الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th September,2005 العدد : 123

الأثنين 15 ,شعبان 1426

قصة قصيرة
إلى من تضيء طرقات الآخرين؟
بهية بوسبيت
أنهى أحمد أعماله الكتابية التي كانت متراصة أمامه على مكتبه، ثم تناول الجرائد التي حملها له العامل المسؤول عن قسمه، كعادته كل يوم.. تصفح عناوينها الرئيسية ثم دفع بها بعيداً، مستثنياً منها المجلة الثقافية التي يحرص على قراءتها أسبوعياً، مضى يتصفح العناوين التي جاءت فيها بلهفة المشتاق إلى حبيب طال انتظاره، هكذا تعوَّد أن يطوف بالعناوين ليعود لقراءة ما يشده منها أولاً، سواء كان قصة أو مقالاً أو قصيدة.. وبينما هو مسافر معها، استوقفه عنوان شده كثيراً وقف عنده، قرأ بعض سطور مما جاء فيه.. أسرع يكمل سفره ليعود لإكمال قراءة ما بدأه... عاد مرة أخرى، ركز نظره على العنوان من جديد.. إنها قصة راح يلتهم سطورها بشغف اندمج مع أحداثها جملة.. جملة، وسطراً.. سطراً، رحل بفكره بعيداً.. تذكر أيام زمان.. تنهد في أسى وهو يعيش معاناة أشخاص القصة ويتألم لحال البطلة.. عادت به ذاكرته لمعاناة الكثيرات، اللاتي مررن بنفس حالة بؤسها وخوفها وآلامها من قبل، أحس بحيرة كبيرة تكتنفه عندما وضع نفسه في موقف أم البطلة ومرارة حيرتها وقسوة معاناتها من مشكلة ابنتها، ازدرد ريقه وهو يلهث وراء السطور، يريد أن يعرف كيف ستكون النهاية، وماذا سيحدث للبطلة التي تعيش معاناة ما زال غيرها يعيشها الآن، رغم تقنيات التطور الحديثة؟ وماذا ستفعل الأم عندما عرفت سر معاناة ابنتها؟ وكيف ستواجه حل هذه العقدة والمشكلة؟ تنهد في هدوء عندما وصل إلى النهاية.. تناول شربة الماء الباقية داخل الكأس القابع أمامه، ثم مد يده ليجفف قطرات العرق التي مضت تشق طريقها إلى وجنتيه، لتعبر في ارتياح عن نهاية قلقه وتوتره بفرحه بانتهاء معاناة بطلة القصة.. الحمد لله.. أم هذه البطلة أم عاقلة وذكية، عرفت كيف تجد المخرج لابنتها.. نادى على العامل الذي أسرع ملبياً النداء.. قال أحضر لي كأس ماء بارد.. ثوانٍ ثم عاد بالماء، شرب منه عدة رشفات وراح يبحث عن اسم كاتب القصة (ياسمين عبدالرحمن)، إنها امرأة وليست رجلاً، حدث نفسه بذلك، وتابع لا بد أنها قد عاشت أحداث القصة، عن قرب أو سمعت من أم، لذا استطاعت أن تعبر عنها بصدق، مصورة مدى معاناة البطلة وأسرتها من قسوة أحداث المشكلة، بطريقة تجعل كل قارئ يعيش معها كأنها حدثت له من قبل.
زاد إعجابه بالكاتبة قال: محدثاً نفسه لابد من كتابة رسالة لها أعبر فيها عن إعجابي بقدرتها على التعبير ومعايشة آلام الناس، وإصرارها على إبراز كل سلوك اجتماعي خطأ، والمناداة بالقضاء عليه والعمل على تعديله، والدعوة إلى التمسك بالأخلاق والفضيلة، عندما عاد إلى منزله تناول قلماً وبدأ يكتب فكرة، رفع سماعة الهاتف اتصل بمحرر الصفحة الثقافية، طلب منه عنوان الكاتبة، اعتذر منه لأنه لا يعرف إلا مدينتها وجهة عملها فقط، اتصل بجهة عملها بعد عدة محاولات استطاع أن يحصل على هاتف عملها، مرات أيام عديدة وهو يحاول الاتصال بها وفي كل مرة يكون الخط مشغولاً، يفكر من جديد، بحث عن رقم آخر، لعله يستطيع عن طريقه الحديث معها، اتصل وعندما رفعت السماعة شعر بسعادة غامرة، سألها عنها بالاسم وعندما تأكد من وجودها أعطى الأستاذة التي حادثته رقمه وطلب إيصاله لها لتتصل به ضروري، مرت الدقائق عليه بطيئة كأنها ساعات، أخيراً رن هاتفه، جاءه صوتها المستغرب هل أنت الأستاذ محمود، أجل أنا فلانة؟ من أنت؟ وماذا تريد مني؟ أخبرها أنه منذ عدة أيام قرأ لها قصة شدت إعجابه كثيراً، وأنه يود أن يبعث لها بخطاب شكر وتقدير، ويرجو أن تزوده بما يوجد من مؤلفات لها.. وعدته خيراً ثم أقفلت الخط، مرت أيام طويلة على وعدها له، بعدها حمل البريد له مجموعة من الكتب، استلمها بفرح شديد، ومضى يقرأها كتاباً.. كتاباً بنهم شديد، ومتعة كبرى، ولذة طاغية، وإعجاب كثير، حتى أتى عليها جميعاً.
تناول القلم ليشكرها على إيفائها بوعدها بإرسال الكتب، وليعبر عن رأيه فيما سطره قلمها.
فكتب....
بسم الله الرحمن الرحيم
أسعد الله مساء من تضيء طرقات الآخرين بشموع قلمها المبدع، راجياً من الله أن يحفظك بعنايته دائماً، وأن نتحف دائماً مما حباك الله من نعمة القلم، أشكرك جميل الشكر على كتبك القيمة التي شعرت أثناء قراءتها بمتعة ولذة كبيرة، وخرجت منها بفوائد عظيمة، وتعلمت منها دروساً عميقة، أنا يا سيدتي لست بناقد أو كاتب ولكني سأعبر عن رأيي فيما قرأت لك لأن النقد لا يقتصر على الناقد فقط لأن الإنسان الواعي المدرك يستطيع أن يميز بين الغث والسليم، كما أنه يدرك هدف الكاتب ومبرراته من الكتابة، وقد أدركت من خلال كل ما قرأت لك أن قلمك يعالج مشاكل اجتماعية وأسرية بأسلوب القصة المحبب الهادف، الذي يدعو للإصلاح والفضيلة، وقوة الإيمان بالله عز وجل في كل الأحوال، فأنت صاحبة قلم مصلح وهادف يدعو لكل القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية، هذا هو رأيي المتواضع من خلال قراءتي لكتبك، فهنيئاً لك هذه النعمة التي خصك الله بها ولك مني أجمل دعوات التوفيق. سيدتي لا أعلم لماذا كلما قرأت لك قصة ازداد فضولي أكثر إلى معرفة شخصيتك فمن أنتِ؟..
أنهى رسالته وأقفل الظرف وقرر أن يرسله إلى البريد في الغد.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved