Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

سمو المعنى اللبناني
إريك رولو*

 

 

غسان تويني ولبنان كُلٌّ لا يتجزأ في عيني. فلقد عرفتُ الرجلَ جيداً لأنني التقيته مرات ومرات بدءاً من عقد الستينات.

ولما كنتُ صحافياً في (لوموند) أُسافر باستمرار إلى الشرق الأوسط، كنتُ أتوقفُ بالضرورة في بيروت قبل قيامي بتحقيقٍ ما في هذا البلد العربي أو ذاك.

وكان الشخص الأول الذي أزوره هو غسان تويني الذي أكبَرْتُه لأجل دقة معلوماته وصرامة تحاليله للأمور.

إنه يعرف انتقاء معاونيه وهذه سِمة كل مسؤول إعلامي عظيم.

وأنا أفَدْتُ دائماً من لقاءاتي بصحفيي (النهار) التي تُعتبر في العالم كله صحيفةً مرجعية.

أما استقلاليته التامة فما كانت أقل مزاياه شأناً.

فصفحات جريدته كانت مفتوحة للشخصيات ذات التوجهات الآتية من الآفاق السياسية المختلفة، مما شَكَّل ضمانةً إضافية لنزاهتها.

كان غسان تويني يلتزم في تعامله معهم بحياد يشهد على انفتاح عقله وعلى نزاهته الفكرية.

ولست أنسى أن النهار كانت الصحيفة الوحيدة في الشرق الأوسط التي نشرت بيانات (فتح) الأولى في الوقت الذي كانت تُعتبر فيه تنظيماً إرهابياً.

شخصية غسان جَذَّابة لأسباب أخرى ذات قيمة أساسية مُماثلة.

وثقتُه بمواطنيه لم تهتز أبداً في أحلك الأوقات المأساوية في تاريخ بلاده.

أيام الاحتلال الإسرائيلي والسوري والحرب الأهلية، والتهديد بانفراط عِقد لبنان لم تَنَلْ كلُها من تفاؤله العقلاني.

فهو يؤمن بأن بلاد الأرز منذورة لا بل محكومة بالبقاء لأنها تُشَكّل أمة رغم كل شيء.

ووحدة لبنان هي في نظره عقيدة : فهو لم يتضامن أبداً مع الصراعات الطائفية التي يعتبر أهميتها نسبية.

وهو واضح الرؤيا عرضَ في كتابه المنشور في 1985 (حربٌ من أجل الآخرين) الدورَ المشؤوم الذي لعبته القوى الكبرى أو الصغرى على الأرض اللبنانية، دون أن يُبرّيء في الوقت نفسه مواطنيه، حين يكتب بالفعل : (كنا ضحايا هذه الحرب، وكنا أيضاً لاعبي أدوراها).

لم تأتِ عَرَضاً تسميةُ غسان تويني سفيراً فوق العادة في الأمم المتحدة، حيث شَغل هذا المركز طوال فترة حساسة أكثر من غيرها من 1977 إلى1982

وهذا الوطني اللبناني يعتبر نفسَه منتمياً إلى العالم العربي الإسلامي، مما كان يتيح له التكلم باسم مواطنيه من الطوائف المختلفة.

كما أن معرفته العميقة بالمسرح الدولي أهَّلَتْه لكي يشغل هذا المركز؟

رَحَّبَ شارل حلو، الرئيس السابق للجمهورية بصدور مجموعة ضمَّت خطبَ غسان تويني المنشورة تحت عنوان ذي مغزى (دعوا شعبي يَعِش) مُعتبراً إياه : (عملاً عقائدياً وكتاباً شعرياً وأنشودة تُزَاوج المنطقَ والعاطفة)؟ كما يشهد كتابُه الآخر (قَرنٌ بلا جدوى) بثقافته الواسعة تاريخياً وسياسياً.

هذا الكتاب الذي أخذ شكلَ حوار مع جان لاكوتور وجيرار خوري...

لم يفقد غسان تويني رغم الأحزان القاسية التي أصابته في السنوات الأخيرة شيئاً من حيويته ووضوح رؤياه.

وما زال بوسعه أن يُقدّم كثيراً إلى لبنان والعالم العربي.

* صحافي وسفير فرنسي سابق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة