الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th June,2005 العدد : 111

الأثنين 13 ,جمادى الاولى 1426

محمد عبده وحوار الحضارات
أمل زاهد
لم تكن الدعوة إلى حوار الحضارات والتسامح الديني التي يشدو بها الكثيرون ويرون فيها المخرج الوحيد من وطأة ما يصطخب به العالم اليوم من قتل وإرهاب، نتاجاً لأحداث ما بعد 11 سبتمبر العاصفة فقط؛ فحوار الحضارات مطلب قديم جديد، وإن كانت الحاجة تشتد إليه في الوقت الراهن من تاريخ البشرية، حيث ارتفع ترمومتر الإرهاب لدرجة بات فيها التعايش مع ما يقذفه في وجوهنا ويثقل به كواهلنا صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
وعلى امتداد تاريخ البشرية الحافل بالصراعات الدموية كانت الحاجة إلى هذا المطلب ترتفع حينا وتنخفض حينا آخر تبعاً للأحداث ونتائجها وآثارها على المتضررين من بني الإنسان, فهذا القتل الدامي الذي يحيط بنا من كل جانب من أهم المسوغات لإعادة فتح باب الحوار الذي ربما سيخرج البشرية إلى عالم أكثر رحابة وانفتاحاً على تقبل البشر بعضهم بعضاً، والتسليم بأن الاختلاف هو سنة الله في الكون وديدن البشر على الأرض.
فمنذ قرن من الزمن تقريباً أنشأ الإمام محمد عبده جمعية التقريب بين الأديان في بيروت، وحاول من خلالها تحديد ملامح فكره المستنير فيما يتعلق بقضية الحوار بين الأديان. وهذه الملامح تكاد تنحصر في الترسيخ لفكرة التعددية وتهيئة التربة لغرس مبادئ التسامح الديني وتقبل المنتمين للأديان السماوية بعضهم بعضاً في مناخ رحب يفعمه السلام ويحض على تقبل الآخر واحتضانه.
ومن محاولاته للتجذير لهذا الفكر عدد من الرسائل وجهها لرجال دين وفكر أمثال الأديب الروسي توليستوي كما وجه رسائله لبعض القسيسين ومنهم قس إنجليزي اسمه (اسحق تيلور) توسم فيه الشيخ الإمام العقل الواعي والروح المتسامية المشرئبة للحق والرغبة الصادقة في الاقتراب من رؤية منفتحة على الإسلام بشكل خاص. وهو يمتدحه في إحدى رسائله ثم يردف موضحاً ما يقوم به القس: (ثم دعوت أبناء ملتك إلى كلمة السواء بينهم وبين المسلمين، وصدقتهم النصيحة ألا يحنقوا المسلمين بتكذيبهم نبيهم، ولا تكفيرهم في الاعتقاد بدينهم، ووعدتهم إن قبلوا نصحك بإصابة المسيحية في الإسلام، ووجود محمد صلى الله عليه وسلم أخذا بعضد المسيح بإعلاء كلمة دينه الصحيح)، ثم يقول: (وإنّا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة وصحفاً متصادقة يدرسها أبناء الملتين ويوقرها أرباب الدينين).
وفي الحقيقة أن معظم معتنقي الديانات المختلفة يحملون تصورات نمطية وأفكار مغلوطة عن الأديان الأخرى، وهذا يعني أن الجميع يحتاج إلى أن ينفتح على الآخر ويتعرف على حضارته وثقافته، ولكن هذه الرغبة في الانفتاح لا تتولد في الغالب إلا من رحم الاكتواء بنار الحروب والاحتكاك المباشر مع الآخر والاضطرار إلى التعايش معه.
وقد شهد القرن العشرين اعتراف الكنيسة البابوية بالدين الإسلامي كأحد الأديان السماوية، وكان البابا يوحنا بولس الثاني من المنفتحين على حوار الأديان ومن الراغبين في التقارب بينها. ومن خلال عرض الأستاذ أمير طاهري لكتاب البابا الجديد الكاردينال جوزيف راستنغر (العقيدة المسيحية وديانات العالم) في جريدة الشرق الأوسط، لا يسعنا إلا التخوف على مستقبل هذا الحوار، فقد قدم رؤية ناقصة للإسلام ومواقف متناقضة من الليبرالية وهو يرى أن العلمانية والنسبية الثقافية هما العدوان الرئيسيان للإيمان في العالم المعاصر، ورغم أنه يقول إنه يجب ألا تتدخل الدولة في قضايا الإيمان إلا أنه يرى أن للكنيسة الكاثوليكية الحق في التدخل والتأثير على اتجاهات سياسة الدولة. فهل نحن مقبلون على المزيد من المد الأصولي الهاطل علينا من هنا وهناك؟!.
وهل يتحتم على العالم أن يكتوي بالمزيد من نيران التطرف؟ وهل عليه أن يصل إلى تخوم العدم والفناء حتى يستوعب الوسيلة الناجعة للخروج من أتون الإرهاب؟! وهل تحتاج البشرية إلى دروس أقسى مما تمر بها الآن كي تدرك أنه ما من طريق يوصل إلى الخلاص إلا ويجب أن يمر بالتسامح الديني وتقبل الآخر والانفتاح عليه والتحاور معه؟.
أما فيما يتعلق بنا نحن، فإن الحقيقة المؤلمة التي تصرخ في وجوهنا من خلال العمليات الإرهابية التي نشاهدها آناء الليل وأطراف النهار سواء عبر شاشات الفضائيات أو على صفحات الجرائد، تقول بمرارة شديدة إن أمتنا تقهقرت إلى الوراء عشرات الخطوات في درب تقبل الآخر، وإن المسلمين لا يتقبلون بعضهم بعضاً ولا يتسامحون مع اختلاف المذاهب بل يرى كل منهم نفسه على المحجة البيضاء ساخراً من معتقدات من يخالفه في المذهب ناهيك عمن يخالفه في الدين؟.
ورغم أن ديننا الحنيف رسخ لمبدأ تقبل الاختلاف بين البشر وأكد على وجوب التعامل معه الاختلاف كحقيقة ثابتة وأمر لا مراء فيه ولا شك، فقد تعايش المسلمون مع اليهود في المدينة إبان الهجرة النبوية الشريفة ومات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، كما حدث أول حوار بين المسيحية والإسلام في عهد النجاشي إبان الهجرة الأولى إلى الحبشة، بل إنّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم امتدح النجاشي قائلاً: (أنه ملك لا يظلم عنده أحد).. رغم ذلك نجد مَنْ يرفض التعددية ويلغي الآخر.
الأوضاع المقلقة في عالمنا العربي برمته والإرهاب المستهدف للآخر غير المسلم لم يترك موطئ قدم من دون أن يلوثه بتبعاته ويمزقه بشروره وويلاته، وما يحدث اليوم في العراق من انتفاء للأمن ونسف لاطمئنان وسكينة المواطنين، ومن قتل مجاني وعمليات إرهابية تحدث بشكل يومي، يستدعي مخاوفنا ويذكي قلقنا من حرب أهلية قائمة على الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة، قد تدخل العراق في متاهة حرب ضروس يتم فيها الإجهاز على ما تبقى من الأخضر واليابس.


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved