشاعر بجمهوره وقرّائه علاقة شائكة كما اظن. فالفجوة الكبيرة بين الإبداع والقراءة ما تزال تتسع، ولا يوجد مبدع يعرف بالضبط من هو جمهوره المفترض. ان السؤال «لمن أكتب» سؤال صعب يراودني دائماً وغالباً ما ارتاح الى قناعة تشكلت لدي منذ بواكيري الشعرية وهي ان كتابة الشعر هي خلاص ذاتي أولاً. ومسألة تحديد هوية الآخر المتلقي ورغم احتياجي له أتركها معلقة فوق مقاعد إحدى الصالات الشعرية الممتلئة او الفارغة!!
ولا ضير أبداً ان يكون منتجو الشعر هم قراؤه، أي زراع الياسمين وقاطفوه في نفس الوقت.
الغموض في القصيدة
ليس بجديد
* إلى أي حد يمكن ان يكون الغموض مقبولاً في الشعر؟
تميز الكثير من الدراسات النقدية الشعرية القديمة والحديثة بين مصطلحي الغموض والأيام في الشعر. والأيام الشعري هو تعقيد كلامي وتعمية لا طائل من ورائه. أما الغموض الشعري فهو غموض العمق. وكما تذكر «نازك الملائكة» فهو الذي يجعل المعاني مثيرة للتعطش في نفس القارئ. فيحس وهو يقرأ ان يلمس المعاني ولا يلمسها في الوقت نفسه.
ان الغموض ضروري في القصيدة، اقصد الغموض الايجابي الذي يشحن القصيدة بينابيع الجمال والتجدد والتواصل التي تتفجر بعد كل قراءة. وللأسف فإن الشائع الآن هو غموض الايهام بالحداثة. فكثير من التجارب الشعرية تقدم نفسها على أنها نصوص حديثة بكلام مبهم غامض وصور شعرية متراكبة ولا تقدم شيئاً. كما ان غموض العجز الشعري هو شائع أيضاً. وهو يتأتى عن عجز الشاعر عن امتلاك أدواته الفنية. ان قضية الايصال والغموض من مشكلات الشعر القديمة جداً. وقد أثيرت مع كل حركة تجديد فني وتواجهها اليوم حركات التجديد المعاصرة. وستظل هذه القضية مفتوحة ابداً. لأنني اعتقد ان محاولة وضع القوانين للغموض الشعري الايجابي المفترض وجوده في القصيدة. هي محاولة فاشلة، فالشاعر يبقى صاحب سلسلة النص العليا، وهو وحده قادر على الإبداع الحقيقي ان امتلك الموهبة والوعي الفني والفكري معاً.
الشعر الشعبي نمط استهلاكي
* ألا ترى ان معطيات الشعر الشعبي واصداراته واسمائه المبدعة اشغلت الساحة الثقافية وأثرت على النص الفصيح؟
أرى ذلك ايضا وانا اراقب المشهد الشعري السعودي المعاصر. وأرى في غالبية الشعر الشعبي المنتشر الآن نمطاً فنياً استهلاكياً، تحتاجه الجرائد والمجلات والمنتديات وما الى ذلك.
وباعتقادي ان الشكل الشعري لا يشكل معياراً للشعر الحقيقي فهناك قصائد شعبية رائعة، وهناك ايضا قصائد عمودية وقصائد تفضيلة وقصائد نثر. واعتقد ان تعايش هذه الاشكال مع بعضها يسير بالشعر الى طريقه الصحيح. لكن النمط الاستهلاكي للحياة المعاصرة قد افسد كل شيء وخاصة الشعر الشعبي ربما لأنه اقرب الى شرائح اجتماعية تتميز بنمطها الاستهلاكي أكثر من غيرها.
غربة الروح المتواصلة
* يغلب على شعراء العرب في الفترة الأخيرة الشعور بالفقد والغربة والحيرة ما سر هذا؟
ليس هذا الشعور مقتصرا على الشعراء العرب في الفترة الأخيرة. فالفقر والغربة والحيرة هي مترادفات للألم. والإبداع عامة والشعر خاصة هو التوأم الحقيقي للألم.
منذ امرئ القيس مروراً بالمعريّ الى آخر شاعر حديث يكتب عن ألمه، لا تزال النفس الإنسانية بآبارها العميقة وينابيعها المختفية وظاهرها وباطنها وتناقضاتها هي منجم كنوز الشعراء. ثمة اسئلة دائمة وثمة احتراقات.
«غربة الروح» برأيي هو الشعر الحقيقي فغربة الشاعر ليست أبداً غربة المكان او الزمان. وإنما هي غربة الروح المتواصلة.
قصيدة الاحتراف المهني الشعري
* ما هي القصيدة الأقرب لك والأقرب للمتلقي؟
هذا سؤال صعب فالقصيدة الأقرب لي هي قصيدة المهارات الشعرية المكتملة. هي قصيدة الاحتراف المهني الشعري ان صح التعبير، والتي أمارس فيها حرية الابداع الشعري وفق تقاليده وقواعده. دون النظر الى اعتبار آخر هي قصيدة البحث عن الجمال الشعري المحض أي هي تلك القصيدة التي لا تفكر ابداً بالآخر المتلقي هي القصيدة التي استمتع بكتابتها واتألم وأظل اشعر بالرضا عنها طويلاً.
أما عن قصيدة المتلقي فأعتقد أنها ليست بتلك القصيدة السابقة ابداً ربما فقط اذا كان المتلقي شاعراً آخر. أما الحديث عن هذا المتلقي المجهول فيؤسفني القول ان هناك وهماً كبيراً حياله. قرأت منذ فترة دراسة «شعبية» او حضوراً. وقد قام الناقد في دراسته ببحث تطبيقي «ميداني» سأل فيها الكثير من النماذج العشوائية عن نزار قباني.
والمفاجأة كانت في اكتشافه مدى جهل هذا الجمهور الكبير بنزار قباني وبأجديته الشعرية الراقية. بل بقصائده ذاتها.
جاسم الصحيح نسيج ذاته
* من يعجبك من الشعراء في المملكة؟ ومن هو القلم الذي تحرص على متابعته وقراءته؟
أقرأ للشاعر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وتعجبني قصائده كثيراً لأنها تمتاز بفنية عالية ظاهرة، كما أنها مختلفة عن السائد الشعري. والشاعر الوحيد الذي اكتشفته في المملكة وقرأت له هو «جاسم الصحيح»، وأقصد من اكتشافي هذا أنني لم أقرأ له أبداً حين كنت في سوريا، واعتقد الآن انه قامة شعرية سامقة تطل على المشهد الشعري العربي المعاصر كله وليس فقط في المملكة، وهو شاعر جميل نسيج ذاته قادر ببراعة على مزج ألوان الأصالة والحداثة في لوحاته الشعرية.
تعجبني أيضاً قصائد كثيرة لشعراء سعوديين، وأحظى بها في الدوريات الثقافية المختلفة. وعموماً فأنا من أنصار الشعر وليس الشاعر، أي هناك قصائد جميلة وأخرى قبيحة. ولا أميل اطلاقاً الى وصف الشاعر بالجيد او السيىء إلا فيما ندر، وكما فعلت قبل قليل.
التواصل العربي معدوم
* كلمة أخيرة؟
للأسف لا يوجد تواصل ابداعي جيد بين البلاد العربية. فالكتاب الذي يطبع هنا لا يصل الى هناك، والشاعر الذي ينشر في مجلة خليجية لا ينشر له في بلده. ثمة فوضى ثقافية عامة وغياب للتقاليد الجميلة. وثمة خلل في القيم في الصحافة والإعلام. وثمة تنازلات شنيعة تصيب الجماليّ لصالح التجاري.
لذلك اشكركم على هذا الحوار وهذه المحاولة لمد جسور الياسمين والحبر بيننا.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved