الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 19th July,2004 العدد : 68

الأثنين 2 ,جمادى الثانية 1425

علي سعد القحطاني
أدباؤنا لا يعترفون
تمتلئ أرفف المكتبات ب(السير الذاتية) إلا أنها تبدو مملة في جملتها تحاكي حياة أصحابها، خالية من (أدب الاعتراف) تختزل الأبهة والنرجسية والضمائر المِلْكِيَّة في طياتها، فصاحبنا العظيم خلق (بطلاً أسطورياً) وُلد في عصر (الثلوج والديناصورات) يحمل بيمينه (مشعل الابداع) يمشي على رؤوس أقدامه ليطاول الجبال، لا يسمح لأحد بأن ينتقد (ملاحمه) التي نُسجت أحرفها من خيوط (الشمس) وما أن تشرع في قراءة أحدهم وهو يحكي لك سيرته حتى ينتابك الملل والسأم من أول سطر، فكتب السير متشابهة، حيث البدايات المملة والطفولة التي قضاها في الحقل واشادة مدرس الانشاء في الصف الرابع الابتدائي بموهبته الفذة في كتابة المقالة والقصة القصيرة، وحصوله على الدرجات العالية في مواد اللغة العربية ثم تراه يسرد لك انتقاله من (القرية) إلى (المدينة) وتلهفه على (المكتبات) لشراء ما تجود به مطابع بيروت ومصر من روايات وصحف ومجلات.. وتضطر ك(قارئ) إلى اكمال تلك السيرة وأنت تتأفف من صاحبها وحكايته التي تخلو من طابع الاثارة والتشويق والاعترافات.. وأتساءل حينئذ عن جدوى كتابة (السير الذاتية) ما دام حضرات (الأدباء) المحترمون يتقولبون ما بين (الذاتية) و(الأنا) متورمون الى حد ما ب(الأنانية) و(حب الذات) وقلما تجد أديباً صادقاً يرصد تفاصيل حياته ب(الدقة) حيث إنه دائماً يعمل على إخفاء (المثالب) و(العيوب) من أجل ان يخلق ذاك (الوحش) أو (العملاق) في نصه، يتوارى من خلال الأسطر عن ذكر (الحقيقة) ويلجأ عادة الى (الرمز) و(المجاز) لذلك فصفة (الباشوات) و(الأفندية) التي ورثناها من (الأسلاف) ما زالت تلاحقهم، فإذا سطر أحدهم (سيرته) بدأ يغسل يديه ب(العطر) يستخدم (الأوراق المزخرفة) يكتب (مذكراته) على ظلال (شمعة حمراء) كيف لا، وهو ما يزال يعيش في أحلامه وأوهامه لكي ينسج على القراء (أكذوبة كبرى) تارة يصرّح بأنها (سيرة ذاتية) وتارة يقول عنها ما هي إلا (رواية) أو (رواية سيرية) وطالما ان لا أحد يحاسبه، فلينسج من أكاذيبة ما يشاء فأدباؤنا وإن كان التعميم لغة الحمقى لا يعترفون.. ومما يلاحظ على تلك السير البائسة انه منذ أول سطر تقرأ لهم، تشعر بأنك تعيش في (مدينة فاضلة) تقف أمام (إنسان مثالي) تعيش في أجواء (أسطورة لم تخلق بعد) ودلوني بربكم على أديب رشيد باح ب(خطاياه) واعترف ب(النقص) ويكفي انه عندما شرع الفيلسوف عبد الرحمن بدوي في تحطيم الأصنام الأدبية من خلال اعترافاته المثيرة في (سيرة حياتي) حتى نُعت بالخبال والجنون وأنه مصاب في عقله بمجرد ان (اعترف) وقال (الحقيقة) عن هؤلاء الأدباء كأحمد أمين وطه حسين وعباس محمود العقاد.. التي ظلت (الوسائل الإعلامية) بكل ما أوتيت من قوة تصنع من حولهم المثالية.. لذا فلا عجب أن نجح أدباء (الغرب) فيما أخفق فيه نظراؤهم من (المشرقيين) في (أدب الاعترافات) وتكاد تحس بالمتعة وأنت تقرأ لأحدهم فهو (إنسان) يقرّ ب(خطاياه) ويعترف (بقصوره) ونصوصهم مليئة بالآلام والتضحيات والأحزان بينما تفقد المتعة حينما تقرأ لذكريات (إنسان مشرقي) الذي يغرقك ك(قارئ) في (لج) من (الظلام) لا يقرّ لك باعتراف، فهو ما يزال يتشدق ب(الأنموذج) و(المثاليات) تطفح سيرته ومسيرته ب(الذاتية) و(الأنا) فالتاريخ يشهد انه منذ أول يوم ولد فيه أصبح عملاقاً.
إضاءة:
كم نحن بحاجة إلى عبد الرحمن بدوي آخر لكي يشمّر عن ساعديه ويحطم ما تبقى من أصنام أدبية.
ali45sa@yahoo.com
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved