الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 20th February,2006 العدد : 141

الأثنين 21 ,محرم 1427

عبدالله العسيلان
في النادي الرديف
نايف فلاح

هناك، أي في المدينة المنورة، ثمة مجلس ذو طابع أدبي ينفصل في شروط إنشائه وعناصر تكوينه عن باقي المجالس أوالصوالين التي تحمل الطابع ذاته.. وبما هو مجلس منفصل عما سواه لايعني، في حال، تميزه أوتفرده أونبوغه إنما تأتّى هذا الوصف من كونه مجلساً مظروفاً، فنحن إذا ما طرقناه من ناحية الزمان سنعرف أن المجلس لا يلتئم في، الأغلب الأعم، إلا تلو أمسية من أماسي نادي المدينة الأدبي، فإنه من النادي كاللازم من الشيء، وأما إذا ما جئناه من ناحية المكان فليس ثمة مقر، فمن (حوش) إلى (مقهى) إلى (استراحة) إلى (دار).. فالمكان على الدوام متحرك والمكين مقيم من غير تحريك. ويتفق لبعض الأدباء، الأولى تجمعهم بالنادي رابطة ولبعض الأدباء الأولى تجمعهم بالأدب رابطة، غشيانه والاختلاف إليه. حتى لقد طاب لأحدهم أن يسمي هذا المجلس ب (الأدبي الرديف) أو(النادي الرديف) حيث فيه ملعب لصنوف الكلام، وندحة لضروب الفكاهة.. فالأدباء، بطبعهم، مهرجون، لولا تلك التعليقات اللذيذة والعميقة التي تضعهم في مصاف العقلاء.. وتلك التعليقات، إن فاتها شيء من التركيز، فحسبها أنها ألصق بقائلها من لصوق الكتاب بكاتبه، وحسبك إذا كانت مستلة من حوادث الحياة العامة.. وعن الفكاهة عندهم فإنها لاتعدو الإطلالات العفوية على الحياة والناس، ولكن بعين ساخرة وقلب دافئ.
وقد يأتون بالنادرة المتواطئة المدروسة على من شاؤوا، يمضغونه بها، ولعلهم يمسُّون كل من انزلق الحديث إليه، مساً رفيقاً أومساً غليظاً.. فإنهم في هذا، كما يظنون، غير ملومين لأن مهارتهم، في طمس آثارهم وتصريف أقوالهم، قد وسوست لهم باتخاذ مبدأ (تكسير الكلام) وهو مبدأ جليب (الحارة)، باباً يتمسحون به فيخفي فضلاتهم لا يقفوها أحد، ويعدونه من تقليب آخر باباً يندرج تحت اللغو واللمم، أوالكلام غير المسؤول، وهم بهذه الحيلة يضمُنون ما يشبه الأسف الاستباقي أوالاحتراس عن واش محتمل، وإذا هم، لكل ما ذكرت أو لبعضه، يوفرون محالاّ يحيلون إليها كل منظوراتهم الهازلة أو الجادة، كي يموقعوا أنفسهم في تخارج تام مع كل ما قيل، رفعا للحرج وسداً للذرائع.. ومن غير هذا وذاك فملكة الأدب فيهم ناهضة عنهم بما يعوزونه من دفوع وحجج.. (فليس يعي الديب). إن هذه الجلسات أو قل هذه الأسمار، فيها ما في المجالس من خضوع لدوافع البغض والمحبة، واستجاباتٍ لسمر السمار وسعي الوشاة، فليست تخلو من صور الطرافة أو الرتابة، ومن أخلاق المهادنة أوالمخاشنة، غير أن الحوارات إلا بعضها جديرة بالملاحقة ضبطا وتقييدا فلربما أصاب منها باحث أدباً رطباً ما طالت المساحيق بكارته.. فهذه الآراء الأولية بمثابة الهيولي من الأشياء اندلقت من خواطرهم دون أن يتعهدها العقل بالنظر والتمحيص.. وفي ليلة من تلك الأماسي ماج المجلس واصطخب، شاغباً على الدكتور عبدالله العسيلان رئيس النادي الأدبي، ولم تبطئ الحرقة فيه حتى ظهرت ومن ثم أخذته طغوى الجدل إلى إلقاء الضيم على الحقائق.. ونخبة الحدث: هو أن اللجنة الثقافية في النادي كانت قد أعلنت، بمباركة العسيلان، عن أمسية تدرس الموسيقى بحضرة ثلة من فناني المدينة مع ملحقاتهم الحتمية، كالإيقاعات والآلات الوترية..
ولما بدا للدكتور العسيلان أن هذه الأمسية قد تفضي إلى شغبٍ من المتربصين يهون أمامه شغب المحبين المتحمسين، لما بدا له ذلك ازورّ عن قراره وعدل مبدياً اعتذاره عن مباركة الأمسية. وكان له في ما أجرى معطياته ومبرراته التي يعتمدها الواقع رغم حركته، وكذلك له تراجيحه التي يؤيدها التكتيك السليم لكل من أراد البذل والتطوير، ولعله لم يفسر رفضه هذا ولكن الحالة توحي بشيء من هذا القبيل.. وعلى أثر هذا البداء انعقد المجلس (النادي الرديف)، فكانت ليلة طافحة باللوم والتجرُم والعتاب وكل ما يجري من الألفاظ في هذا المجرى، بيد أن التأدب ينحلها وقعاً وسياقاً يجعل فيها شبهة الحق... فترقبوا من أحد جلسائهم شارات المظاهرة والموافقة، والمجلس لحظتئذٍ إلا بعضه مرجحن بما يقال، ولهم أن ينتظروا من صاحبهم ذلك، فهم يعلمون أنه المنشط المفترض لتلك الأمسية بل وربما المعدُ لها، درجة أنه عرض بين أيديهم الإطار الذي في مجاله سوف يكون التقديم والذي لبث يدور حول الدكتور العسيلان؛ إكباراً لعنايته وإعزازاً لعنائه في رفع الحالة الأدبية والثقافية في النادي..
فانتظروا منه حماساً سالباً يوازي ذلك الحماس الموجب الذي استغرقته ورقة التقديم، والذي يتطابق الجميع عليه، ولكنه لم يتابعهم في مذهبهم وإن كان دائما تابعاً لهم، ثم إنه ناقم بطبعه على موجات التحديث المستعجلة والتي تفقد التأصيل.. يقيناً منه أن الحركات الانقلابية في أي جانب من جوانب الحياة لا تؤدي إلا إلى مزيد من الأخطاء والأخطار.. مخالفاً في خطاه مشي الأدباء بجوهرهم الحالم أو إن شئت فقل الكمالي الذي يتسخط الثابت ويتبرم به ويرى فيه أصل الشر ورأس البلاء ويود لو يديل منه، ويخلق من الثبات مريجاً لا يهدأ.. لذلك ظل صاحبهم يؤمن بأنه من الضلال الخالد تصور تجديد يحدث بغتة ولهذا أجابهم بغير المنتظر وسجل عندهم إشادته بكياسة الدكتور بعد أن كان سجل عندهم كذلك إشادته بجدارته.. فانقاد الحوار من غير تدبير وتركز بشخصية العسيلان ثم إنه امتد إلى بداية وفادته للنادي وكيف كان وفوداً كريماً غير متحيّز، جرؤ على ما خشيه الكثير من الأدباء، وكيف أنه فسح المجال للشبان يتحركون بحرية لم تتهيأ لهم إلا في عهده.. وتعددت الكيفيات حتى ذهبت الفورة وتحاكموا جميعاً إلى العقل وأبقوا على رأيهم القديم المادح للدكتور العسيلان ورغبوا إلى صاحبهم أن ينشر لو شيئاً من تلك المقدمة فاستكن لرغبتهم، واختاروا له من تلك الورقة هذي السطور. كلنا يعلم أن الحركة الثقافية تحاول نحو التحول.. هذا التحول الذي لو يجاوز بعد المظاهر والأشكال.. وإنني لأزعم شخصياً أن نادي المدينة في زمن العسيلان شرع في عملية التحول عبر إطاره وطاقته، وإن ما يحدث اليوم ليس فقط تجاوباً لهذه التحولات بمعنى أنه لم يستجب لدعاوى خارجية إنما كانت حركته ذاتية داخلية قبل أن تهب رياح التغيير والأدق قبل أن تهب رياح الرغبة في التغيير.. وأقول - وهو رأي أملته علي المعاينة والمشاهدة كما دعمه النقل والتسامع -: (إن النادي في عهد العسيلان قد تحرك راكده وواصل متحركه..)!


Nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved