Culture Magazine Monday  19/11/2007 G Issue 223
قراءات
الأثنين 9 ,ذو القعدة 1428   العدد  223
 

بدرية البشر التي لم تستطع تسمين كتابها
هل تسعى الكاتبة إلى خندقة المجتمع؟!
محمد عبدالله الهويمل

 

 

بدرية البشر على الرغم من متابعتها الدؤوبة للمتغير في الحقل الاجتماعي والثقافي إلا أنها لا توفق إلى صيغة معقولة أو تحت معقولة في تناول أي قضية، ولعل هذا يعزى إلى ملابسات أنا بصددها في هذا المقال.

أصدرت البشر كتابها (معارك(طاش ما طاش).. قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي) ولا رغبة لي في استعراضه إذ هو من الكتب العصية على الاستعراض.

وموجزه أنها تدافع عن حلقات (طاش) وتلقّى الوسط الديني والاجتماعي لها والمكتسبات التي جناها معنوياً وثقافياً.

ليس بوسع أي منا تجريد الكاتبة البشر من سياقها الذي تنتمي إليه وتبشر به كمشروع تغيير.

غلاف خمسة نجوم

انقدح في خاطري فورما وقعت عيني على الغلاف أن ثمة أزمة فراغ تنطوي عليه تضاعيف الكتاب وكأني بالبشر أدركت سلفاً أنهالن تصل إلى قرائها إلا بوسائط تجميلية فاعتمدت أكثر شروط ما بعد الحداثة التسويقية توهجاً، وذلك أن تُحول الغلاف إلى شاشة أم.بي.سي تضم إحالتين جذّابتين لممثلي المسلسل في محاولة لاستمالة مشاهدي الشاشة ليقرأوا ويصادقوا على ما سطرته من اختزال وتسطيح للعقل السعودي لا يقل شأناً عن تسطيح (طاش) وهذا في نهاية الأمر حق لها في أن تراهن على المحتوى فقد راهنت على غلاف خمسة نجوم.

الكراهية النووية

البشر منذ أن كانت كاتبة في صحيفة (الرياض) ثم (الشرق الأوسط) وهي تحمل مشروعاً تجاه الظاهرة الدينية في عمومها، ولا تكاد تفرّق بين شحمتها وفحمتها بل ولم تحاول أن تفرق، وربما يؤذيها أن يوجد فرق، إذ يضم الكتاب (الكتاب مجازاً) صراخ هو لوكستي مفتعل تحاول أن توسع رقعته ليشمل جغرافية وطن بأكمله وهذا الصراخ الدرامي ليس مستنداً إلى مظلومية فعلية بل إلى رؤية إيديولوجية تتحرك في مستوى من مستويات الجدل اللاهوتي قد لا يصل إلى درجة الاحتراب في أعلى الهرم العقدي غير أنه مشاغب لثابت ثقافي أسس لوحدة وطن. ويتعاظم القلق ساعة يخلو هذا النقد من أي مستند فلسفي عميق في تناولها لكل الظواهر التي تناقشها في حياتها الكتابية، بل ولا تكاد تستثمر أداة حديثة أو حداثية جادّة في نقدهاللخط المحافظ أو السلفي. ولعل هذه الشعبوية المفرطة جاءت من فرط تماهيها مع المناخ الثقافي الذي يطرحه مسلسل طاش. واحترام القارئ يكون بالفريق بين العمق الحداثي وبين عليان وسعيدان إذا الخلط بينهما يستدعي شرخا مكينا في التواصل مع الشريحة المستهدفة وأنا على يقين أن البشر لا تحتكم على أدوات حداثية أو توافقية تجترح النظرية.

تسمين وتحريض

الملحوظ أن البِشر عانت من عدم قدرتها على تسمين الكتاب ليكون لائقاً من حيث الحجم بالمكتبة السعودية فعمدت إلى اجترارات تخوض في قضايا تاريخية يعرفها كل من يفرق بين الألف والباء، وكان المغزى منها هو الربط المتجني والتحريضي بين تحريم بعض ما يطرح في طاش وبفكر إخوان السبلة وجهيمان والقاعدة (والقرامطة وهو لا كو لالو أسعفها الوقت) وكل خط متطرف في التاريخ حين خصّصتْ خمسين صفحة لعرض تاريخ التطرف هذا أو ربطه برابط ضمني مبطن وغير مبطن بالفتاوى المتأخرة وأن هذه الفتاوى هي الابنة الشرعية لفتاوى جهيمان وإخوان السبلة والقاعدة في محاولة غير موفقة للإيقاع بين مكونات المجتمع السعودي، وكان غايتها توسيع جغرافيا التهمة لتصل إلى من هُم أهل ثقة ولاة الأمر والشعب السعودي وإلا فما الهدف من هذا الاستعراض المجاني الإثاري المفضوح إلا هزّ قناعة المجتمع بالمؤسسة الشرعية الرسمية فالخمسون صفحة هدفت إلى التسمين والتحريض على الشك في أهليتهم والتبشير بالمتصادم مع الانسجام السعودي بل ارتفعت وتيرة الطعن لديها إلى حدّ قد يفهم منه أن من يفتي ضد طاش هو جهيماني قاعدي في اجترارات باعثة على الاستهجان لأن هذه الإشارات والإيماءات قد تجاوزها المجتمع السعودي الذي صمد أمام كل محاولات التشكيك والتفرقة الآتية من القاعدة ومحرضي السوء في لندن وأمثالهم.

خندقة المجتمع

تُلحّ البِشر على إضفاء طابع المعركة على طاش وتحريمه، وأن هناك معسكر تأييد ومعسكر رفض بل وتسهب في رسم مشهد الملحمة فنجدها تستخدم عبارة الانتصار والهزيمة وما يشي باندلاع هدفها تأجيج الاختلاف بين المحرم والمباح ليبلع مبلغ العسكرة الخندقية ورصّ الصفوف وكلّ المفردات الدخيلة على مجتمع لا يحفر الخنادق إلالأعدائه وحسب. وإليك أيها القارئ نموذجاً من عبارات خندقة المجتمع وتحزيبه، في ص56 تقول: (حلحلة قوى التشدد وهزّ شعبيتهم التي كانت سائدة) وفي ص 56 تقول بشأن دمج رئاسة تعليم البنات: (وقد أطيح بهذا الجهاز) وفي ص 125: (فاز مسلسل طاش ما طاش بالمعركة الأولى في حربه ضد القوى المناهضة لحرية التعبير). وص129: (خالفت هزيمة المعارضين لطاش ما طاش حساباتهم) وفي ص 131 (قرر أئمة المساجد في شهر رمضان أن يساهموا في الحرب على(طاش ما طاش) نصرة لعلمائهم وفتاواهم المنهزمة). بل وطابور من الكلمات التراكيب التي لن يعثر عليها القارئ إلا في ثوريات ماركس ومذكرات غيفارا.. قد كان بوسع البِشر أن تبقى المسألة التي اختلفت فيها مع من حرموا داخل إطار الشريعة الحرّ المرن دون ألغام ومتفجرات داخل وخارج النص الديني لاسيما في فرصة حرية النقاش المتاحة وهذا أدعى للهدوء والاسترخاء في الاختلاف دون صخب وتجنيد وتحريض واستقطاب المشاهد السعودية ودفعه للتحزب مع أو ضد الفتوى، وكأن قبول أو رفض الفتوى شرط لهوية المواطن والمشاهد وإقحامه في بانوراما رقمية تكشف عن إحصاءات كلها تصب في صالحها ( وإن كانت قديمة) وقد تكون صحيحة لكنها خارج الاستقطاب أو تحدي الفتوى أو الانقياد لمعسكر دون آخر، كما أنها غفلت عن أن ما يشاهد طاش يحكمون عفوياً بحرمة وفساد كثير مما يعرض بل ويشاهد الكثير منهم مشاهد فضائية قد تحرمها بدرية البِشر فضلاً عن أن وقوع الكثير من شرب الخمر وغيره لم يستدع احتفالاً بهزيمة الفتوى على غرار هزيمتها أمام طاش!! إن أدلجة المجتمع وتحزيبه ومنح هوية سعودي معتدل لكل من يقف ضد الفتوى هو سبب فراغ في التأويل وعجز عن الحوار واختزال ثنائية الحلال والحرام فيما أحب ولا أحب...! إن بدرية البشر مطالبة بحب مجتمعها وأن تجعل من الحب عنصراً ثابتاً في كل مشروع لإصلاح أخطائه.

اقرأ واقلق

* في ص 6 الأدلجة المؤذية التالية: (طاش ما طاش كوميدي، والناس باتت تشتاق لما يخفف عنها رسائل الحرب والدم والعنف اليومي) ولماذا تجاهل أزمات الإنسان من جوع وفقر وديون وبطالة.

* في ص 9 تُضّمِنُ البشر حديث (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) وهو حديث حاضر في كل استشهادات من لا يكادون يجدون غيره ولا يكادون أن يعوا مفهومه.

* في ص 9 تقول في احتجاج تحريضي: (وفق تصورات ما يعتبرون أنفسهم ممثلين لسلطة الشريعة التي يفسرون قوانينها وفق أهوائهم)... ونحن نسأل من هم... من هم حتى نحذرهم؟؟... كفى حديثاً عن الأشباح؟!

* في ص 10 تحريض ضد العلماء تقول (لقد عانى هذا المجتمع وبسبب سيطرة هذه الفئة وسلطتها باسم الدين).. وهذا الكلام نسمعه منذ عشرين سنة وهو من تسطيح القارئ وتربيته على التكرار والتلقين.

* من ص 11 تقول في استقطاب حزبي (بدأ يلامس علناً ما تهمس به فئة واسعة من المجتمع السعودي سراً).

* تمارس البِشر تصنيفاتها الإيديولوجية مثل (إسلاميين، وهابيين، سلفيين).

* تستشهد في ص 18 بتعريف للتطرف وهو منطبق عليها دون تجن.

* تستشهد في الصفحة نفسها بتعريف يؤكد أن التطرف ليس سلوكاً دينياً أو قناعة دينية. وهذا يناقض مشروعها.

* تدندن البِشر حول تعليم المراة الذي تم حسمه من فوره بين المثلث السعودي السياسي والديني والشعبي دون استقطاب ولو كان خطاب بدرية البِشر حاضراً حينذاك لبقيت المشكلة عالقة إلى الآن.

* تلجأ البِشر إلى ترجمات غربية مشبوهة لفضح التاريخ الديني السعودي.

* في ص 28 استخفاف بكبار العلماء.

* في 29 إغراق في أخطاء المؤسسة الدينية القديمة قبل التأسيس لعدم وجود هذه الأخطاء الآن وكأن استعراض هذه الأخطاء القديمة يمثل حالة من الحنين عند بدرية البِشر.

* في ص 31 تطاول على السياسة السعودية واتهامها في شخصيتها.

* ص 43، ص48، ص50 اتهامات عابثة للحكومة بالفساد والتواطؤ.

* تعريض بعلماء الشريعة.

* من الغفلة أن تقول: إن الهجوم على مسرح اليمامة بسبب تحريمه للمسرح؟ وهذا مخالف للعقل والحقيقة واستخفاف بالقارئ والسبب هو أن المسرحية كانت تعرض في لافتاتها باللحية وتوسع من رمزيتها كمظهر للتطرف ومع هذا فالاعتداء تطرف.

* لم تعرض الكاتبة لآراء الليبراليين التي تصف المسلسل بالسذاجة.

* اقرأ واقلق هذا الاستشهاد على الركون إلى قناعة المجتمع الثقافية تقول في ص 70: (واجه المشاهد السعودي الذي عاش طوال السنوات الماضية داخل الثقافة القناعة والقبول بدعوى شهيرة تقول الله لا يغير علينا)، والمعروف أن هذه العبارة تستحضر عند النعمة كالشبع والارتواء واخضرار الأرض والعافية، وليس كما ذكرت الأخت والخلط هنا بسبب الأدلجة التي تتحرك خارج السيطرة.

* في 71 استشهاد بمقولة لمحمد العوا ولا أعرف إلى الآن مناسبتها في هذا السياق إذ ليس لها أم ولا أب إلا ملء الفراغ وتسمين الكتاب.

* تقول في ص 94 (المشاهد العربي عبر عن دهشته بأن السعودية تحمل هذا التنوع الثقافي؟.. (تقصد اللهجات في طاش).. (دهشته)... أي نوع من الدهشة؟!

* تقول في ص 91 (منع بعض الحلقات من البث يزيد محبي طاش ثقة بوطنيته) ويا ترى هل منع قنوات التحريض والإباحية التي تحظى برواد كثر كان بسبب وطنيتها؟

* في ص 120 (إن كبير المفتين بحرمة طاش وأول من تصدى لتحريمه الشيخ البراك وهو كفيف) (تقصد أنه لم يرَ الحلقات)... والرد أن المفتي يفتي في كل القضايا الحساسة والجزئية بكل اقتدار ومن قبله وقبله كذلك.

* في ص 137 تتحدث عن التيار الذي تسميه ظلامياً: (فهو مثلاً ضد تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس بحجة أنهالغة كفّار).. وأنا أطالبها بأن تأتي باسم واحد فقط.

* كتابها جاء متأخراً بعد التراجع الحاد لشعبية طاش لحساب مسلسلات ترفيهية سعودية تثير جدلاً حميماً بين متابعيها.

اعتبر الفنان راشد الشمراني (أحد أركان طاش في بعض سنواته) أن حلقة (الهيئة) تجاوز يرفضه وكان هذا في قناة (العربية) ما تعليقك؟

hm32@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة