الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 20th February,2006 العدد : 141

الأثنين 21 ,محرم 1427

النظرية العربية عند النقاد القدامى من منظور حديث
النظرية العربية من منظور حديث (11)
د. سلطان سعد القحطاني

لعلنا في هذه المحاولات التي نستعيد بها قراءة التراث العربي في موضوع واحد من مواضيعه المتعددة (النقد) مستفيدين من معطيات العلوم الحديثة التي ظهرت بعد ظهور تلك النظريات العربية المبكرة - مثل ظهور علم النفس والنظريات الغربية التي تلت في ظهورها ظروف الحربين العالميتين، والتغيرات التي ولدتها الظروف العالمية، الاقتصادية والفكرية والعلمية، وظهور مذاهب جديدة في النقد الأدبي بعدما تغير النمط الإبداعي التقليدي، مع المحافظة على الثقافة الخاصة لكل قطر من أقطار القارات الأوروبية والأمريكية على وجه الخصوص، ولا يغيب عن الأذهان أن الأديب - الفنان، (وهذه كلمة واسعة الدلالة تشمل كل من أبدع في فن من الفنون) ابن البيئة التي يعيشها، وواجب النقد أن يأخذ في الاعتبار معطيات هذه البيئة، والحقب التاريخية التي ظهر فيها العمل، فقد يكون المبدع مع هذا الاتجاه أو ضده في العالم الذي يعيش فيه، وقد يهادن هذا الواقع، ويعبر عن وضعه برموز واستعارات وكنايات يتجنب من خلالها الإحراج والمساءلة، ويرى الدكتور سامي الدروبي أن الأثر الأدبي، من حيث هو إيديولوجي Ideology، ينتمي إلى البنية الفوقية الفكرية، ويجب أن يدرس في علاقاته الديالكتية Dialectics، بالبنية التحتية، ويكفينا مثل واحد من الأدب العالمي، وصاحبه (تشارلس ديكنز)Charles Dickens الذي عانى سجن والده ومسئوليته عن إخوته؛ لذلك اضطر إلى العمل في مصنع للصباغة ليعيل الأسرة، وقد صور هذين العاملين النفسيين (سلوك والده وعمله في المصبغة) في أغلب أعماله الروائية، ومن أشهرها روايته (الأوقات الصعبة) Hard times وقد حدد من خلال هذين العاملين اتجاه خياله الفني.
إن تحديد اتجاه الأديب ودراسته من خلال أدبه وتحليل نصوصه تعطي الناقد تصوراً عن الزمان والمكان اللذين يعيشهما، وباختصار (الأدب مرآة عصره).
ويعبر (كارلون ويفلو) عن ذلك بقوله: (فلا التحليل الذاتي الذي يبالغ في بيان صفة الأصالة لدى مفكر، ولا التحليل الاجتماعي الذي يدرس الأثر الأدبي على مستوى بيئة اجتماعية نتصورها متجانسة غير متميزة، ولا هذا التحليل ولا ذاك مناسب وصادق، وإنما ينبغي أن نضع الأديب وآثاره في بيئة يجعلها صراع الطبقات متميزة غير متجانسبة) ونحن نعرف أن تلك النظريات العربية المبكرة قد ظهرت في طبقات متميزة غير متجانسة، وأن لكل نظرية رد فعل جعل مؤلفها يجتهد في آرائه للرد على خصومه، وقد أشرنا إلى ذلك في بداية البحث، ونحن اليوم نعيش هذا المشهد الثقافي في طبقات غير متجانسة، ما بين مقلد للنظرية الغربية، وبين متحجر مقلد للثقافة العربية يقرؤها من منظور جامد. وبما أننا ندرس التراث العربي النقدي، فإننا سنقف عند أشهر نقطتين وقف عندهما الناقدان: ابن طباطبا العلوي، معللا آراءه بالذوق، وقدامة بن جعفر في موقفه العلمي، معللا آراءه بالمنطق، وهو يقف عند قول أرسطو: (لا علم إلا بالكليات). ويتبادر إلى الذهن القول المعروف: (للإنسان من معرفة الأشياء والحوادث ونفسه موقفان: موقف يمكن أن يسمى بالموقف العملي، وموقف يمكن أن يسمى بالموقف الفني. أما الموقف العملي فغايته المعرفة في سبيل العمل، وأما الموقف الفني فغايته معرفة الشيء لذاته، لا لغاية أخرى خارجة عنه) ونحن في دراستنا لإعادة قراءة التراث الأدبي في رؤية جديدة، يجب علينا أن ننطلق من الموقفين في تحليل هذا التراث والاستفادة من معطيات العلم الحديث، من مصادره العلمية والفنية، ونطبق ما يمكن تطبيقه على أدبنا العربي في جذوره الحقيقية، وأن نمحص النظرية الغربية قبل تطبيقها، ونمزجها بالنظرية العربية ما أمكن، في تجربة تظهر لنا مدى قابليتها للمناقشة والتطبيق.
***
الخلاصة
تعرفنا في هذا البحث على ناقدين من أشهر نقاد العربية القدامى، في عصرها المبكر، وقد كان لكل منهما في مجال الدراسات النقدية رأي ومنهج، وكان لهما تأثير في مسيرة النقد الأدبي العربي نحو التكامل والوضوح والموضوعية، فالأول (ابن طباطبا) وكان منهجه الوضوح، وقد بنى نظريته على الثقافة العربية الخالصة، ومعرفة أحوال العرب والظروف التي قيلت فيها القصيدة، وقد اعتمد في نظريته على التطبيق الفعلي والشواهد، من البيئة العربية، وما فيها من الصفاء والبعد النظري، مما يمنح الشاعر خيالاً خصباً لا حدود له، ونود أن نلخص نظريته في النقاط التالية:
1 - اتفق الكثير من الدارسين معه، مما يدل على بقاء روح نظريته في التراث العربي حية نابضة، قابلة للتحليل والتجديد.
2 - استطاع بما أوتي من ثقافة حديثة ومعرفة تامة بالتراث العربي أن يوازن بين القديم والجديد بموضوعية علمية، وقد أنصف المحدثين من القدامى الذين لم يعترف النقد آنذاك إلا بنصوصهم فقط.
3 - وضع لعدد من بنود نظريته عدداً من التوصيات.
4 - وضع للنص الأدبي معادلات لا يكتمل إلا بها.
5 - ما تزال نظريته محل نظر في تفكيك النص.
6 - تأثر بالنقاد الذين سبقوه وأثر فيمن بعده.
أما قدامة بن جعفر، فيميل إلى النقد العلمي العقلي، بسبب تأثره بالثقافة اليونانية، وينظر للشعر من الجانب الأخلاقي، وبالرغم من ذلك فإنه يستبعد المقياس الأخلاقي من جمال القصيدة، ويمكن أن نختصر نظريته في النقاط التالية:
1 - يستبعد المقياس الأخلاقي في الحكم على الشعر، فيما يميز جيده من رديئة، فلم يستبعد الشعر الفاحش.
2 - عدم اهتمامه بما يعتقده الشاعر، وكأنه يقول: هذا من شأن الشاعر.
3 - عدم الإصرار على أن يكون الشاعر صادقاً أو كاذباً.
4 - لا يرى بأساً في المبالغة في الشعر، خاصة في الوصف والمدح والذم.
5 - يحترم حرية الشاعر في المدح والذم، وأن ذلك من حكم الظروف الخاصة وقد حاولت في هذا البحث أن أقارب بين النظرية العربية الخالصة والنظرية العربية المتأثرة بالثقافة اليونانية في عصرها، ثم الامتداد الأفقي للثقافة اليونانية في الثقافة الغربية الحديثة، وأن نأخذ بروح النظرية الغربية دون التعلق بنتائجها. إن غايتنا من الدراسات الحديثة وإعادة قراءة التراث النقدي غاية التحديث، لا غاية الطمس والتجاوز، وقد فعل البعض من الباحثين العرب بجد واجتهاد في إعادة قراءة التراث النقدي من خلال رؤى حديثة، منهم: الدكتور عبدالملك مرتاض والدكتور جابر عصفور والدكتور محمد الهادي الطرابلسي والدكتور سعيد السريحي والدكتور عبدالله أبو هيف، وغيرهم ولتكن دافعاً للباحث العربي بعد أن تسلح بالروح الفكرية النقدية الغربية الحديثة، أن يعود إلى التراث العربي ويدرس آثاره في محاولة (أثق أن النجاح سيكون حليفها) في الوصول إلى نظرية متكاملة في تراثنا العربي نابعة من جذوره العريقة، وهي مهمة عسيرة لا يقوم بها باحث بمفرده، بل بتضافر جميع الباحثين العرب من منطلق قومي، لا يعزلنا عن الآخر، بل يقوّي صلتنا به، وبالرغم من صعوبة البحث في هذا التراث العربي العريق، إلا أن هذه مهمة أساسية لوجود الهوية، إذا أردنا فهم مصطلحنا الأدبي والفكر القابع من ورائه والتاريخ الذي حفظه لنا على مدى هذه القرون، ومناقشته على ضوء المستجدات العالمية، وإنني أهيب بكل الباحثين أن يتبنّوا هذه الفكرة، فما أحوجنا إليها اليوم عن ذي قبل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved