Culture Magazine Monday  19/11/2007 G Issue 223
نصوص
الأثنين 9 ,ذو القعدة 1428   العدد  223
 
قصة قصيرة
لن تخدعني فتاة!
بدرية البليطيح

 

 

وأخيراً تم الوصول بعد ساعات عانقت بها الطائرة السحب, إنه حلم قد تمسك بتلابيب الواقع لينطرح صريعاً مع الإعلان عن وصول الرحلة ومن ثم يتدحرج على سلم الطائرة, الحلم قد تحقق وها هي أضواء المدينة الحلم (اسطنبول) تكتسح ظلمة الليل وتبدد سكونه. بينما الطبيعة تنام غير عابئة بأحضان السكون.. الوقت متأخر والهواء الرطب المحمل بالرذاذ البارد يداعب الوجنتين لحظة مغادرتهم للمطار ويسكن الروح مبدداً حرارة الصيف ولهيب الرياح الساخنة التي تشربها الجسد منذ عدة أشهر..

تستدني الأم معطف صغيرها وتلفه حوله خوفاً عليه من البرودة بينما الأب يصرخ بها مداعباً: دعيه هذه النسمات العليلة لن تؤذيه. وفي الصباح الذي طال انتظاره تتسلل أشعة الشمس بحياء غير معهود عبر النافذة الخشبية المطلة على ساحل المضيق وقد تخلت عن لسعاتها الحارقة بعد أن سلبت منها وهي تمتطي برشاقة أحد فرسان الدولة العثمانية تلك الجبال الخضراء وتشق بجرأة السحب المتراكمة فوق بعضها البعض فتخفف لونها الداكن بعكس شمس بلادهم سيدة الكون سهماً عمودياً لا ينثني.. هيا لا وقت للنوم سنتعرف على المدينة الساحرة بأسواقها ومتاحفها ونلتقط الصور لأجمل مساجدها ذات القباب الكبيرة وما حولها من مسطحات خضراء.. قال الوالد ذلك وهو يأخذ نفساً عميقاً ويملأ رئتيه بالهواء النقي ويشد وسطه بالحزام السميك:

الله الطبيعة فاتنة.. المنظر من هذا الارتفاع لا يقاوم سحره..

اختلط الهواء برذاذ المطر يصافح أوراق الشجر المتشبث بأغصان محملة بالثمر.. التين.. والمشمش والفراولة.. ازدادت زخات المطر دون أن يحتفل بقدومه أحد.. لقد اعتادوا عليه فأصبح لا ينتظر من يستقبله..

مر يومان وهم بغاية المتعة مع بعض الصعوبة لعدم فهم اللغة ولكن بعضهم يستعملون العربية مكسرة ويسعدون بتعلمهم بعض الكلمات التي يحفظونها ويرددونها بالإضافة للغة الإشارة..سعدوا بزيارة الأسواق والمتاحف وأطلقوا العنان للنظر عبر تلك المسطحات الخضراء بينما تشتد لهجة الزوجة موبخة بين حين وآخر عندما تحين من الزوج التفاتة لا شعورية لبعض النساء:

قلت لك مراراً لا تنظر لهن....!!

فيصرخ بها:

.. يعني أغمض عيني.. !!

بينما الصغير فرح مسرور فقد عقد صداقة حميمة مع أحد أطفال صاحب العمارة فأخذ يلعب معه بالدراجة وحول الشجرة الضخمة بحديقة المنزل من خلال لغة جديدة حاولا التفاهم بها عن طريق الإشارة والصراخ والضحك فيمضي النهار دون ملل وعند مناداته لتناول الطعام ينسحب بلباقة ثم يطل برأسه من الشرفة وهو يراقب صديقه ويتحين الفرصة للعودة إليه.. وبعد أيام وكالمعتاد بنفس الوقت يطرق الباب... فينطلق الصغير ليفتحه فرحاً مسروراً بقدوم صديقه الصغير وهو يبحث عن فردة الحذاء لينطلقا كالسهم للحديقة..

يفتح الباب وحذاؤه بيده متدلياً وبعد لحظات يغلقه بشده ويختبئ بالغرفة. فتهرول الأم خلفه متعجبة.. تفتح الباب مرة أخرى. وهي تبحلق بوجه الصغير الحائر أمام الباب فتزدحم الحيرة والدهشة لتشل لسانها قبل إطلاق ضحكة مدوية جاهدت لإخفائها لم يكن الصغير صديق طفلها الذي تعلق به ولازمه لأيام عديدة سوي فتاة قد ملت من تكرار لبسها اليومي فلبست فستانا وردياً جميلاً بعد أيام لم يتحرر به جسدها من قيود الجينز المتهرئ بكل ألوانه وأشكاله ولأن شعرها بالأصل قد قص وتم تمرير شفرة الحلاقة على أطرافه وملامحها الأنثوية قد ضاعت وسط الشقاوة وكثرة الحركة وهي تمتطي دراجتها وتقذف بالكرة وتتسلق الشجرة فكانت صدمة الفستان بالنسبة للصغير عنيفة ولم يفلح أحد بثنيه عن قراره وإعادته للعب مع الصغيرة بعد ذلك الموقف قد يكون السبب طريقة التربية أو ثأراً لكرامته الجريحة فقد خدع لأيام متوالية من فتاة مثلت دور الصبي بمهارة!! فتجنبها بجدية وهي تنظر إليه متعجبة وسط حيرة والده وضحكه المتواصل.. بينما الأم تقول بخبث: ابني رجل ومعدنه أصيل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة