Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

تويني ولبنان
ملحم كرم*

 

 

هو الناجح المتفوق، مذ هو فتى في الجامعة.

وظل الناجح المتفوق يوم صار فتى في الصحافة، فيوم صار فتى المجلس النيابي.

قُسُط له أن يخلف والداً مثل جبران ووالدي، كرم ملحم كرم، كما كان يقول عنه أن في حسناته كاتباً سياسياً، إنه يحسن اختيار موضوع المقال اليومي.

والمقال اليومي مع غسان ظلّ ألِقاً متوقداً نابضاً.. حتى لكان يُسأل: ماذا كان يقول غسان اليوم؟.

جاء النيابة، وفي لبنان ذهنية الجمهورية الثالثة الفرنسية، يعني أن النيابة هي نيابة الكلمة، فكانت حكمة النيابة على شفة غسان كمثل كلمة الصحافة على أسَلة قلمه.

يوم ترشح للنيابة عن بيروت قيل عنه أنه مرشح (الطانتات) أي سيدات بيروت الأرستقراطيات في حي السراسقة. وترشّح ضده يومذاك نسيم مجدلاني. فنجح هو، وخسر نسيم نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وكتبت جريدة (الأنباء) جريدة الحزب، أن سببَي النجاح كانا: (بروفيل غسان وغفريل المطران). وغفريل المقصود هو المطران غفريل الصليبي الذي كان يومذاك معاوناً للمطران إيليا الصليبي متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس.

لكنه عاد فالتقى كمال جنبلاط خصوصاً بعدما أعدم انطون سعادة زعيم الحزب القومي السوري، وفي ذاك الزمان، كتب كمال جنبلاط مقالاً ما يزال في الذاكرة (أمحاكمة أم مؤامرة)؟ ويوم ذاك كتب غسان ما كتب في سلسلة من المقالات اليومية.

وقمة التلاقي بين كمال وغسان كانت في انتخابات 1951. وفي فترة تأليف اللوائح أصرَّ كمال جنبلاط على أن يكون غسان تويني المرشح الأرثوذكسي عن الشوف. كميل شمعون كان يريد مرشحاً آخر، واحتدم الجدل. وعلا الصوت حتى قام نذير بالفرقة نسي كميل وكمال، مع أن الوضع ما كان يسمح بذلك، لأن في الجهة المقابلة الشيخ سليم.. (السلطان) كما في تسمية اسكندر الرياشي في (الصحافي التائه) وانتخابات 1951 شاءها (العهد) أن تعتمد تعويضاً، ولو جزئياً، عن انتخابات 1947 انتخابات 25 أيار التي جاءت بكثرة نيابية تجدّد للشيخ بشارة الخوري ولايته التي كانت ستنتهي دستورياً، سنة 1949. لكن الشيخ لم يقضِ من الولاية المجدَّدة سوى ثلاث سنين انتهت في 18- أيلول- 1952. وكان كمال جنبلاط ساعد في إنهائها بمقال، وهو أيضا شهير، عنوانه: (جاء بهم الأجنبي فليذهب بهم الشعب). وتحال جريدة (الأنباء) على المحاكمة، فتغضب الصحافة وتقرر سبع صحف نقل مقال (الأنباء). فتتعرض أعدادها للمصادرة ويحال المسؤولون عنها إلى القضاء. وفي هذه المعمعة كان لغسان تويني الوجود الالِق الفاعل، وكان ذلك سبب تمسك كمال جنبلاط به مرشحاً أرثوذكسياً في لائحة الشوف، ويدخل كميل شمعون التطرية يواجه بها إصرار كمال جنبلاط، فيتخلّى عن المرشح (الميسور). وتكون النيابة لغسان عن الشوف المعَّدلة خريطته الانتخابية. وقامت لائحة شمعون جنبلاط في وجه لائحة الشيخ سليم، وكان نجاح من اللائحتين كُتبت غلبته للائحة الائتلاف بين دير القمر والمختارة، وكان تسليم يومذاك، بنجاح من سينجحون من اللائحتين.. إلا المرشح السنّي. شمعون وجنبلاط رشحا أنور الخطيب، وسليم الخوري رشح حسين الجسر، وحسين كان محافظ جبل لبنان في انتخابات 25- أيار-1947. وتألفت لائحة السبعة عشر عن كل جبل لبنان. وفي انتخابات 1947 كان الانتخابات على أساس المحافظة. وعدد النواب كان خمسة وخمسين، وعدد نواب جبل لبنان كل سبعة عشر، وقامت لائحتان: واحدة برئاسة كميل شمعون وببركة الشيخ بشارة رئيس الجمهورية، وواحدة برئاسة الشيخ سليم، وكانت محرومة من البركة، وكان بين أعضائها العشرة الموارنة اميل لحود، وتنجح لائحة كميل شمعون.. إلا واحداً، وهو يوسف السودا. فكان نصيبه أن يعيّن سفيراً للبنان في البرازيل، ونجح بديلاً منه في لائحة الشيخ سليم الشيخ سليم، ويموت الشيخ فريد الخازن. وتجري انتخابات فرعية. ويستقيل الشيخ سليم بناءً لطلب الشيخ بشارة. ويجيء مكانه اميل لحود. ويجيء مكان الشيخ فريد الخازن الشيخ سليم الخازن.

وفي انتخابات 1947... انتخابات 25 أيار... الذي كان ذكرى يوم التزوير، فصار سنة 2000 ذكرى يوم التحرير... تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي. وفي انتخابات 25-أيار كان خليل أبو جودة الحلقة الضعيفة في اللائحة التي ترشحت لتنجح.. لائحة كميل شمعون ببركة الشيخ بشارة الخوري، ويتصل رياض الصلح رئيس الحكومة بحسين الجسر.. (يا حسين، عينك عاخليل) فتنزل الأصوات على خليل أبو جودة بالمن والبركة... إلى أن اتصل رياض الصلح بحسين الجسر بعدما تضخمت جداً خانة خليل أبو جودة.. (يا حسين... أنا طلبت منّك نجعلو نايب... وما طلبت نعملو سعد زغلول).

انتخابات 1951 شاءها العهد ثأراً من الانتخابات المزورة... فجاء بحسين العويني رئيساً لحكومة الانتخابات يطلق يد الناس في حرية نسبية للاختيار. وفي لائحة الشوف كان معروفاً من سينجح من اللائحتين إلا السنّي. وعرف يوم ذاك أن المعركة إنما هي معركة السنّي لأن الشيخ سليم بالتنسيق مع العهد، كان يريد مجيء حسين الجسر ليكون حسين رئيس الحكومة، وينجح أنور الخطيب وتقّر عين كمال جنبلاط مرتين.. بنجاح أنور ونجاح غسان.

وتتماوج السياسة، فينجح غسان مرة ويسقط مرة في عالية ضد منير أبو ناضل، وفي بيروت ضد نسيم مجدلاني. وكان حزب الكتائب رشح وليم حاوي أرثوذكسياً عن بيروت فانقسمت الجبهة (اليمينية) بين غسان ووليم. ولم تُقبل نصيحة كميل شمعون، رئيس الجمهورية عند الكتائب وفي الأحد التالي كانت انتخابات الجبل فاز فيها أسد الأشقر في المتن ضد مرشح الكتائب لأن القوميين شاؤوها معركة ثأر من انتخابات بيروت، وصبيحة الأحد يوم الانتخابات في جبل لبنان، وجه كميل شمعون نداء ختمه بالعبارة الرسمية التقليدية.. (عاش لبنان). ونجح أسد الأشقر، مما حمل (أبو الحن) في جريدة (العمل) لسان حال الكتائب اللبنانية على القول: إن افتتاح اليوم الانتخابي كان (عاش لبنان) وكانت خاتمة اليوم (تحيا سورية).

وفي عهد سليمان فرنجية يؤتى بغسان إلى مكانين.. إلى الوزارة وإلى السجن. وفي الوزارة حاول تحديث الخطاب الوزاري، وفي السجن ظل السجين الذي ألف الإقامة وراء القضبان من أجل الكلمة الحرة المسؤولة.

وفي زمان إلياس سركيس يكون غسان الكلمة اللبنانية في الأمم المتحدة.. والزمان زمان لبناني مكدود. ويصرخ غسان في قاعة (البيت الزجاجي).. (دعوا شعبي يعيش). ويتصرّم عهد إلياس سركيس ويعود غسان إلى (النهار) يكتب المقال الأسبوعي بدلاً من المقال اليومي. ومثلما كانوا ينتظرونه ويناظرونه في المقال اليومي، هكذا صاروا يناظرونه وينتظرونه في المقال الأسبوعي لأن غسان تويني صاحب الثقافة السياسية مترفاً، ظل هو إياه، صاحب كلمة وصاحب رأي.

وأعود إلى أيامه مع عهد فؤاد شهاب وعهد شارل حلو. وفي كليهما كان هو رأس الحربة في مواجهة (المكتب الثاني). وكان (الحلف الثلاثي) يقود المعركة في لبنان ضد المكتب الثاني. خصوصاً بعد هزيمة 5- حزيران- 1967 التي لحقت بالمعسكر الناصري، وهو كان يختزن معسكر العرب.

وفي الانتخابات النيابية التي كانت سنة 1968 بين (الحلف) و(النهج) تفوز في الجبل كثرة حلفية ساحقة، وهكذا في بيروت. وفي مناطق أخرى، والعين مركزة على الاستحقاق الرئاسي سنة 1970، ويترشح عن الحلف للرئاسة سليمان فرنجية بعدما اعتبر أقرب المرشحين الحلفيين إلى النجاح.فأيَّده ثلاثة الحلف.. كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده ضد الياس سركيس مرشح النهج. وفاز سليمان فرنجية بصوت واحد سمّاه غسان تويني في مقال افتتاحي (صوت الشعب) وفرحت به (النهار) بكاريكاتير لبيار صادق مع (زلغوطة) الدلعونة (الهوا الشيمالي غيّر اللونا).

غسان تويني هو النجاح حيثما كان. في النهار وارثاً جبران متحسراً على عدم توريث جبران. وفي المجلس النيابي. وفي الوزارة. وفي الأمم المتحدة. وفي المستشارية لرئيس الجمهورية... وقد مزج الصحافة بالسياسة مزجاً ألغى خطوط التماس بينهما.

الشيء الذي وددت تسجيله ل «الجزيرة» هو أنها كتَّبت الناس عن غسان في حياة غسان.

وهذا، لعمري، حق لمستحق.

* نقيب المحررين في لبنان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة