Culture Magazine Monday  19/11/2007 G Issue 223
فضاءات
الأثنين 9 ,ذو القعدة 1428   العدد  223
 

حينما كنا في فيرونا
د. شهلا العجيلي

 

 

لم نكن يوماً في (فيرونا)، ولم نكن يوماً في القرن السادس عشر، لكنّنا سنجد ذواتنا هناك، لا في الحلم، بل في النصّ، النصّ الذي طالما تلاقى مع الحلم.

ولعلّ كوميديا شكسبير(سيّدان من فيرونا) هي التي ستجمعنا بذواتنا هناك، ليس لأنّنا نعجب بشكسبير، وليس لأنّ ألق ثقافة الغرب يجذبنا، بل لأنّنا ناس من قلوب وأخيلة، وسواء أكان ذلك بالقوّة أم بالفعل!

يتحمّل مغبّة لقائنا مع أهل (فيرونا) ما يسمّيه النقد الشكلانيّ ب (الأغراض المستمرّة): الحبّ، والكره، والألم، والأنانيّة، والتضحية... إنّها الأغراض التي لا تنتهي فعلاً، ولا تتحوّل في أصلها، فهي على الرغم من تغيّر أعراضها، فإنّ جوهرها ثابت، ومعها القضايا الإشكاليّة التي مايزال الناس يتداولونها مذ وعوا المشاعر الأولى. ومع أنّي مع كوليردج في قوله: (الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا)، فإنّني أجدهما يلتقيان في هذا الجوهر المستمرّ. فالقضيّة التي دار حولها جدل بين (جوليا) ووصيفتها (لوستا) هي ذاتها التي تتحاور فيها أيّ امرأتين أُشرعت بينهما نوافذ الصراحة:

جوليا: إنّ قلّة كلامه تنمّ عن قلّة حبّه.

لوستا: إنّ أكثر النيران احتباساً، أشدّها اضطراماً!

- ليسوا بمحبّين أولئك الذين لا ينبئون عن حبّهم.

- كلاّ، بل الذين يذيعون حبّهم هم أقّل الناس حبّا...

كان، وما يزال مذهبان في الوصول إلى الحبيب، عرفهما الأدب في كلّ مكان، هما التصريح بالحبّ، أو كتمانه، فالتصريح يحمل لذّة المكاشفة، والتمتّع بالعاطفة تجاه المحبوب، وذلك قبل فوات الأوان، الذي سيقتضيه الموت، أو الرحيل، أو التحوّل عن العاطفة، ألم يقل أبو نواس في نيل مثل هذه المتعة:

فَبِح بِاسمِ مَن تَهوى وَدَعني مِنَ الكِنى

فَلا خَيرَ في اللَذّاتِ مِن دونِها سِترُ!

أمّا الذين يذهبون مذهب الكتمان في الحبّ، فيجدون المتعة في الشكّ، لا في اليقين، وفي البحث عن الأسئلة، لا في تقديم الأجوبة، وفي ذلك يقول المتنبّي:

وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ

وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يُرجو وَيُتَّقي!

- حلب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة