الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th December,2005 العدد : 134

الأثنين 17 ,ذو القعدة 1426

من المسؤول عن تشويه الصورة؟!
أمل زاهد
تكاد تُختزل صورة المرأة اللبنانية في الوعي الجمعي العربي بغنج نانسي عجرم وصفاقة هيفاء وهبي وبحسن ودلال باسكال مشعلاني وباقي الجوقة التي تتبارى الفضائيات في عرض محاسنهن ومفاتنهن، وفرض صورة معينة وتأطير شكل محدد للمرأة اللبنانية يرفض عقلنا أن يتجاوز حدودها بعد أن ترسخت معالمها وتجذرت فيه بينما تتوارى صورة المرأة اللبنانية المثقفة والموجوعة بالهم العربي والواعية بما يدور حولها، أو حتى صورة النموذج النمطي التقليدي للزوجة والأم اللبنانية المكافحة والمطحونة اقتصادياً في بلد يعاني الأمرين من غلاء المعيشة وندرة فرص العمل.
وقد أتيح لي أن أتعرف عن قرب على نماذج رائعة للمرأة اللبنانية لا تمت بقليل أو كثير لما تحاول الفضائيات نمذجته لهن، وخبرت بنفسي معاناتهن القاسية في حياة مفعمة بالنصب والتعب، فالسيدة الجبلية على سبيل المثال تقضي جل وقتها في نهاية الصيف في الاستعداد لقسوة وقحط فصل الشتاء الذي تشح فيه الموارد الاقتصادية في بلد يعتمد جوهرياً على السياحة كما تنضب أيضاً الخضروات والفواكه بسبب شدة البرد، فتصرف أولئك السيدات جهودهن في توفير ما يمكن توفيره من النقود وفي تخزين وحفظ وتجميد وتجفيف فواكه وخضروات الصيف حتى يمكن الاستفادة منها في الشتاء.
معاناة المرأة في إثبات ذاتها في بلد لايزال يعاني من ذكورية مبطنة تتدثر بأقنعة من الحرية الزائفة - رغم الصورة المغايرة الظاهرة على السطح والمتشدقة بقيم المساواة بين الجنسين - لا تزال أيضاً بعيدة عن الساحة مما يدفعك للاعتقاد أن الشيء الوحيد الذي يختلف عند المرأة اللبنانية مقارنة بنظيراتها العربيات الأخريات هو حرية ارتداء ما يحلو لها مع إنجاز هنا أو هناك لا يقدم أو يؤخر من حقيقة مكانة المرأة الاجتماعية، فلا زالت المرأة في معظم المجتمعات العربية ترزح تحت ثقل ثقافة ذكورية ونظرة دونية تحصرها فقط في زنزانة الأنوثة ذات القضبان الناعمة والمفتئتة دوماً على إنسانيتها!!
وفي حوار يقطر مرارة جمعني مع إحدى صديقاتي إبان زيارتي لذلك البلد الجميل الأسبوع الماضي وكان محوره هموم وشجون المرأة العربية وسيطر على جوانبه الحديث عن الخلل المريع في علاقة المرأة بالرجل في مجتمعاتنا العربية، وعن افتقار تلك العلاقة لشروط ضرورية حتى تتمكن من الوصول إلى مرفأ السلامة، مثل الصداقة والندية والمشاركة ناهيك عن بعدها عن أن تكون علاقة سوية فهي تتأرجح دائماً بين قطبي السيطرة وهما- الرجل والمرأة - إما مسيطِر أو مسيطَر عليه.
قالت صديقتي اللبنانية: إن أقل ما يمكن أن تتعرض له المرأة الناجحة والقادرة على إثبات ذاتها هو عقاب من نوع خاص يتواءم مع إنجازاتها!! وذلك بأن يلقي عليها الرجل شباك المسؤولية الاقتصادية كاملة دون أية مشاركة منه في تحمل نفقات أسرة يفترض أنهما الاثنان يشتركان في تكوينها والقيام عليها فيترك لها الجمل بما حمل كما يقولون، وكأنما يقول لها ألم تطلبي العمل والاستقلالية وتحقيق الذات فهاكِ ما طلبت وسأرفع يديّ عن مسؤولية الإنفاق!! مما أعاد ذاكرتي لجلسة (فضفضة) نسائية حضرتها هنا في السعودية..
انفتحت فيها فوهة الغضب المكبوت وبدأت الحاضرات اللواتي كان معظمهن من المعلمات يشكين من أن معظم الراتب يذهب في الإنفاق على الأسرة أو يذهب رأساً إلى جيب الزوج دون أن تجرؤ الزوجة على أن تفتح فمها ببنت شفة!!
صورة اللبنانية التي يقض مضجعها هم الوطن وما يمر به من خطوب جلل والتي خرجت تنافح عن حق وطنها في الاستقلال والسيادة ورابطت مع رفيقها الرجل في ساحة الشهداء كي تغير مسار التاريخ أيضاً تتوارى لحساب عجرمية نانسي وهيافة هيفاء ورشاقة قد هذه وتلك من نجمات الفضائيات.
حتى صوت فيروز الشامخ انسل بعيداً كأنما هو يربأ بنفسه على أن يكون أحد قسمات الصورة الجديدة، فلم يعد أول ما تسمعه عندما تطأ قدماك أرض لبنان بل إن نادل المطعم أو المقهى قد يرفع حاجبيه استغراباً عندما تطلب منه أن يرحم طبلة أذنك من التلوث الضوضائي ويضع شيئاً لفيروز وكأنه يقول لك: وهل عاد الزمن زمن فيروز؟! (يسقى الله أيام فيروز)؟! ولا تدري وقتها من تلوم؟ ومن يحمل وزر تشوه الصورة؟ هل هو خضوع اللبناني وامتثاله لشروط العصر ولخشخشة النقود وسعيه الدؤوب لإصلاح أوضاعه الاقتصادية بأية طريقة أو كيفية، أم المستثمر والسائح الخليجي الذي يريد رؤية جزء واحد فقط من الصورة وهي تلك الممنوعة عليه في ربوع داره فما أن ينفلت من القيود التي تلجمه حتى يسعى لممارسة كل ما هو ممنوع ومحظور؟! وهل هذا الخلل مرتبط بالمازوشية التي أضحت ملمحاً واضحاً من ملامح الشخصية العربية في الآونة الأخيرة، فغدى الانتقام من الذات وتعذيبها وتشويه صورتها في الخارج وعدم الالتفات إلى ما يحقق لها النفع هو ديدننا الذي نسير عليه ونمشي بمحاذاته!!
ولك أن تتحدث ولا حرج في لبنان عن عمليات النفخ والشفط والشد والتكبير والتقصير والتطويل وعن إجراءات التجميل وتحسين الصورة التي صارت إحدى الملحقات والمكملات لصورة لبنان كبلد يشد إليه الرحال لتصغير منخر أو زرع شعر أو للبحث عن الصورة المثالية الخالية من العيوب والنقية من الشوائب التي تقولب النساء بصفة خاصة وتجعل منهن نسخاً كربونية يشابه بعضها بعضاً.
فيتم الإجهاز على صورة لبنان الحضاري الذي يرمز للقلب النابض بالحرية والمزدهر بالثقافة في عالمنا العربي، والثري بتعدده الفكري وزخمه المعرفي فقد كان ذلك البلد الصغير قبل الحرب الأهلية قبلة ثقافية ترنو إليها العقول وقد قيل في الأيام الخوالي: لبنان ينشر ومصر تؤلف والعراق يقرأ.
ورغم أن لبنان لا يزال ذلك البلد الذي يرتحل إليه العرب ليتنفسوا بضع نفحات من الحرية وليحصلوا على الكتب الممنوعة في بلادهم وينشروا ما احتبس في صدورهم من كلمات، وما اختننق في حناجرهم من صرخات فإن الصورة التي تتكرر علينا في الفضائيات هي ذات الصورة المشروخة.
وعندما ترجع من لبنان وأنت تحمل حمولتك الثمينة من الكتب والمخبأة بين طيات ملابسك خوفاً من المصادرة في المطار فلا بد أن تبسمل وتتمتم بالدعوات في سرك أملاً في أن يمررك موظف الجمارك دون معاناة ومساءلة رغم الانفتاح الرقمي والفضائي المحيط بنا من كل جانب الذي يجعل من خنق الكلمات ومصادرة الأفكار أحد المستحيلات في وقتنا الحالي!!


Amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved