Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

الإنسان ذو القلب الأوسع من العقل
روبير مينار*

 

 

هو من العائلات التي كتبت تاريخ الصحافة، وهي منها بمثابة روحها وجوهرها، أي أفضل ما فيها، وهو من السلالات التي صنعت، بل شكلت، عبر وسائل الإعلام البلاد التي تنتسب إليها. آل تويني هم من هؤلاء، والمرء ليس بحاجة إلى أن يكون صاحب خبرة بشؤون لبنان لكي يقتنع بهذا الأمر. بوسعي أنا الإدلاء بشهادتي.

كان ذلك في مطلع سنوات التسعينيات -من القرن العشرين- أيام كنت أقرع الأبواب كلها، وأتردد إلى المحافل جميعاً، وأضاعف الرحلات إلى بلدان العنف والقمع، حيث لا وجود للحرية إلا في كلمات يحتكرها الطغاة. كنت أسعى إلى تعبئة الصحف وحشدها دفاعاً عن الصحافيين المهانين والمعتقلين والمعرضين للتعذيب والاغتيال. في مثل هذه الحملات يتضاءل عدد الحلفاء كثيراً عما يمكن توقعه. ذلك أن البَلْهَنيَّة الدافئة السائدة في ديموقراطياتنا العتيقة تخدر أفضل ذوي الحماسات وتضعف يقظتهم، وتحصن كلامنا في أنانياته التافهة.

زجَّ غسان وجبران تويني نفسيهما في هذه المعارك جميعها بلا تردد كما لو أن الأمر مفروغ منه، أكان تاريخهما الخاص هو السبب؟ أم اهتمامهما الذي لم يخيب الظن أبداً بالآخرين؟ أم هي تربية على ثقافة كونتها روافد مشتركة؟

تعرفا إلى الحرب، وامتازا بالعناد الضروري لإعاشة صحيفة. كما كان التضامن ودعم الآخرين طبيعة ثانية عندهما، لكم لجأت إليها وكم أسرفت في الإفادة من رضاهما، هذا أمر يجدر بي الاعتراف به. كانا يعرفان ما أفعل ولم يحدث مرة أن استاءا مما أفعل.

لم يتخلف جبران مرة واحدة عن الرد على اتصالاتي الهاتفية، بروح الصداقة دون أن يطرح تلك الأسئلة التي تنم عن التردد. كان الأب والابن هنا بطبيعة الحال كما الوضوح والبداهة. لن أحصي نهائياً الصحف التي نالت مساعدتهما وتشجيعهما وحضورهما، من سراييفو إلى دوالا.

يوم التقيت غسان التويني في بيروت، بعد أشهر من اغتيال جبران، حكينا عن النهار وعن محنة لبنان بالتأكيد. أهداني (قرن ضاع سُدىً) وهو كتاب وضعه بالتعاون مع جيرار خوري وجان لاكوتور، وحدَّثني عن تعبه وسأمه حتى حدود القرف، هذه الهوّة التي تقيم مع التقدم في العمر.

غير أني ما كدت أذكر المعارك التي خاضها جبران في سبيل حرية الصحافة في كل مكان من هذه الدنيا، حتى هبَّ المقاتل من جديد أمامي، وعادني مدير المؤسسة الصحافية والإنسان صاحب القلب أكثر مما هو رفيق العقل.

تحدثنا بعدئذ عن حفيدته نائلة التي ورثت المؤسسة حالياً. كانت لتوها قد استقبلتني في مكتب والدها في دار النهار. إنها ذات شجاعة محببة وإرادة تُقرأُ في عينيها تنسجم مع شبابها، تعرف كيف تجذب محدثها كأبيها وجدها. أليست من آل تويني؟

لقد أدركتم مغزى ما كتبت، فلست أحتفظ في ذاكرتي بغسان تويني الوزير والسفير والنائب في المجلس، بل بمدير الصحيفة الذي دفع ثمن استقلاله و(طول لسانه بالعملة الصعبة). ذلك أنه ليس بالمستطاع (إيواء) سمير قصير بلا مخاطرة ودون تحمل التبعات المؤسفة لهذا (الإيواء).

هذا دليل ومؤشر وعلامة، وعزة ترفع رأس عائلة نحب دمجها وعزة لبنان...

*الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود – باريس


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة