الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 20th March,2006 العدد : 145

الأثنين 20 ,صفر 1427

ناصر الحزيمي عريس نفسه

* زياد عبد الكريم السالم :
ناصر الحزيمي طائر أرهقه السفر كثيراً، السفر عبر خريطة غامضة يرعى مساراتها أدلاء ليليون يقومون بتمويه العلامات تحت أكثر من سماء تفتحت ذاكرته، غير أنها ذاكرة تنمو في الظل متآلفة مع الهامش، قدره أن يكون عريس نفسه، راهناً روحه المحقونة بالحنظل، راهناً إياها للعراء المنظور.. هو الذي يتفحص ممكنات كثيرة ويطرح أسئلة لم تمتهن من قبل، مستقصياً بذلك جوهر الأشياء ليفضي بنا إلى اكتشافات مخيفة، هي على الأرجح تباغتنا بجلال المفاجآت.
هذا المجنون المنسجم مع نسيجه الخاص، الذي يقوض نسيج الجماعة، إنه (أبو التراث) لكنه يقرأه بشكل جذري ومن موقع مفارق لموقع أصحاب القراءات الرسمية، ناصر الحزيمي باحث معياري ينتمي إلى أفق مختلف وظيفته الأساسية تحرير المفهومات المغلقة، الرازحة تحت سلطة الأيديولوجيا بكل أبعادها الدوغمائية وهو في مسعاه الإنساني ومن منظور فلسفي يعيد تشكيل هذه المفهومات المكتملة، بإعادة بنائها من جديد، على سبيل المساءلة والشك المنهجي، جاعلاً رهانه الرئيس على أن كل حقيقة، إنما هي حقيقة نسبية، ليس لها رباط وثوقي. ولا مراء أنه متمترس في مساحة واسعة يدافع رغبة غير مطمورة تحت غطاء أخلاقي، لا يتقاعس أبداً عن ملاعبة المدركات البصرية التي تلاعبه هي الأخرى ضمن محيط المحسوسات الذي يليه محيط يهجس لكنه لم يكتشف بعد.
ربما هو درويش آخر، أو سلحفاة فصلت عن صدفتها بفعل الزمن وعوامل التعرية.. كان على مقربة مني يتنكب الضوء قابضاً على جمرة الجنون، رأيته يحبو في بهو الفندق، فانفلتت من عيني دمعة زرقاء تشبه ثوبه الأزرق الوحيد. أفزعني أن أرتطم بنفسي لأن هناك أشخاصاً يشبهونك في بعض التفاصيل ولست بصدد تدبير خطة لاحتضانهم، ولا أنت معني بإيذان علاقة للبدء بالبكاء لكن ثمة مصيراً سريا، التأخر قاعدته، يعين ملعباً للبراعم ناعمة العود، هذا الملعب يحوي مهداً وأرجوحة وصاعقة يتقاسم سياقاتها أطفال لم ينتبهوا أنهم كبروا مبكراً بفعل التكاليف، وها هم يركضون بأثر رجعي علهم يعثرون على طفلها الغفل، ولا ريب أن صديقي هذا سقط سهواً من شجرة في آخر الدهر، شجرة لا ترى، ربما لا يراها سوى بورخس الذي استطاع أن يحدس (كم هو مليء بالعزلة هذا الذهب).
لقد كان الحزيمي متمرداً على الأحكام المتواضع عليها مسبقاً، ذا طاقة خلاقة، ومخيلة متوحشة لم تعطبها المدينة القفص بأعطال العادة ومنطق السوق، مبكراً ينهض للقنص إذا كان بإمكانه مؤانسة أحد ما، شريطة ألا يرمق المكان الشاهد على مشنقة النعناع، المكان الذي استوى حيلة حيلة وقيداً قيداً ومقتلة مقتلة تحت رعاية العسس. مبكراً ينهض ناصر، يتسلل كخلد أعمى لا يتورع عن قصف الوقت، فيما يماطل الموت، ويرشو روحه المريضة بفاكهة آدمية ذات مزاج مشغول بالمانجو، لكن أنى يتأتى له اللهو؟
حسبتك خدين جنة، وكنت على شفا البوح، لكن تنقصني مهارات كثيرة للعبور، إذ انقضى الوقت دون أن تحصي شقراء ناحلة بها رهبة من الخشب توتاً أسود في بر بعيد. وأنت أيها الممعن في الفراديس الصغيرة تريث قليلاً، فالموت فضاء شعري وتحقق أكيد، إنه قرين البياض تتمدد في تخومه المجهولة كهرباء الروح، نحن نكافح الموت بطرائق كثيرة، الرقص مثلاً، بيد أننا لا نستطيع القبض عليه، لانه تحديداً بلا مأوى هكذا ينبجس الماء الأنثوي، وهكذا أكافح الموت على طريقتي، ربما أؤخره كلما اندمجت غامضة وغير مدجنة، يا صديقي إنما الموت تربية على الشعر.
قم معي إلى الخلاء نبحث عن وكر وحشي يعصمنا نستغرق في خلوة الحيوان أيما استغراق، فيما نتقصى أسرار الشعر والدين. المدينة المصرفية قتلت المعنى في الإنسان ألا ترى البورصة وهي تلقي بظلالها ذات الاقتصاد الناعم على الملهاة كلها، حتى الأمكنة النائية خاضعة لقدرة المهرج، ينتهك براءة الشكل ويعمم الرماد علينا باسم حجر مرموق تفور منه رائحة النشادر. انسحبت من عتمة المشهد، فيما كان الحزيمي يتفحص أيقوناته الخاصة ويدلق الحبر على ثيابنا، انسحبت وأنا استقرئ شجراً مريضاً بلغ أرذل الرمل!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved