الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th June,2005 العدد : 111

الأثنين 13 ,جمادى الاولى 1426

أعر اف
(أسماء) تكسر الانتظار!!
محمد جبر الحربي
أعترف هنا أنني منذ زمن الشاعرة خديجة العمري الشعري الخصب قرأت كثيرا لشاعرات من تجارب شتى محليا وعربياً، لكنني لم أقفز فرحا، ولم أترك ما أنا منكبٌّ عليه لأبحث عن المزيد مما أطالعه، إلا مع عدد نادر منهن.
وبالأمس وقعت صدفة على قصيدة جميلة للشاعرة أسماء الزهراني، فاستزدت، وكان لي أن أعثر على هاتين القصيدتين المتميزتين لغة وغناء. المكتنزتين شعرا يشدك إلى حالة جمالية عالية، ويقودك إلى أزمان، ووجوه، وأسماء غابت ولكنها لم تغب.
إنه شعر يصلك بشعراء مميزين كعبدالكريم العودة، وخديجة العمري، وغيداء المنفى، وبزمن شعري جميل.
بل إنني أشعر بثقة أنها امتداد رائع لذلك الوهج الأخاذ، وبخجل أنني لم أكن أعرف شيئا عن هذه الشاعرة المتألقة سوى بعض مداخلاتها على مواقع النت.
وسيلاحظ القارئ معنا اللغة المختارة المنتقاة، والانسياب الشعري الذي يتدفق كنهر مع الروح. وها هي في قصيدتها (جفاف) تحاور الصمت فتلخص الحالة بشعرية عالية: لا تخش يا صمت/ إني بقدر حنينك للنور فيّ أحنّ إلى
الانغراس بجوفك/ كي أتشكل خلقاً جديدا/ عصيّا على مدركات الزمن:
(إلى كم ستعبث بي؟!
تغرس الجدب في شفتيّ
وتعزف بالخلجات نشيد اغتراب
إلى كم تحاصر دقات قلبي
تعد عليّ الخطى؟!
أيها الصمت
ترفعُ في وجه ميلاد شعري سيف الفناء
تقيمُ على الحرف حدّ القصاصِ
وتتبعُ ظلي
تخندق كل الدروب
وتملأ أفواهها بالمسامير
لا تخش يا صمت
إني بقدر حنينك للنور فيّ أحن إلى الانغراس بجوفك
كي أتشكل خلقاً جديداً
عصيا على مدركات الزمن
على أهبة الموت
لا تتركيني أطيل الوقوف ببابك يا فتنة الكلمات
على أهبة الموت جئت
على مركب من بقاياي
سافرت عبر شقوق الرتابة
في أضلعي يلتقي الماء والنار
ترتج عاصفة المبهمات).
قصيدة صغيرة تملأ المكان بعبير الكلمات، ومنها، من فضائها نطل على قصيدة بديعة كأنما هي امتداد للتدفق النهري. هنا أسماء الزهراني في انتظار الذي لا يجيء:
(الثواني التي غرستْ نصلها في ضمير المساء
أثمرتْ وخزة في عيون النهار
ارتوتْ من جنون الجوى
فاستوتْ قامة الوجدِ ماء ونار.
أصلها ثابتٌ في تخوم الحنين
فرعها في سماء الوجع
وامتداداتها تتوغل بين شظاياي
تنفض ما فاض من حلة الاصفرار.
في انتظار الذي لا يجيء
تعلمت كيف أدسّ عروقيَ في تربةِ الغدِ
محتشداً بالمسافات
أرسم فوق شفاه المساء مذاق التلاقي
في انتظار الذي لا يجيء
احترفت الوداع
تعلمت فك معاقد خيبات أمسي
هدهدت خوف منام يلوذ بغرته الوهن
أقتصُّ آثارها
فاتحات المطالع مستوطنات المآقي.
في انتظار الذي لا يجيء
عرفت بأن البدايات ليست سوى قفزة للنهايات
أن اللقاء يخبئ خلف بشاشته
ألف وجه وداع
وأني إذ اقتاتني الانتظار
لقد كنت في كف سادنة الحلم أرفل في الوهم
أقرأ فيها ذواتي في ما تفتق عنه ذهول الحكايات
يدهشني ما يباغتني من دروب
يلوب بأحشائها المعدمون انتظاراً
فأترد للوهم
أزرعني في متاهاته محض أحجية لا تتوق لقارئها
محض لؤلؤة لم تسخر براءتها لجنون المحار
وتثمل روحي بطعم انعتاقي.
ردّ قلبي
ففي الأفق ما لا يحيط به الحزن
لا يدرك الطرف أوله
من رماد المحاجر
من رعشات القناديل خوف التلاشي
وفي الوقت متسعٌ بعد للاحتضار)
وبعد ماذا يمكننا أن نقول عن هذه اللغة التي تصهل، وهذا الصمت.. هذا الانتظار الذي يتحفنا بهذا الشعر الذي يكسر الانتظار، انتظار شاعرة باسقة أصلها ثابتٌ في تخوم الحنين/ فرعها في سماء الوجع لها طعم ولون.. وشعر.
فيا أسماء عذراً أنْ ما تابعتك، وأهلاً بك اسما أضيفه بعناية واعتزاز إلى قائمة ذائقتي الشعرية.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved