الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th December,2005 العدد : 134

الأثنين 17 ,ذو القعدة 1426

النظرية العربية عند النقاد القدامى من منظور حديث
نظرية ابن طباطبا ( 4 )
*د. سلطان سعد القحطاني
وقفنا في الحلقة الماضية عند مقولة أحمد شوقي، عن البيان، ومدى تأثيره على المتلقي، حيث يقول:
ِ(شاعر سار شعره، وموسيقار أبكى وتره، ومثال أنطق حجره، ورسام خلدت ألوانه أثره) ونستنتج من هذا القول، أن الخلود الفني إبداع مؤثر في النفس، ويقول الدكتور عبدالعلي الجسماني: (يقترن الإبداع بالسباق النفسي والفطري والاجتماعي والحضاري والثقافي للإنسان المبدع) هذه حقيقة عالجها ابن طباطبا قبل ظهور علم النفس، ولا بد أنه استمدها من تكوينه الإبداعي، وذوقه العربي الخالص. وقد أخذ بعض النقاد في العصر الحديث الجانب النفسي للمتلقي عمدة في دراساتهم النقدية من خلال التراث العربي، وما ذلك إلا بما تأثروا به من أصول الدراسات النفسية التي دخلت كل المجالات الفنية، بما فيها العملية النقدية يقول حمد السويلم: (فكان على الأديب أن يتفهم الطبيعة الأساسية للجمهور، وأن يوجه خطابه إلى مَنْ ينصتون إليه بأسلوب يستطيعون فهمه..) والنقاد القدامى لم يهملوا الجانب النفسي بالرغم من ميل أكثرهم إلى الجانب العقلي، والقياس على موازين الشعراء الجاهليين، وإنصاف المحدثين من المتأخرين منهم، فهو أقرب لفهم أسلوب المحدثين من غيره.
والثانية: اللفظ والمعنى فقد شغلت قضية اللفظ والمعنى النقاد والدارسين منذ القدم، وتعصب قوم للمعنى، وآخرون للفظ، وانبثق عن ذلك قضية أخرى متناصة مع القضية الأولى، وهي الغموض والمكاشفة، ومال البعض للغموض، ووقف الآخرون على مسار تصحيحي لمسألة الغموض من خلال الدلالة اللغوية والسياق الأسلوبي، ومن هؤلاء عبد القاهر الجرجاني (ت463-1071) حيث يقول: (واعلم أن ما اتفق العقلاء عليه أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني ضاعف قواها في تحريك النفوس لها ودعا القلوب إليها واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفاً) وقد اتفق رأيه هذا مع الطرف الثاني من نظرية ابن طباطبا حول التطبيق وكثرة الأمثلة, ويعلق الدكتور عبده قلقيلة على قول عبد القاهر عندما أورد قول البحتري:
دان على أيدي العفاة وشاسع عن كل ند في الندى وضريب
كالبدر أفرط في العلو وضوؤه للعصبة السارين جد قريب
ثم يعول في تذوق النصوص الأدبية على ما كان يعول عليه القاضي الجرجاني، وهو ما دعوناه (نظرية التأثرية) وهذا ما انطبق تماماً على نظرية ابن طباطبا في موضوع التذوق الأدبي، وما يعتريه من تأثر الحواس بالنص، وتهتز له طرباً أو حزناً، وقد حصرها الدارسون في ثلاثة أركان أساسية: (اعتدال الوزن، وصواب المعنى، وحسن اللفظ) وإذا كان ابن طباطبا قد طبقها على الشعر في زمانه، فإننا نستطيع في زماننا هذا أن نطبقها على الفنون النثرية الحديثة، بصرف النظر عن ركن من أركان النظرية (الوزن العروضي) لكننا نؤكد على الوزن اللغوي، والمقصود به سلاسة اللغة ووضوحها بدون تقعر ولا تكلف (الأسلوب) ولعل اقرب من جاء بعد ابن طباطبا لتوضيح الفكرة عبد القاهر الجرجاني، في عبارة (الفكر) ومفاده أن اللفظ إذا لم يتفق مع المعنى فلا فكرة من النص، وهذا يتعلق بنظام العلاقات النحوية، فيقول: (وهذا النظم الذي يتواصفه البلغاء، وتتفاضل مراتب البلاغة من أجله صنعة يستعان عليها بالفكرة) فهي عند عبد القاهر في نظريته التي اقتبس بعض أفكارها من ابن طباطبا في عملية النظم تتركز على العقل الذي يلتبس بالمعنى، والمعنى يستدعي الألفاظ، وهذا الرأي قد اتفق إلى حد ما مع نظرية ابن جني، في كتابه الخصائص، الذي أشرنا إليه في قضية الإبداع النقدي عند ابن طباطبا، ونختم هذا الموضوع بقول للجرجاني نفسه: (إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك، لم تحتج إلى أن تستأنف فكراً في ترتيب الألفاظ بل تجدها تترتب لك بحكم أنها خدم للمعاني وتابعة لها ولاحقة بها، وإن العلم بمواقع المعاني في النفس علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق) وهذا ما ذكره ابن طباطبا عندما تحدث عن الملاءمة بين الألفاظ والمعاني وحسن التركيب واعتدال الأجزاء وتهذيب القصيد وتنقيحها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved