الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th September,2005 العدد : 123

الأثنين 15 ,شعبان 1426

البنيوية وسلطة النص الأدبي
وضحاء بنت سعيد آل زعير
توطئة: اختلفت السلطات المحكِّمة في النقد الأدبي، وتوزّعت بحسب ترتيبها التاريخي إلى ثلاث سلطات: سلطة المبدع، والنص، والمتلقي.
وقد كان اهتمام المناهج النقدية الأولى منصبّاً على مفهوم (المبدع) زمناً طويلاً، بوصفه مركز العملية الإبداعية، ولهذا ركّزت عليه الدراسات والمناهج النقدية في دراسة الأدب: كما نرى في المنهج التاريخي، والنفسي، والاجتماعي، حتى تمكّن (المبدع)، بظروفه الخارجة عن النص من فرض نفسه على الناقد، لتصبح سلطته مطلقة في العملية النقدية.
إن هذا الكائن لطالما اعتبر حجر الزاوية في العملية الإبداعية، وصاحب الصوت والسوط أيضاً، وقد وصلت الأمور في ذلك الوقت إلى اعتباره كائناً مقدساً، لحد دفع الكثير من النقاد الرومانطيقيين إلى التركيز عليه، وتجاهل دور القارئ أو النص أو اللغة نفسها في إنتاج المعنى، أو إضفاء الدلالة.
وبعد أن تربّع المبدع العرش فترة طويلة حاول النقاد الشكلانيون إزاحته ليضعوا مكانة النص، بوصفه الأساس، وما لبث فوق هذا العرش فترة من الزمن حتى أتى من يحاول زحزحته، كالتفكيكيين، ليقدّم المتلقّي (القارئ) أساساً للعملية النقدية، فأصبح (النص) بناء ينتظر القارئ الذي يخلق منه المعنى الذي يريده، ولم يعد (القارئ) مجرد متلقٍ سلبي، أو مستهلك خاضع لسلطة النص، وإنما هو خالق النص.
البنيوية و سلطة النص الأدبي:
احتفلت البنيوية بالنص ذاته، رؤية، وبنية، ونتاجاً، وتتلخّص أهدافها في الدعوة إلى التعامل مع البنية في النص، ودراسة العلاقات الداخلية ما بين البنى، وتفسيرها، للكشف عن مدى جودة النص، دون أن تتعدّى ذلك لتدرس علاقتها بالمحيط الخارجي، أو الكاتب، و ذلك برأي أصحابها لأن الأدب لا يقول شيئاً عن مبدعه أو عن مجتمعه، وإنما يقول عن نفسه فحسب.
إن ظهور المدرسة البنيوية كان بداية الإعلان الفعلي والحازم عن (موت المؤلف)، فبروزها كمنهج نقدي بنظامها المغلِق للنص، كان ردّ فعل من المناهج التي سبقتها، والتي كانت مهتمة بالمبدع كونه أساس العملية النقدية، في محاولة منها لإعادة قيمة النص الأدبي، وتأسيسها على أصول فنية صحيحة لتخرج لنا بهذا المفهوم (موت المؤلف)، داعية فيه إلى دراسة النص الأدبي بعيداً عن المؤلف، وكل الظروف التي تمتّ له بصلة، محاولة أن ترسّخ سلطة النص وتنمية اللغة.
فالناطق، والمتحدث هو النص لا المبدع، الذي تقتصر وظيفته على استخدام اللغة الموروثة فقط، فلا يُعدّ منشئاً للنص، أو مصدِّرا له.
وأهم ما استثمره الداعي إلى هذا الموت رولان بارت مفهوم التناص ليدعّم به ما يريد، محوِّلاً المؤلف إلى ناسخ، ومقلّد لا دور أو تأثير يملكه في العملية الإبداعية، فكل ما يمتلكه هو مجرد القدرة على خلط، أو تركيب كتابات موجودة بالفعل.
وما يقوم به هو تجميع هذه الكتابات وإعادة نشرها، وهو في ذلك يستفيد من القاموس الضخم للغة والثقافة، والذي يكون مكتوباً بالفعل قبل مجيئه، فالنص مجرّد كتابات متعددة تدخل في حوارات مع بعضها البعض، وتتحاكى وتتعارض.
فليس الكاتب أباً حقيقياً للنص، وإنما الأب الحقيقي هو تلك الكتلة المتناصّة، المختزنة في أرشيف التجربة، وهذا المخزون الهائل من الإشارات والاقتباسات جاء من مصادر لا تُحصى من الثقافات، ولا يمكن استخدامه إلا بمزجه وتوليفه.
وهذا التهميش لدور المؤلف، لم يؤدِّ إلى بديل واضح، فحيناً يقع التبشير بدلاً عنه بدور القارئ، وحيناً آخر اعتبرت سلطة النص ذاتها بديلاً عن الاثنين معاً.
وبذلك يقع أصحاب هذه الفكرة رولان ومن تبعه في نفس الخطأ الذي أرادوا الفكاك منه، فهم حينما رفضوا المناهج النقدية (التاريخية، والاجتماعية، والفنية، والنفسية)، رفضوها بوصفها مناهج وقعت في شرك التعليل الأُحادي، لأنها تفسّر النصوص الأدبية من وجهة نظر واحدة (المبدع)، وتركّز على وصف العوامل الخارجية في التأثير على الأدب، دون أن تهتم ببنيات النص الأدبية أو علاقاته الداخلية.
بينما هم أصبحوا من حيث لا يدرون بنظرة أحادية مركِّزة على النص لوحده.
وبعد هذه الدعوة، اُتهم البنيويون بنزع العمل الأدبي من سياقه، فهم بذلك يتجاهلون علاقته بالعصر، وطبيعته وأخلاقه.
إلا أنهم ردّوا على هذا الاتهام بأنهم لا يرون مرجعاً للنص سوى النص ذاته، وفي لغته بلا ارتباط خارجي، وهذه العزلة قد تُخفي بعض الحقائق المعينة على فهم النص وإضاءته.
يكفي أن أختم بقولي: إن من دعا ونافح من أجل هذه الفكرة (موت المؤلف، وسلطة النص) قد تخلى عنها ليبحث عن سلطة أخرى كما فعل بارت نفسه، وهذا في حدّ ذاته تأكيدٌ على أنها سلطة غير ثابتة، وليست صالحة، وإلا ما تخلّوا عنها..وأعتقد أن ليس لأي سلطة من هذه السلطات البقاء لوحدها، وإنما لا بد أن تجتمع وتتوازن حتى تعطينا صورة واضحة، نستطيع بها نقد العمل الأدبي بجميع أجناسه.


Wadha88@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved