الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 20th March,2006 العدد : 145

الأثنين 20 ,صفر 1427

الجنادرية
* د. سلطان سعد القحطاني :

ينتظر المثقفون كل عام موعد المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي يحمل عنوان (الجنادرية) والجنادرية منطقة تقع شمال شرق الرياض، وأصبحت، بعد التوسع العمراني، ضاحية من ضواحي الرياض الكبرى، ظهرت فكرتها الأولى قبل ربع قرن من الزمان، كإحياء لرياضة عربية أصيلة، كان يمارسها الأجداد في سباق (الهجن) والهجن صفة للإبل السريعة الجري، كانت توضع لها الجوائز ويتنافس عليها المتنافسون للفوز بالجائزة، وتعرف سلالات هذه الإبل بجودتها وعراقتها، ومن ثم ترتفع أسعارها عند من يعرفون هذا الصنف من الإبل، ولا تزال هذه الجوائز تمنح للفائزين كل عام، وتطورت فكرة هذا المهرجان إلى عرض الفنون والمقتنيات التراثية من صميم المجتمع، كالحرف اليدوية شبه المنقرضة، والرقصات الشعبية، ثم تطورت إلى الفنون الحديثة، مثل المسرح والأمسيات الشعرية والقصصية، والمحاضرات العامة، ثم دخلت إلى عالم الفكر والأدب والنقد ومناقشات المستجدات على الساحتين، العربية والدولية وصارت الجنادرية معلماً من معالم الثقافة في الوطن العربي، التي بدأت منذ عقود قبلها، لكنها تطورت وحققت الكثير من الامتيازات الفكرية، وحضرها الكثير من المفكرين والأدباء والنقاد والعلماء الذين لهم حضور في الساحة العربية الإسلامية ودارت بينهم وبين الآخرين مناقشات مثمرة على مدى العقدين الماضيين، وصدر عن هذا التجمع الفكري عدد من المؤلفات القيمة بجانب البحوث التي ألقيت في المهرجان وحضرها العديد من المفكرين والأدباء والنقاد المعروفين في الساحة، هذا من الناحية التنظيمية والإعداد المسبق، فماذا عن الجلسات الجانبية، وهذا أمر حتمي في كل تجمع يحدث في العالم، يعقب كل جلسة من جلساته تجمع جانبي لم يكن في جدول الأعمال يحضره من لم يشارك في الجلسات الرسمية، إلى جانب من شارك بالفعل ، وهل عادت هذه التجمعات بالفائدة على فئة الشباب وهم من يعنيهم الأمر أكثر من غيرهم؟؟
من تجربتي الطويلة مع هذا المهرجان العالمي، أؤكد أن الكثير من الشباب استفاد من الأمسيات الجانبية أكثر من استفادته من الجلسات الرسمية، لعدد من الأسباب أولها، كسر الحاجز المنبري، فالجلسات الرسمية يغلب عليها طابع الخوف من الأضواء، بجانب حضور شخصيات أدبية وعلمية لها ثقلها، مما يسبب التردد في الطرح، خوفاً من خطأ لغوي أو معلومة محرجة....، هذه الإشكالية لن يجدها في جلسة عادية ليس لها الطابع الرسمي، جلسة تتسم بالأبوة والتشجيع والتسامح، هذا من الناحية الفكرية والنقدية، أما من الناحية الإبداعية فلن يكون للشباب مجال في عرض قصيدة أو قراءة قصة قصيرة في جلسة أعدت لموضوع بعينه وحضر لها عالم صرف وقتاً وجهداً في إعداد ورقته، إضافة إلى نوعية التخصص الذي هو من أهله ولن يحاوره إلا ند له، إما أن يكون معقباً مستكملاً للموضوع ومعلقاً عليه، أو أن يكون مستفسراً عن نقطة أو أكثر لم تتضح معالمها في ذهنه، وسواءً هذه أو تلك سيجد الشباب من غير المتخصصين صعوبة في المناقشة، لكنه سيتعلم من هؤلاء الشيوخ الشيء الكثير، سيتعلم منهم المنهجية، والجرأة في الطرح، والجدة في المعلومات، والسلامة في اللغة....... أما الجانب الثاني فيغلب عليه ا لتعارف، سواء من الأدباء السعوديين فيما بينهم، أو من الإخوة العرب القادمين بدعوة من المهرجان، فالكثير من الأدباء - وبخاصة الشباب - يسمعون بأسماء لم تتح لهم الفرص للتعرف عليهم عن قرب، وهذا التعارف يمتد إلى مناقشات وأسئلة عن المؤلفات، وتبادل الإنتاج حديث الصدور، أو بعض الإنتاج الذي نفد من الأسواق، وبعض المشاريع التي لم تصدر بعد، ويمتد إلى سماع شيء من شعر الشعراء الشباب وتقييمه أو عرضه على المختصين والمبدعين لانتزاع اعتراف بهم، وقد أثمرت هذه الجلسات الفكرية الأدبية الإبداعية ثمارها الجيدة في إخراج عدد من الشباب الموهوب وصقل موهبته وتشجيعه على النشر، وبالفعل حصل ذلك بشكل إيجابي آتى أكله، فأصدر بعضهم دواوين شعرية ومجموعات قصصية كان قبل ذلك خائفاً من إصدارها، ولاقت قبولاً حسناً من النقاد ومتذوقي الأدب، ويحضر هذه اللقاءات عدد من الناشرين يبحثون عن منجزات أدبية جديدة، تكون فرصة الشباب في التعرف عليهم أكبر، أما بنشر نتاجهم أو بعرض ما لديهم من إصدارات جديدة تهم هذه الفئة من الشباب أكثر من غيرهم. هذه رؤيتنا عن الجنادرية التي عودتنا على كل جديد نبحث عنه، فلم تعد تقليدية تهتم بالتراث فحسب، بل تعدت ذلك إلى المعاصرة والفكر النير والمناقشات الحرة، لكننا نأخذ عليها - في الآونة الأخيرة - ذلك التكرار، في الموضوعات والأشخاص، فقد دعت عدداً من المثقفين والأدباء والنقاد، ثم كررت الدعوة مرات عديدة، وهذا التكرار يحرم عدداً آخر من فرصة الحضور وتقديم ما لديه من جديد لن يتوفر في الفئات التي جاءت مرات ومرات، وقدمت ما لديها ولم يعد في جعبة أحد منهم شيء يقدمه، ونحن نحترمهم ونقدرهم ونقدر جهودهم المبكرة، لكننا نطمع في التجديد مع الحفاظ على مكانتهم الأدبية، ونرى أنهم أساتذة لهذا الجيل، وليس هناك جيل بلا أساتذة، فمشاركة الجيل الجديد مهمة جداً وتقديم ما لديهم من أفكار ومعطيات تجلب الحضور لمناقشتها وتعطي المهرجان نوعاً من التجديد والمثاقفة الأدبية، فقد ظهر عندنا في السنوات الأخيرة عدد من الباحثين والنقاد، بجانب ما في البلاد العربية من عقول ستثري الساحة المحلية والعربية بالكثير من الجديد، وسيستفيد منهم الشباب، وسيحاورونهم بجدية وتفاعل. ولولا حرصنا على بقاء هذا المعلم الثقافي العالمي حياً متجدداً ما قدمت هذه الرؤية الثقافية، ونحن نعد له العدة في كل عام، فهو أحد مواسمنا الثقافية التي نعتز بها، ولأن الجنادرية فعل إنساني قابل للخطأ، كما أنه قابل للصواب، فلابد أن يعتريه ما يعتري كل فعل إنساني، والتشاور في الأمر سنة من سنن الكون، فقد ترى عين المشاهد ما لا تراه عين المنظم...
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved