الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th June,2005 العدد : 111

الأثنين 13 ,جمادى الاولى 1426

قصة قصيرة
أنا وهي
صالح الصقعبي
أحمل أفكارا جميلة.. خيالاتي أيضا رهيبة.. لست أنا من يدعي ذلك.. ولكن سمعت جارتنا تحدث أمي عني وتصفني بأوصاف كاملة وفضيلة، من يومها أخذت أهذب ذاتي وألغي الزوائد غير المحببة في تصرفاتي ليس قناعة مني ولا لرغبة مكبوتة داخلي.. ولكن لكون جارتنا أشارت باستحياء عن بعدي.. بحمد الله عن مثل هذه المناطق الهزيلة.. وإن كانت تعلم قربي من بعضها.. رغم هذا احترمت في الجارة إنصافها.. وأصبحت نفسي تدري أو لا تدري رهن إرعاشتي أطرافها.
لم أكن قادرا على سماع جرس الباب ولا حتى التلفون وحتى في حالة اقتحام صوته المزعج لرأسي يقوم غيري بإكمال هذه المهمة، ولكن بعدما قالته جارتنا الكريمة بدأ سمعي يتلصص على وقع نعليها.. لذلك تجدني أبادر بفتح الباب قبل أن تمتد أناملها بطرقه وهذا جعل أبي وأمي وكل من في البيت يحاول أن يختبر قدراتي العقلية واكتشاف السر وراء هذا التغير المفاجئ في شخصيتي ومن قبلي، فكان عدم المبالاة الإجابة الجاهزة لمثل هذه الاختراقات القادمة من أذن هذا أو لسان ذاك.. هي المنتصرة دائما.. هي الصادقة دائما.. هي الباحثة عن الحياة.. الحكم والعدل وكل القيم الجميلة اسمعها من لسان هذه الجارة بينما تتلعثم أخواتي ويخرس أخوتي.. عن قول ربع بل خمس بل عشر ما تقول جارتنا الفاضلة.. ورغم هذا.. هناك من يرصد التغير في شخصيتي.. ويحاول أن يستعين بالجان.. لا للبحث عن شفائي فهذا غير مهم.. ولكن دائرة معلوماته وشبكة مخابراته لم تسجل سببا مقنعا لمثل هذا التحول وإن كان السبب أقرب إليه من علبة سجائره أو مسبحته أو أي علامة ارتني أنه تزيف صورة سعادته وتفهم لدى ذاته لم يعِ صاحب السعادة أني شاهدت ما حذف من الفلم.. وعلمت بما مزق من المحاضر.. وأسمعت ما تم الهمس به أثناء استبدال الأدوار.. آسف.. البدل أو المعاطف أو الثياب.. فهي سيان.
لم يكن فهم الحديث الهامس الذي دار بين الجارة ووالدي تحت الدرج.. أمرا عصيا على مثلي.. كما أن المبلغ الذي وضعته أمي في صدر مخدتها بعد زيارة الجارة وهي تدحرج رقبتها ذات اليمين وذات الشمال بطريقة جعلتني أخشى عليها من التصلب لم يكن مثل هذا التصرف خافيا.
ماذا ينتظر من مبصر حديثا مثلي.. نعم أملك البصر منذ الولادة.. وحتى الآن.. ولكن تلمس البصيرة يظل غاية المبصر وطموح الأعمى.. وهذا ما دعاني إلى معرفة المعاني الكبيرة التي بنيت عليها الأفكار.. أفكار الجارة الكريمة.. وجعلني كذلك أعجب باكتشافها مناطق تائهة في شخصيتي لم تلمحها من عانت في لحظة إطلالتي على هذه الدنيا.. وهي الأقرب والأجدر على اكتشاف خفايا ذاتي.
هنا بدأ الغمام ينقشع.. وأخذت أسلحة الجارة الكريمة تتكسر.. وبدى أن نوعا آخر من الوعي أخذ ينمو داخلي في محاولة واعية لإعادة الأسماء إلى مسمياتها.. وكشف السماسرة المنتفعين من تزوير الأشياء أمثال الجارة الذكية.. وبمجرد نعتها بالذكاء بدأت الصورة تتفاعل في الذاكرة لمحاولة إيجاد مصل واق عن تزوير وتزييف هذه الجارة لكي يتجنب الآخرون الوقوع في حبائلها كما وقع أبي وأمي، وقد أكون يوما ما إحدى الضحايا رغم وعي المدعي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved