Culture Magazine Monday  19/11/2007 G Issue 223
فضاءات
الأثنين 9 ,ذو القعدة 1428   العدد  223
 
الطريق إلى إسرائيل «1»
سهام القحطاني

 

 

(إن أدمغة الكوييم البهيمية المحضة غير قادرة على تحليل الأمور وملاحظتها لا بل غير قادرة على رؤية ما سيؤدي إليه تطوير مبدأ معين) - البرتوكول الخامس عشر-

هل الفوضى الخلاقة هي الوجه الآخر لليبرالية؟

وما علاقة الليبرالية بالفكر اليهودي؟

وهل ستصبح الفوضى الخلاقة والليبرالية رمز ثقافة عرب المستقبل، وبتعبير أدق قاعدة تغير مجتمعات الشرق الأوسط؟

أسئلة تجمع مفردات قد يعتبرها الكثير أنها مختلفة عن بعضها بل ومتناقضة، وأن محاولة الربط بينها أو حتى إيجاد علاقات تسهم في بناء فكرة متكاملة من خلالها تبدو صعبة أو غير قابلة للتصوّر. لكن الحقيقة أن الرؤية المتأنية للصورة ستكشف لنا أن كل الأمور تسير في ذات الاتجاه مُكونة بوصلة تهدي إلى طريق ما، وخصوصا أن الأشياء كعناصر للمتن تظل ثابتة داخل الصورة لا يغيرها اللون الأبيض والأسود كدلالة للماضوية، ولا تُضيف لها الألوان الملونة كدلالة للحاضر، ولا تلغيها تنبؤات المستقبل، فتغير الإطار لا يلغي هوية المتن ببديل، والمتون وإن كانت ثابتة العناصر فهي أيضا تتميز بخاصية الحركة والانتقال، مما يسهل إعادة تركيب عناصر المتن وفق الظرفيات، وتلكم وهي الخدعة التي توهمنا بأن إعادة ترتيب عناصر الصورة دلالة تجديد وتغير، والأمر في حقيقته المجازية ليس سوى صياغة أخرى لمضمون المتن ودلالات المحتوى، والصياغات عادة تجزأ توصيفات الصورة وتضيف لها استقراءات مختلفة، لكن التأويل لا يغير قاعدة بناء المفاهيم، بمعنى أن الأصول حاضرة في إنتاج الأثر، واختلاف الصياغات لا يتضمن اختلاف الأصول معيار الفكر والشخصية المُؤلفة لهوية الخطاب الخاص.

لو اتفقنا على الأساس السابق، فهو يعني أننا نتفق أيضا ضمنا بأن أصول التاريخ الجمعي للتجربة الإنسانية الخاصة الفكري والسياسي والثقافي هي من يحرك أفعالنا، والفعل حركة لأنه مُنتّج وهنا تكمن خطورة الأصولية كخارطة للطريق في الخطاب الفكري لأي جماعة إنسانية وأحيانا تتفلّت منا أقوال وأفعال تكشف خفايا الإحالة مستور الأصول، وهي حالة تزداد كلما قلّت عقلانية المرسل أو المُتحدِث، أو كلما تعمّقنا في تأمل الصورة وربطنا بين الأصل والإحالة والأثر.

وبذا تُعبر المفاهيم والأفكار وأحيانا الألفاظ عن الأصولية المخفية لخطاب الجماعة، كما تكشف من غير قصد عن مستور تلك الأصولية بما يعني أنها مركز حركة وإنتاج ذلك الخطاب، والأمر لا يقتصر على خطاب جماعة مخصوصة بل هو أمر عام يشمل كل الخطابات بأثر رجعي تتحكم به سلطة العقل الجمعي، باعتبار أن العقل الجمعي هو صانع الخطاب.

ويُعتبر مفهومي الفوضى الخلاّقة والليبرالية من مفاهيم جذور الخطاب الصهيوني أي البرتوكولات باعتبار أن تلك البرتوكولات هي التي تُمثل قاعدة الخطاب الصهيوني، وخارطة طريقهم للهيمنة على العالم وتحقيق حلم حكم العالم، وبصياغة أخرى روح البرنامج (الإمبريالي لليهود) الذي تتعدد أشكاله لكن المضمون يظل ثابتا، (اذكروا الثورة الفرنسية التي وصفناها بأنها عظيمة، إننا نعلم أسرار إعدادها لأنها كانت من صنعنا، ومنذ ذاك التاريخ لم نزل نقود الجماهير من خيبة أمل إلى خيبة أمل حتى يتنازلوا لنا لصالح ملك مستبد من دم صهيون الذي نعده للعالم) - البرتوكول الثالث -

إنه مثال من البرنامج الامبريالي اليهودي الذي خططت له البرتوكولات ورغم كثرة الأمثلة واختلافها تظل غاية ذلك الخطاب واحدة حكم العالم لأن ذلك استحقاق خاص بهم فقط، استحقاق منبعه قدسية المرجع العرقي التي يتبعه العديد من الهبات الإلهية والقدرات الخاصة التي تحول نقطة الضعف إلى مركز قوة (أعطانا الله نحن شعبه المختار القدرة على الانتشار في الأرض من غير ضرر بنا.. وإن ما ظنه الآخرون ضعفا لنا كان على الضد سبب قوتنا لامتلاك العالم ولم يبق علينا إلا القليل لكي نبني على هذه الأسس) -البرتوكول الحادي عشر-.

الاستحقاق الذي يعني قيادة العالم عبر الدفع إلى الهاوية، ولكن قلما تصبح القيادة قيمة لأن الشرف ضد السيطرة.. فمن البدهي إذن أن تكون الطبيعة قد أوجدتنا لكي نكون حكاما وقادة للعالم، وتحقيق الحلم يتجوهر ويُتوّج (حينما يضع ملك إسرائيل، على رأسه التاج الذي تقدمه أوروبا إليه فسيكون سيد العالم) -البرتوكول الخامس عشر-.

هكذا تتبلور العلاقات في تسلسل دائري تسمح لخيوط العنكبوت أن تحيط بك دون أن تعرف، وهي خيوط ليست بالضرورة أن تخنقك لكنها بالتأكيد كلما تكثّفت حُجبت الرؤية، هكذا يبدو التاريخ اليهودي غامض وغريب لكن النقطة الواضحة فيه هي نبوءة أرض الميعاد، لكن الطريق إلى إسرائيل ليس رحلة بل تاريخا ورغم الزيف الذي يحيط به أصبح واقعاً واستحقاقاً لا نستطيع أن ننكره، لأننا لا نملك قدرة فعل الإنكار، ولا قيمة التأثير على إحداث التغيير.

ويعني الحصول على ذلك الاستحقاق توافر امتيازات القرار والسلطة والتنفيذ التي يتمتع بها حاليا الرأي اليهودي كما يعبر عنها البرتوكول التاسع، إننا نحن في الوقت الحاضر الذين يسنون القوانين، ونحن القضاة ونحن نعاقب، ونحن نعدم، ونحن نعفوا.. إننا ننطوي على حب انتقام لا يرحم وكراهية قاتلة، وتلك سلطة من حق من يملك القدرة على تفعيل التدمير والفوضى في كل مكان، وليسا لأنهما فقط إثبات لنظرية الأقوى، الأقوى من يدمر ويثير الفوضى، بل لأنهما يحققان منفعة الحصول على الغاية النهائية، وهي الغاية التي لن تتحقق إلا إذا فقد العالم أمنه النفسي والاجتماعي واستقراره السياسي كما يعبر البرتوكول العاشر

(وإننا إذا تركنا العالم في راحة فإن الساعة التي ننتظرها لن تأتي أبدا)، إنه ارتباط شرطي واضح الملامح، (الحلم مقابل اللا سلام)، ولم تختلف روح ذلك الارتباط رغم اختلاف الشعار (الأرض مقابل السلام) والحقيقة أن (السلام مقابل الأرض) هو الشعار الذي يتوافق مع روح خطاب البرتوكولات، وهو ما يعني أن تظل كل الحكومات في نَصب من هذه الأعمال وتريد السلام.. ولكننا لن نمنحهم السلام حتى يعترفوا علنا وبقلب خاشع بحكومتنا العالمية العليا-البرتوكول التاسع-.

نعم سيظل السلام هو جوكر اللعبة -لأنه إنتاج يهودي خالص- والحبل الذي ستقاد باسمه كل الأعناق إلى المذبح حتى تتحقق نبوءة العودة إلى إسرائيل، لكن إتمام فعلي السحب والدفع يحتاج إلى دراسات عميقة للنفس الإنسانية واحتياجاتها وأساليب التأثير عليها والتحكم في ردود فعلها لتتوافق مع غايات الضغط والتأثير، كما أن غرائز النفس الإنسانية هي الثروة المجانية المتاحة لاستثمار واستغلال الفرد من خلالها و الفكر والمعرفة والفن وسائل لتحقيق ذلك (لا تظنوا أن تأكيداتنا ليس لها أساس بل انظروا إلى ما أحرزته الداروينية والماركسية وأفكار نيتشه من نجاح بفضل سعينا، وأنكم ولا شك تلمسون جيدا ما أصاب الكوييم من فساد خلقي من نشر هذه المذاهب) -البرتوكول الثاني-.

والمشكلات الاقتصادية للشعوب ثروة أخرى يستغلها البرنامج الإمبريالي لليهود للسيطرة على العالم، والاقتصاد له نصيب الأسد في قيادة العالم للهاوية بأشكاله المختلفة (وبالمضاربة تنصب أموال العالم كله في أيدينا وتقذف بالكوييم إلى مصاف العمال فينحنون أمامنا لكي يحصلوا على حق مؤقت للحياة،.. ولكي لا يدرك الكوييم حقيقة الوضع قبل الأوان فإننا سوف نخفي ذلك وراء دعوى الرغبة بمساعدة الفئات العاملة والحفاظ على المبادئ الاقتصادية الكبيرة) -البرتوكول السادس-.

وهذا ليس منتهى الحد، لأن الدمار شامل والفوضى تتسع وتتمدد لتقود العالم وفق البرنامج الإمبريالي لخطاب البرتوكولات إلى (لا سلام) لتتيح لك فيما بعد صناعة (السلام) وفق مشروطات تتفق مع نرجسية ونبوءة أرض الميعاد، وهذا يعني أن عليك أن تُشعل الحروب وتدمر الحكومات وتستغل ثروات الشعوب وتضمن ولاءات أصحاب الثقافة والفكر إنه مسعى وغاية من أجل إنهاك (كل العالم بالاختلافات والعداوات والحروب والأحقاد، وحتى بالإعدامات وبالجوع وبنشر الأمراض، حتى لا يبقى أمام الكوييم إلا اختيار واحد وهو طلب معونتنا المالية ونشر سلطتنا عليهم) -البرتوكول العاشر-.

وإيصال العالم إلى تلك الحالة يتم عبر آليات مختلفة منها الحروب بين الدول المجاورة (وذلك بتحريض جيرانهم لشن حربا عالمية، فإذا اتحد هؤلاء الجيران معهم علينا فعلينا أن نثيرها حربا عالمية) - البرتوكول السابع-. فالحروب صناعة يهودية خالصة باعترافهم المجاني (نحن معشر اليهود صنعنا الحرب العالمية، نحن اليهود لسنا إلا مظللي العالم وحارقيه وقاتليه، إن ثورتنا الأخيرة لم تقم بعد، ونحن وضعنا أسطورة الشعب المختار) كما يقول اليهودي أوسكار ليفي، و(نحن اليهود نحن المدمرون،سوف نبقى مدمرين إلى الأبد... سوف ندمر لأننا نريد العالم لنا) كما يقول اليهودي موريس صمؤيل، هذان وغيرهم أمثال وايزمان وهرتزل والخاخام أبا هليل سيلفر هم (الأنبياء الجدد) لبني إسرائيل كما عبّرت أرملة حاييم وايزمان، الذي أسست تعاليمهم فلسفة فوضى العالم وتدميرها لاستقبال نبوءة العودة، ورغم ذلك تبقى الفوضى الشاسعة في كل مكان والتدمير التي تمتد رقعته يوما بعد ثمنا تافها من أجل تحقيق نبوءة إسرائيل.

وتتحقق الغاية التي تقرّب النبوءة من سطح المستنقع الذي يمتلئ بالجثث عندما تتعب جميع الشعوب (بهذه الوسائل حتى نجبرهم على أن يعرضوا علينا تولي حكومة العالم التي تمكننا بكيانها ذاته) -البرتوكول الخامس-.

والحرص على أن تسير كل الآليات لتحقيق ذات الغاية وإن اختلفت المسارات والأشكال بداية من التحريض على التسلح والحروب والتي تضمن (ألا تعود الحروب حيثما شنت على المتحاربين بأية فوائد إقليمية، وبذلك تصبح الحروب مجالاً اقتصادياً وتجبر الأمم على الاعتراف بقوة سلطتنا) وهو ما يعني التغلغل في أجساد الحكومات كورم سرطاني (لقد اضطررنا أن ندخل في كيان الدول تدابير انتقالية لإلغائها تدريجيا من كل الدساتير بانتظار الوقت الذي يسمح لنا بجمع كل الحكومات تحت سلطتنا المطلقة) -البرتوكول العاشر-.

لسنا أمام شيطان أو مجموعة من الشياطين هكذا تقويم عاطفي يتجاوز المنطق، بل أمام خارطة فكرية معقدة ونظام قيمي لم تعد الحقيقة مصدر القوة فيه ولعلها لم تكن كذلك منذ البدء، كما لم تعدّ الحقائق تؤلف اعتبارات الصدق والكذب وتحول الحق إلى نموذج مثال تُبدد قيمته النسبية.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة «5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة