الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th June,2005 العدد : 111

الأثنين 13 ,جمادى الاولى 1426

حكايات
لماذا الاهتمام بالقصة والرواية؟
محمد بن أحمد الشدي
كثير من الأدباء الكبار في المملكة، وفي الدول العربية الشقيقة، لا يزالون يعتقدون عدم أهمية الرواية والقصة في الأدب العربي، حتى إنهم يضعون القصة في آخر القائمة عند تبويب ألوان الأدب. ولكن الواقع أن هذا الجنس في الأدب يحتل هذه الأيام المنزلة السامية، ليس في الأدب العربي وحسب، ولكن في الآداب العالمية كلها، حتى لقد فاق الشعر وأصبحت الآداب تقوم من خلال هذا اللون من الأدب. ولو نظرنا إلى الأدباء العالميين الذين نالوا جوائز نوبل وغيرها؛ تقديراً لآثارهم الأدبية، لوجدنا أن القصة والرواية كان لهما دور بارز في أعمال هؤلاء الأدباء العالميين. فالقصة ليست مجرد حكاية، ولكنها مع ما فيها من لذة ومتعة تشتمل على كثير من العلوم والفنون: من تشخيص، وتحليل وتعليم، ونقد وتبصير بشؤون الحياة، وتفسير عقدها وتركيباتها، بل إنها المرآة التي تعكس واقع المجتمعات الإنسانية؛ لأنها في بعض جوانبها تسجِّل حياة الأفراد في مجتمعهم تسجيلاً دقيقاً، وتساهم مساهمة فعالة في تقدُّم الإنسان ودفعه إلى الخير والطموح، وكذلك الرواية!
وقد تصدَّرت القصص بأنواعها المسرح الأدبي، وأصبحت في طليعة الألوان الأدبية الأخرى، ووجدت لها جمهرة كبيرة من القراء على اختلاف أذواقهم ومشاربهم؛ إذ إن قرَّاء القصص أكثر بأضعاف مضاعفة من قراء أي لون من ألوان الأدب الأخرى.
هذا إلى جانب أن القصة هي الأساس الذي ارتكزت عليه كثير من الصناعات العلمية الثقافية، فصناعة السينما والتلفزيون والمسرح لم تكن لتوجد لولا ازدهار القصة وانتشارها وإقبال الناس عليها على جميع مستوياتهم العلمية والثقافية. والقصة في كثير من الأحيان هي سجل وتاريخ الأمة، يلجأ إليها المؤرخون ويستنبطون منها ما يروق لهم؛ لأنها كما قلنا صورة عن المجتمع الذي كُتبت فيه.
وليس أدبنا العربي القديم خالياً من القصص كما يحاول بعض الغربيين إلصاق ذلك بالأذهان، فالقصة موجودة قبل الإسلام، وإن لم تكن مكتوبة، فقد وجدت مع الشعر جنباً إلى جنب، ولكن سهولة حفظ الشعر ساعدت على وصوله إلينا، وتعثرت القصة لصعوبة حفظها ولملابساتها الكثيرة. ومع هذه الصعوبة فقد وصلتنا قصص كثيرة عن الحروب والأيام والوقائع وأبناء الأبطال البارزين فيها، كالمهلهل والنعمان والآباء. ثم احتلت القصة مكاناً بارزاً في الأدب العربي الإسلامي؛ حيث اشتمل القرآن الكريم على قصص كثيرة في غاية الجمال والروعة؛ كقصة يوسف عليه السلام.
ومنذ ذلك اليوم تقدَّم شأن القصة؛ حيث اهتم بها الأمويون والعباسيون والفاطميون؛ حيث ظهرت قصة عنترة، وقصص كليلة ودمنة التي ترجمها ابن المقفع، وقصص ألف ليلة وليلة التي لا يزال الأدباء الغربيون يستقون منها الشيء الكثير. ثم ظهرت رسالة الغفران للمعري، وهي تحتوي على كل عناصر القصة الناجحة؛ لما فيها من حوار وحوادث وخيال بأسلوب أدبي رفيع.
ثم جاء عصر النهضة، فكتب محمد حسين هيكل قصة زينب، فكانت فتحاً جديداً في الأدب العربي في تلك الفترة، ثم تسابق الأدباء العرب إلى كتابة القصة، ومنهم العقاد ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، حتى أصبحت القصة في أيامنا أهم الألوان الأدبية على الإطلاق مع ما طرأ عليها من تطور وتقدم وإبداع.
ولا ندري لماذا ظل بعض أدباء العربية حتى اليوم لا يقيمون وزناً للقصة والسرد مع كل ما أصابته من نجاح ومع كثرة إقبال الناس على قراءة القصص التي جمعت إلى جانب النواحي الأدبية النواحي الفكرية والنفسية والاجتماعية والتاريخية والفلسفية.
إن من واجب أدبائنا أن يشجعوا هذا اللون من الأدب الراقي الذي قطعنا في مضماره شوطاً بعيداً، وأثرى لغتنا العربية وجعلها تساير اللغات الأخرى في هذا المجال.
إنني أعتقد أن المستقبل الأدبي للقصة والرواية، وأن الأدباء الذين جعلوا القصة في آخر قائمة الأدب سيعودون ويضعونها في المكان المناسب حيث يجب أن تكون.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved