الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 19th December,2005 العدد : 134

الأثنين 17 ,ذو القعدة 1426

محمد الهويمل في ديوانه الجديد:
(إذا هزها وجع مريمي) قصائد تنهل من دفء البوح
عبدالحفيظ الشمري
علاقة الشاعر بالكلام علاقة وثيقة جداً، وعلاقة القصيدة بالفلسفة متأصل بشكل واضح.. في وقت يظل فيه المتلقي هو صاحب النفوذ على عنصري الإبداع حيث تكتسب القصيدة مشروعيتها من متعة تحققها لدى القارئ، وليأخذ الشاعر دوره في الحياة حينما يكون النص شعاراً واعياً يراهن به على نجاحه.
العلاقة الثالوثية بشعاراتها الشكلية، وبمضامينها العميقة جاءت بشكل قوي في ثنايا ديوان الشاعر محمد الهويمل (إذا هزها وجع مريمي) لتصبح هذه الأضلاع الثلاثة للبوح متساوية في رسمها الشعري ليحقق الشاعر مبتغاه في اللامرئي.
فاتحة الديوان قصيدة (شيخوخة الماء) تظهر ولع الشاعر في البوح الدافئ، فحينما يتلوى بيان اليقين نحو الأنثى التي استمطرته شعراً، فسكب لها من مزون الكلمات ما يكفي للارتواء.
علاقته فلسفية تستبطن في ثناياها وعد يبشر بقدوم ما يهيم الشاعر فيه، وتستظهر مقولاته لغة دافئة تؤسس لعلاقة ممكنة بين الإنسان وضده الذي ينجذب إليه.
تسير قصائد الديوان بعد الفاتحة الشعرية على هذا النسق العابق بمودة البوح حينما لا يجد الشاعر أمامه إلا الكلام ولا شيء سواه:
هناك
رأيتك
رغم ازدحام الكلام
حضنتك نعشاً وقبراً
الديوان ص 14
لكن هذا الكلام لا يأتي مجرداً.. إنما هو إضمامة من جماليات البوح اللاعج.. ذلك الذي يصوغ مفردة التميز في نص ترعاه ملكة الوعي، وتطعمه متعة البوح الفاتن.
يفتتن الشاعر الهويمل في بناء القصيدة الوجدانية التي تعتمد على فيض من لغة عالية التكوين حيث يستشعر القارئ قدرة القصيدة على تكوين دلالات، وتفاعلات تذهب بالنص إلى أبعاد جمالية، وفلسفية يحتاجها القارئ.
لقد شغل الشاعر في توظيف أصوات تعبيرية تسترد من التاريخ طرفاً، وحكايات ومواقف تتأسطر، ليصبح النص الشعري مكتظاً بصور عديدة، ومحملاً على هاجس اللغة التي تبحث في الوجدان العربي عن ألف غائب يحتاج الى استدعاء كلما بان في الأفق عجز الشعر عن بوح الممكن.
ثراء الفكرة في النص الشعري لدى الهويمل يكمن في جمعه للمتناقضات التي توحد بينها لغة البيان، في تصوير ينغمس في استدعاء الخطاب الماضوي.. حيث يقبع التاريخ على رف قصي هناك لا يمكن استرداده إلا بحذق بائن من شاعر مفعم بقدرة البوح الذي لا يأتي إلا بما هو خارج من نفق المكرور والمقلد.
قصيدة (عاشق أموي) عمقت فكرة النص النموذج حيث تعتلج في سياق البناء ثلاثية التكوين تلك التي تمثلت في شاعر يسعى إلى صياغة الوعي، وقصيدة تثري خطاب اللغة الجمالية، وقارئ يقطف ثمار القصيدة ليخلد معناها وأثرها في ذاكرة الذائقة.
جل قصائد الديوان تسير في اتجاه واضح لا يخرج عن مفهوم الوحدة العضوية، لنراه وقد كرس مفهوم النموذج بأسلوب رصين وبلغة تعكس حالة الوعي لدى الشاعر (الهويمل) الذي وظفها بشكل جميل.. فلم يأت النص منفصلاً عن سياقه الاسترجاعي، في وقت حافظ فيه على حداثته، واستشرافه للطاقة الوجدانية الكامنة.
فالنموذج العام للقصائد هو دهشة الشاعر بتلك الحقب الزمانية الفاتنة، وتلك الذكرى القوية والمؤثرة، فلا تخلو أي قصيدة من قصائد الديوان من ذكر بلاد عربية.. وحضارة إسلامية ومن استعراض معركة مظفرة للفاتحين الأفذاذ، إلا أن هذا التناول لم يكن مبتذلاً أو سطحياً إنما جاء متقاطعاً مع تجربة إنسانية يعيشها الشاعر الهويمل لتواؤم الصور المعبرة فيسقط من سيرة الماضي ضياء المخبر على الواقع اللائذ في تضاعيف شجنه المضني، وغيابه الفاجع، لنرى الشاعر وقد أوعز إلى القريحة أن تهب الشعور لذة الأمان ونشوة الحب الذي لا يوصف.. تلك التي نراها على نحو ذائع في قصيدة (وصايا حكيم الزمان) حينما يشير الشاعر وبإرهاف كامل:
تنزف اسمي لغز حليب
وسكّرةً في عصير النهار
وساندرا تبسم
تفتح صندوق أم الحكايا
وتفشي حكايا حكيم الزمان
(الديوان ص 44)
يتضح للقارئ أن قصائد هذا الديوان تتميز في نسقها الإيحائي الذي يزاوج بين مفهومي الشكل الذي رسمه بدقة، والمضمون الذي تعب الشاعر على الغوص فيه حتى أصبحت كل قصيدة محققة لشرطية النجاح والتميز.. فكان (الهويمل) أهلا لأن يبرع في تقديم هذه الإضمامة الشعرية المميزة.
*****
إشارة:
* إذا هزها وجع مريمي. (شعر)
* محمد عبدالله الهويمل
* دار شرقيات - القاهرة - 2005م
* يقع الديوان في نحو (62 صفحة) من القطع المتوسط
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved