Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

رجل الحوار والتنوير
بوريس بولوتين*

 

 

لا يسعني في البداية إلا أن أعبر عن جزيل شكري للقائمين على هذا الملف الخاص بتكريم ابن لبنان البار الاستاذ غسان تويني، الذي استحق بكل جدارة مثل هذه الالتفاتة الكريمة بكل ما يعنيه التكريم، كما أنتهز هذه الفرصة، لأتقدم بامتناني لمن أتاح لي إمكانية تسطير كلماتي على صفحات هذا الملف، وعلي أن أذكر أنني أقوم بذلك بكثير من الرضى والسرور.

التقيت الأستاذ غسان تويني أكثر من مرة خلال فترة تواجدي 2000- 2004 في لبنان كسفير لبلدي روسيا، وخلالها أسعدني الحظ بالتعرف عليه عن قرب، ورؤيته في كثير من الأحيان وسط حياته اليومية وملاحظة ردود أفعاله على الأحداث المتلاحقة في تلك البقعة الصغيرة من العالم، وتسنى لي من ذلك استكشاف المصدر الأساسي لردود الأفعال الهادئة والحكيمة والتي تكمن في سعة اطلاعه ومواهبه المتعددة، وهو المفكر ثاقب النظرة، والصحفي الدؤوب، وهو المسؤول الواثق والشخصية الاجتماعية التي تفرض احترامها على الجميع، ومن جانب آخر هو الشخص المتذوق للفن والمتابع لانجازاته المتعددة، ومثل تلك الجوانب لم تكن غريبة على شخص ترعرع في بيت أدب وثقافة، وفي بلد يعد نموذجاً للتنوع والائتلاف، فشخصية تويني الفذة إنما تعكس إلى حد بعيد أفضل السمات المميزة للشخصية اللبنانية التي تركت انطباعاً يشار إليه بالبنان أينما حلت في مختلف البلدان.

ولعل الذي يميزه أكثر عشقه لبلده لبنان وإيمانه به، وهو الذي يؤكد حتى اليقين بأن هذا البلد الصغير هو البلد الرحب لمن ضاقت بهم سبل العيش والنموذج الأمثل في الاتباع بين دول المنطقة.

من الطبيعي أن يتأثر مثل هذا الرجل المرهف الإحساس بكل إيجابيات البلد الذي عاش فيه، والتي لا تقتصر على احترام الآخرين ممثلي الثقافات الأخرى وتبجيل خصوصياتها بفضل سعة الاطلاع ورحابة الصدر التي امتاز بها الرجل، ومن الطبيعي كذلك من زاوية أخرى، أن يتأثر بمشكلات البلد وقضاياه وتعقيداته المتواترة. ويدرك تويني أكثر من غيره أن حقيقة المشكلات ربما تكون أكثر تعقيداً وإيلاماً، لكنه أمامها لا يتراجع... يغذيه عمق إيمانه بالأمل، والثقة بالمستقبل الذي لابد أن يكون أكثر إشراقاً.

وفوق ذلك كله وددت ان أشير الى تبحره في العلم وجلده في تحصيله، ودقة معارفه الموسوعية في مسائل متنوعة. ومما يثير دهشتي -حقاً- في خصال الأستاذ غسان، عدا حكمته وحكمه على الأمور، مناقبه الشخصية الأخرى كالثبات والاتزان وهو النفس الفياضة في محبة الناس، وهو المعروف في شدة احترامه من يلتقي بهم، والاهتمام الذي يحظون به منه على الرغم من مشاغله المتعددة وضيق الوقت الذي يحاصره في طموحاته الكبيرة.

وكما يقال عندنا في روسيا فهو شخص متنور بامتياز. أطلق عليه هذه الصفة على الرغم من شكوكي بأن المصطلح عصي على الترجمة إلى لغة أخرى، التي قد يتعذر على مدلول مفرداتها الإحاطة بأبعاده، الذي لا يقتصر مفهومه على رقي الشخص الموصوف وارتقائه الثقافي فقط، بقدر ما يعني مقدرته على مواكبة هموم الآخرين وتفاصيل قضاياهم بكل صدق وحس مرهف، وخاصة حين لا يكون القصد من ذلك كله إلا إشاعة المحبة والخير وتمكينهما في أوساط المجتمع.

وباعتباري ممثلاً لدولة أخرى، يهمني جداً في هذا المنحى أن أشير إلى علاقة الأستاذ غسان تويني ببلادي وغيرته عليها والاهتمام بمستقبلها، فيما عدا اطلاعه الدقيق على تاريخها واحترامه لعاداتها وثقافة شعبها.

وفي هذا المقام أود كذلك الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية في مسيرة الأستاذ غسان الحياتية، فهو الذي تعرض لتجارب وامتحانات قاسية، وعانى مآس شخصية وخسارات كبيرة، لكنه واجهها برجولة مشهودة وصلابة غير معهودة، ولم ينل ذلك كله من ثبات الرجل بقدر ما زاد في إصراره على منهجه الذي كرس حياته وأعماله للإخلاص له.

وخلاصة القول لا يسعني إلا أن أتقدم بالتحية والتقدير للأستاذ القدير غسان تويني، متمنياً له حياة مديدة وروحاً صلبة يرافقها النجاح في أعماله وإبداعاته التي هدف من ورائها لإشاعة الخير والسلم في لبنان وإسهامه في مسيرة الحضارة الإنسانية لصالح التقدم والتفاهم بين الشعوب.

* إدارة شؤون الشرق الأوسط - وزارة الخارجية الروسية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة