الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th December,2005 العدد : 134

الأثنين 17 ,ذو القعدة 1426

بين مكفّري الجوائز وصائديها

ماجد الحجيلان
لكل جائزة عقيدة ما، ولكل فائز تهمة تليق به وبجائزته، وكما يلفت النظر ويستدرجه الباحثون عن الجوائز من الأدباء؛ يستبد بالاهتمام ربما أكثر أولئك الذين يرفضونها ويلعنونها بعد أن تمنح إليهم، وبين هؤلاء وأولئك موقف يشتركان في الإيمان به أو رفضه، وبين الرافض والصائد جائزة حائرة بين نظام سياسي وعقيدة فكرية ومذهب فني.
هناك من أصيب بلعنة الجوائز ووقع في فتنتها بحيث لا تسلم منه جائزة محلية أو عربية أو دولية إلا تقدم إليها مرشحاً، وتمتلئ سيرته بهوس ملاحقة الجوائز والأوسمة والتقديرات وكأنما يجد فيها عزاء أو هي تثبت أنه يكتب شيئاً ذا بال، وصائد الجوائز هذا يظن فيما يظن أنه إذ يراكم الطلبات والترشيحات لا بد حاصل على اعتراف ما بأهليته الإبداعية، وأن سوقه إنما تروج بجائزته لا بما ينتجه من عمل، وهو محق إلى حد ما فكثيراً ما سوقت الجوائز ناساً لم يكن من الممكن أن يجري ذكرهم على لسان لولاها.
هناك مبدعون حقيقيون لم يحصلوا على جائزة واحدة، أي جائزة، ولا يشغل بالهم الحصول عليها، بل ينشغلون أكثر بما بين يديهم من عمل إلى أن تطرق الجائزة بابهم فتفجعهم كمثل كثيرين حصلوا على نوبل وهم لا يتوقعون تكريماً من صحيفة أو دار نشر محلية.. حدث هذا مع حائز نوبل هذا العام المسرحي البريطاني الثائر هارولد بينتر وقبله مع البورنوغرافية السيكوباتية النمساوية ألفريدا يلينيك فقد كان وقع المفاجأة عليهما أكبر من التصور، وهناك مبدعون يلحقون العار بالجائزة، إذ يرفضونها كما فعل صنع الله إبراهيم حين رفض جائزة الإبداع الروائي العربي من على مسرحها معلناً بشكل دراماتيكي إدانته للحكومة التي تمنحها ولإسرائيل وعدوانها والولايات المتحدة وسياساتها، ما أوقع وزير الثقافة وأمين المجلس الأعلى للثقافة وأعضاء لجنة التحكيم في حرج بالغ، وكان صنع الله ماكراً إذ خسر ما يقارب عشرين ألف دولار لكنه أذاع موقفاً يكلف أكثر من ذلك عادة.
يقفز الفائز العربي الذي يقبل جائزة بعد صنع الله في بركة ماء لا يعرف عمقها ولا برودة مائها ولا عدد أسماك القرش والتماسيح النقدية التي ستقرض عظامه إن هو لم يعتذر عن خطيئته في قبولها، وفي جو عربي مشحون بالتخوين وتهم التآمر والعمالة والتمويلات الخارجية والقبض ومزايدات الولاء والتكسب يصبح من الصعب منح جائزة أو الرضا بها، صارت الجوائز تهمة على حائزها أن يفكر ألف مرة قبل قبولها، وفي هذه الأجواء جاء رفض الروائية المصرية رضوى عاشور لتكريم (منظمة نساء المستقبل) التي رشحت خمس مبدعات عربيات لجائزة المنظمة تشجيعاً لهن، ويتمثل التكريم في إصدار كتاب يضم مختارات من أعمال كل كاتبة بأكثر من خمس عشرة لغة، بالإضافة إلى حفل تكريمي في مقر المنظمة بنيويورك بعد عام واحد أي في ديسمبر 2006م، وتبعت رضوى بعد ذلك جمانة حداد التي حرصت على التأكيد أن موقفها يجيء متابعة لما بدأته رضوى عاشور وقالت جمانة: (بما أن قدرنا في هذه المرحلة الدقيقة التي تجتازها مجتمعاتنا العربية هو التوجس والمراجعة فأنا أضم صوتي إلى صوت رضوى عاشور..)، بإيجاز شديد هذه المنظمة (نساء المستقبل) اتصلت بالفائزات إلكترونياً فقط، ثم بثت البيان لوسائل الإعلام ولا مزيد من التفاصيل عن نشاطات المنظمة ومكاتبها وأهدافها، بل إن موقعها على الإنترنت مغلق وموظفة العلاقات ومنسقة المنظمة اكتفتا بنشر العناوين البريدية فقط. يمكن أن تكون هذه المنظمة بأجندة سياسية أو لا تكون؛ فالمهم هو أنها تجيء محملة بالتكريم المجاني في جو ثقافي عربي مشحون ومكهرب، وكان تشكّك رضوى وقلقها في محله وبخاصة أنها أوضحت في بيانها الموزع أنها راسلت المنظمة ولم تحصل على جواب شافٍ وأنها لم تتلق أي إيضاحات عن الجائزة وأهدافها وعن المنظمة ذاتها، وكذا فعلت جمانة حداد في إيضاحها، وتميز البيانان بالخلو من الحشو والكلام الكبير الحجم جداً والمزايدات على بقية الفائزات وتركا الباب موارباً أمام من تريد أن تقبل منهن في ظل عدم توافر معطيات تساعد على وصف الجائزة بما يليق بها، على أن سعدية مفرح وفاطمة المرنيسي وغادة السمان لم يعلنّ موقفاً واضحاً حتى الآن.
أفضل الجوائز وأجمل التكريم هو ذاك الذي ينصرف أولاً إلى النتاج ذاته، فالذي يكرم كاتباً عليه أن يشتري كتابه ويدعوه لمحاضرة حوله أو يمنحه منبراً لإذاعة رؤيته وتوقيع نسخ من كتابه وتبني نتاجه، وأسوأ الجوائز ما سعى إلى احتواء الفائز واستدماجه في فكر ومشروع المانحين الذين لا يفرقون بين القلم والطبل.
وبعيداً عن صائدي الجوائز ومانحيها هناك من تلفظهم الجائزة ولو بعد سنوات كما فعلت العويس الإماراتية مع سعدي يوسف، وهناك أيضاً من يقتات على شتم الجوائز والحاصلين عليها ولجان التحكيم كما يفعل الإسلاموي العروبوي جهاد فاضل في كل كتاباته الموسمية حول نوبل؛ إذ يصر على أن أدونيس فعل الأفاعيل بانتظارها وخطباً لودها، فهو يشتمه قبل إعلان النتائج وبعدها، بل ويأتي في ذلك بالأعاجيب، فبالإضافة إلى قائمة التهم المعتادة أضاف محاولة الرشوة بالفواكه والفستق، حيث يقول: إن أدونيس يذهب إلى السويد محملاً (بالهدايا الشامية إلى كل أساتذة جامعة السويد!) وأنه يظن (أن أصناف الحرير الدمشقي والجوز واللوز والمشمش وبقية الفواكه الشامية المجففة ستنجح في تأليف القلوب الفظة للجنة نوبل)، وبين هذا الرأي الجهادي ورأي حسن حميد في مجلة اتحاد الكتاب العرب أن (العرب مجتمعين ومتفرقين هم سبب تخطي الجائزة لكاتب بحجم أدونيس لأنهم لم يقدموا له شيئاً وكانت نجاحاته وشهرته الأوروبية والعالمية نتاج جهوده الشخصية وموهبته الكبيرة)، يكمن تساؤل؛ إذا كانت الفواكه المجففة واللوز والفستق الحلبي يمكن أن تجدي شيئاً مع الأوروبيين فلماذا لم يحمل الفنان الكردي هسام هسام معه إلى القاضي ميليس ولجنته شيئاً منها فيريح لجنة التحقيق السورية ويستريح مندوبو الدول الدائمة في مجلس الأمن؟


hujailan@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved