الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th September,2005 العدد : 123

الأثنين 15 ,شعبان 1426

استراحة داخل صومعة الفكر
(شاعرات واعدات من بلادي)«2»
سعد البواردي *

أمسيات ثقافية
جمع وتوثيق أمل القاسم
200 صفحة من القطع المتوسط
في الحلقة الأولى من هذا التناول لشاعرات سعوديات موهوبات قرأت بتجرد وصدق عطاءاتهن الشعرية.. وهن وفق التسلسل:
1) منال الدغيم
2) الجوهرة النغيمشي
3) د. ليلى الجريبة
4) مزنة بنت صالح المبارك
5) أسماء الجنوبي
6) هيفاء بنت عبدالرحمن الجبري
واستكمالاً للعطاء الشعري في هذا الجزء الأول من الأمسيات الثقافية لسوف أتناول معكم وبكم معطيات الشاعرات المتبقيات وهن:
1) أمل بنت عمر بن مدحش
2) هند المطيري
3) لطيفة البدر
بهن أستكمل الملف الشعري المقوس قزحي في خطوطه وألوانه.. على بركة الله أبدأ، أمل هي البداية.. والأمل دائماً أمنية كل بداية ونهاية..
تقول أمل في أولى مقطوعاتها تحت عنوان (شاعر الحزن الدفين)..
يا سيدي.. يا مَن صنعتَ من الحروف
مشاعر الحزن الدفين..
دوما أراكَ تعيد قولا
فيه أصوات الأنين
الشعر جمع بيننا
أنتَ الأمير.. أنا السجين
قالوا.. فقير..
قلت الإله قضى
وأمر إلهنا حتما يصير
لِمَ هذه المسكنة وأنتِ الأمل وفيكِ الأمل.. والأمل دائما يصنع الحياة دون انهزامية وضعف.. الشاعرة يا بنيتي ابنة مشاعر لا تؤمن بالإحباط ولا الاسقاط.. وإنما التقاط حركة الحياة بضعفها فتقوين.. وبقوتها وقيمتها فتنميها.. ملاحظة عابرة في شطر بيتك القائل:
(قالوا فقيرا.. ومفردة فقير منصوبة تحتاج حرف الألف.
وأفخر أن أكون أنا الفقير
في عالم يزن النفوس
بما حوته الكف من مال كثير
الفقر فقر النفس.. والغنى غنى النفس.. النفس بمعاييرها تحدد من هو أكثر فقراً.. وأكبر غنى.. الفقر المادي ليس.. والمال أيضا ليس عيباً متى كان مشروعاً.. ولصالح المفتقرين إليه..
يا سيدي إن الوفاء سفينة
تجتاز آفاق الحدود
إن رمت مطلبها فكن
رجل المواقف والعهود..
صحيح إننا نعيش عصراً بات الوفاء فيه عملة صعبة على حد قول شاعرنا القديم..
فلو مشيت بكل الأرض قاطبة
وسرتَ في الأرض أوساطا وأطرافا
لما وجدت صديقا صادقا أبدا
ولا أخاً يبذل الانصاف إن صافى
ومع هذا يا أمل يبقى الأمل قائما.. فالحياة لا تعدم الخيرين من أبنائها رغم أنهم القِلة.. تنهي قصيدتها الطويلة بهذا المقطع المعبر:
يا سيدي الموتُ يطلبنا
فهل بعنا رخيصا بالثمن؟!
والدار تحت الأرض تجمع
بين مملوك.. ومالك الحزين
وترى الفقير مجاورا
لابن الأمير بدار طين..
إنها مقبرة العدل.. الثري فيها من قدَّم عملاً صالحاً يثاب عليه.. ومن شاعر حزنها الدفين تأخذ شاعرتنا الواعدة إلى (واقع مُر)
أي جرح في فؤاد المجد غائر؟!
أي موج في بحار الذل هادر؟!
أمتي.. يا ويح قلبي ما دهاك؟
دارك الميمون أضحى كل المقابر!
علامات استفهام في الكثير من مقاطعك وضعتها نيابة عنك لأنها لازمة.. وبشأن (دراك الميمون) فالصفة لابد وأن تكون مطابقة للموصوف..
الدار مؤنثة، والميمون مذكر.. ولكي يتم التوافق بينهما يلزم توحدهما بالتأنيث أو التذكير.. حسنا لو جاء هكذا (نزلكِ الميمون) وتمضي قائلة:
كل جزء منك أنات عذاب
يرتدي من بؤسه ثوب التناصر
كل جزء منك بحر من دماء
كل جزء منك مهموم السنابر
تريد أن ترسم لنا صورة المأساة.. والضياع.. والجياع، والتشرد الذي يعيشه بعض عالمنا العربي، والإسلامي، بل والإنساني.. إنها تكره الظلم.. والعصور الظلامية، لهذا فهي تتوجع بعد أن أضناها الصمت وأخذ منها كل مأخذ:
اعذريني أمتي إن طال صمتي
فالمآسي في فؤادي لا تغادر
هنا ترسم بريشتها بعض ملامح إحباط وإسقاطات مجتمع تريد له التماسك.. والوفاق.. والوفاء.. بعيداً عن شوفينية الذات.. وأنانية المال.. والمحاكاة العمياء.. في الكثير من أبياتها الجميلة بفكرتها ما يحتاج إلى إعادة صياغة هي تعرفها لو أنها قرأتها جيداً.. وعن الحب الزائف.. أي الموت الصامت تتحدث:
يا ليل خاطبني ولا تترك جراحي في خصام
ما عدت أقوى الصبر يا ليلي ولا حتى الكلام
كم طعنة في القلب صرتُ بها بقايا من حطام
بل صرت للأحزان راعية، وفي قلبي وسام!
ومن يتحمل الذنب.. وتبعات هذا الطرح البائس؟..
ما الذنب ذنبي، ولا ذنب الأسى حتى يُلام
الذنب ذنب مواجع في القلب تُغرس كالسهام
أواه يا خلا سقى ورد المودة والوئام
حتى إذا فاح الشذى منها وأنوار ابتسام
جاءت خطاك تدوس أزهاري وتغرس بين جنبي الحسام
ورحلتَ عني فجأة لم ترع في قلبي الكلام..
رغم تباين بعض أبياتها من حيث المساحة إلا أنها مقطوعة جميلة ومعبرة بأشجانها، وألوانها الرمادية حيث تكمن نزعة الجفوة وعدم الوفاء.. إنها بهروبه عن حب كانت تحلم به تطرح أسئلة كثيرة، كما لو أنها محققة أمام محكمة حب عادلة.. فهي تقول.. ثم تطالب ألا تقول:
قل لي ففي صدري أنين تساؤل مر وآهات عظام
قل لي.. ولا تصمت.. فإن الوصل أضحى في انعدام..
لا.. لا تقل لي، إنه العسل المصفى بعد ساعات الصيام
لا.. لا تقل لي الحب تحليق إلى الأحلام فوق ذرا الغمام
لا.. لا تقل شيئاً، سئمت القول وهما وانعدام..
لم تترك لغتي أحلامها فرصة القول.. كانت بالنسبة إليه الخصم والحكم.. لقد قطعت جهيزة قول كل خطيب بعد أن أعطته دروسا من قاموس الحب.. انهت بها جلسة المحاكمة الوجدانية بقرار لا يقبل النقض..
لا.. لن أعود إليك إلا بائسا.. أوقد أعود إليك بعضا من حطام
في ساعة الميلاد ماتت قصة للحب في كف الغرام..
هكذا اختار الموت لقصة حبها.. رحمه الله
ومن أمل مدحش إلى هند المطيري.. تأخذنا معا رحلة الشعر الناعم، والهائم في بحور المشاعر المتدفقة.. معها في مقطوعتها الرثائية الرائعة (سعاد تموت شقاء)..
في قريتي السمراء بين حقولنا، وركابنا
وطريق حارتنا الطويل..
والمسجد الخلفي.. وفندق جارنا
ومزارع الزيتون والريحان في غمر الأصيل
(ولدت معاد)
أحبت الوليدة، رعتها بكل تحتان وحب.. تسهر هي كي تنام الصغيرة.. تجوع هي كي تشبع الطفلة.. وتعطش هي كي تروى معاد.. رهنت كل حياتها من أجلها.
كبرت معاد.. تلهو، وتلعب كأي طفل لم يدرك بعد مشاكل الحياة وشجونها.. تعبث بشقاوة طفولتها
في صحن داري.. كم تشاقت طفلتي
كسرت زجاج النافذة.. وتحطمت ألعابها
وتمزقت أوراق مكتبها الصغير
والحبر بلل ثوبها وكتابها
ما زلت أذكر إنني أحببتها.. علمتها معنى معاد
محبوبتي تهوى الشجون: برغم معدنها الحنون..
وتحب ريح الليل تعبث بالغصون السمر
قرب جدار منزلنا الصغير..
رسم شاعري بريشة أم تتابع حركة طفلتها بحب.. وقلق.. لماذا قالت.. ما زلت أذكر أنني أحببتها!! ما الذي تغير؟!
رحلت معاد.. فبكتها
وتمزقت أوراق شعري قرب لحد حبيبتي
ماتت معاد..
في عنفوان شبابها.. أواه ما أقسى الشتاء.
رثائية لأحب الناس لابد وأن تكون حارة وكاوية لولا أن الموت قدر لابد منه.. لا يجدي معه البكاء ولا التحسر.. أم معاد ما زالت تحبها..
هند عاشقة للحياة.. والحياة حب.. والحب تواجد ووجود.. إنها ترفض النقيض وتستنكره:
الناس في الحب أسياد وعباد
وفي العذابات محكوم وجلاد
كم من محب يذوق الهم قد عصفت
به الشجون فتبراح.. وتسهاد
لا تسألوا عاشقا قد ذاب خافقه
من الصبابة حتى ليس ينقاد
إلا لمن أشعلت في الحرب مرجلها
فناره في صميم الجوف تزداد..
من منا يا هند لما يعشق ولم يتحرك مرجل حبه؟! الموتى وحدهم.. أما أرواحهم فإنها بحبها ولحبها قائمة.. كذلك الحب الذي عبرت عنه:
إني أحب وما في القلب من خجل
الحب نور من الرحمن وقاد
لم أعشق الجسد الغاني ولا لعبت
في خافقي منه ألحاظ وأجياد
لكن عشقت التي قد ظل يخطبها
من سالف الدهر أبطال وقواد
نعم، عشقت وما عادت تسامرني
إلا رؤاها التي للقلب تعتاد
أسلمتنا شاعرتنا إلى الحيرة إلى درجة تذكيرها بمقولة حبيب هند الذي طال به الانتظار في شوق إلى حديثها.
(ليت هندا أنجزتنا ما تعد)
ووقت أنفسنا مما تجد
وهندنا أنجزت وعدها.. وباحت لنا بمكنونات سرها:
محبوبتي من بنات المجد ليس لها
في القيد ند وغصن الغيد مياد
ليست من البيض بل بالبيض مولدها
ولا من السود لكن أهلها سادوا
محبوبتي بنت عز ليس تنجبها
حواء فيمن سيأتي أو بمن بادوا
شمس الحضارات ما زالت تعانقها
تقتات منها وكل الناس أشهاد
محبوبتي مجدنا الغالي الذي عصفت
به الخطوب فلم يحفظه إسناد
محبوبتي في زمان العز قد وُلدت
فهل لها في زمان الجبن ميلاد؟
كم أنتِ رائعة يا هند في اختيارك لمحبوبتك.. وكم أنت موفقة في التعريف بها.. وفي ربطك الجميل بين عاطفة الجسد، وعاطفة الروح.. بين حب قصير الأمد.. وآخر له عمر الحياة وخلودها.. بقي السؤال: متى يعود؟! الجواب حين نعود نحن.. التاريخ صنع إرادة قوية.
ومن هند عاشقة التاريخ إلى شاعرتنا اللطيفة لطيفة البدر، بها ومعها يأتي مسك الختام.. شاعرتنا تعرفنا جميعا بلغتها التي نجهلها:
لغة يجهلها كل البشر
ما عدا أنت، وإيحاء السحر
في غضون الوقت أشكو غربة
أودعت روحي نحيبا لا يذر
أيها المساكن في أوردتي
راعني طيف فأضناني السهر
أي طيف ذلك الذي انتشل لطيفة من وحشة غربتها.. وأسلمها إلى السهر المضني؟ لا شك أنه طيف جميل وحالم هدأ من روع صمتها بصوته المفرح..
بسمتي عادت.. ولكن طعنة غرست في جانبي ممن وزر
ليتني أخفيت قلبي عنهمو
وتواريت بآلاف الصور
أمنية لن تتحقق إلا بالصبر الجميل.. والقوة على مواجهة الموقف.. وإلا فإن شبح الاغتراب هو البديل من اقتراب بدايته خشية مردها الضعف.. وربما إعصار الحب الظالم الذي لا يرحم.. هكذا اختار أن تبعد عنه، وأن تغنى له تأسيا بالمثل (ابعد عن الشر وغني له).
فلتنم يا أيها القلب.. فقد
يورق الغصن وقد كف المطر
حلم شاعرة.. أن يبقى الأمل مسيطرا على مرارة الألم، تماما كما يأتي الربيع على أنقاض الشتاء والخريف، ومن لغتها الشعرية إلى إيثارها:
عمري المسكون أشجانا أطلا
ونضا عن عاتقيه ثوب ذل قد تولى
ومضى يسأل عن روح تعاد
ان ماضيَّ الذي أودعته فيض إحساس تجلى
غاله الحقد، وأدماه القتاد
خلف ذات لثكلى تتملى
إن توليتُ فقد أشبعت جرح الثكل طعنا
فنصال الفقد فيها لا يباد
تغضت عن يدها الماضي، ومالت نحو أسمال له تنظر الراحل فيها
وتمضي شاعرتنا لطيفة في عزف لحون إيثارها اللطييفة متسائلة:
أي أم جنحت في مقلتها أمنيات قد تغشاها السواد؟
تسأل الأرض.. ألا هل دمه
قد توارى بين جنبيك..؟ فما أقسى البلاد
كان ندا شامخا يحمل الأحجار.. يمضي باسلا
لم أر في وجهه الغض ذعرا يهتز منه الفؤاد
فإذا ألقيت أحجارا أرى رعبهم في الوجه عارا
الرمز يطغى على فضاءات القصيدة الحزينة المغموسة بإناء الإيثار، والتضحية.. ومرارة رحيل الفقيد.. ما بكته لأن شموخ فقدها له يتأبى أن يهزم..
وبعد من خلال الأمسيات تتوقع لها أون لاين الثقافية للمواهب النسائية الشعرية في وطننا الحبيب الذي قدمت له الابنة الكريمة أمل محمد القاسم.. واحتضنها مركز سعود البابطين الخيري مكانا ومكانة.. وتناول معطياتها الشعر بالدراسة نخبة ممتازة من أديباتنا الكبار ومربياتنا الأفضال:
1) د. رقية بنت محمد المحارب.
2) هدى بنت عبدالرحمن بن إدريس الدريس.
3) عواطف بنت علي بن عبيد العبيد.
4) د. فوزية محمد يربون.
5) أمل بنت محمد بن سليمان الحميضي.
6) إضافة إلى الدكتور عبدالرحمن بن عثمان بن عبدالعزيز الهليل..
هذه الكوكبة من الشاعرات.. ومن المختصات في شؤون الشعر وشجونه قدمن لنا تجربة شعرية حياتية تنبض حرارة مرة.. ومرارة أخرى إلا أن الصدق فيها يحول مرارتها إلى حرارة نبض يكشف الواقع.. ويحدد المواقع.. ويجدد الأمل بمستقبل واعد وواثق للمواهب الشعرية المتعطشة للبوح..
والتنفيس عن النفس.. وإذا كان الشعر لغة العرب فإن النثر بكل جوانبه المختلفة هو أيضا روافد لتلك اللغة التي أتمنى لو أخذت طريقها بالنسبة للكاتبات والقاصات الواعدات في أمسيات قادمة.. وفي انتظار الجزء الثاني مع وعد صادق ألا أجحده حقه من إبداء الرأي..


* الرياض : ص.ب 231185
الرمز : 11321 فاكس: 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved