Culture Magazine Monday  03/03/2008 G Issue 236
عدد خاص
الأثنين 25 ,صفر 1429   العدد  236
 

الأفق الرحب والهويات المتعددة
عمرو موسى*

 

 

غسان تويني، شخصية ذات أبعاد تتعدى هويته اللبنانية إلى آفاق أرحب كثيراً، أعرفه منذ زمن طويل في هذه الأبعاد التي تكاملت لتنتج صحفياً من طراز عال، ودبلوماسي من طراز رفيع، غسان ينتمي إلى طينة من الرجال يقل عددهم في عالمنا العربي. رجل التزم في مهنته بحرية الكلمة والرأي، الكلمة المسؤولة والرأي الشجاع، ومثقف نقدي ورجل سياسة محاور ورصين لبنانيته تنضح دائماً عبر هويته العربية المنفتحة والمراجعة لذاتها باستمرار وعروبته تطبع دائماً في سماتها وآفاقها هويته الوطنية.

يكفي أن تجلس مع غسان تويني لتخوض معه دائماً حواراً شيقاً تكسب في نهايته، سواء اتفقت أم اختلفت في الرأي معه، تكسب رؤية شاملة وتسمع فكراً متقدماً، يقارب غسان تويني الموضوع أياً كان من منظور جامع يفكك ببساطة تعقيداته، يأخذك في استنتاجات واحتمالات متعددة فيغوص دون أن يغرق في تفاصيل لا تسمن ولا تغني، غسان تويني يمتلك رشاقة الكلمة وأناقة اللغة ومنهج الباحث الرصين وحماس المراقب وشغف المعلق الصحافي.

عندما تنظر إلى عالمنا العربي اليوم ورغم ما يعانيه من تفكك وتمزق واضطراب وتوتر وفقدان البوصلة في حالات كثيرة، تبقى على اقتناع بأن ما يتمتع به العلم العربي من طاقات بشرية هائلة في مختلف الميادين يسمح له بل يعزز من فرصه للخروج من المأزق الراهن وطي هذه الصفحة من تاريخه. غسان تويني بتجربته، أو دعني أقول بتجاربه، وخبرته وثقافته نموذج حي لهذه الطاقات التي بقدر ما تحمل هموم الحاضر من خلال قراءتها الواقعية لأوضاعنا العربية بقدر ما تحمل الأمل أيضاً بوجود ضوء في آخر النفق لا من باب التمني بل من باب المعرفة بأن الطاقات الكامنة إذا ما توفرت الرؤية الواضحة والإرادة الحازمة يمكن أن تترجم إلى قدرات تغييرية هائلة.

يحمل غسان تويني في شخصيته مزيجاً رائعاً من المكون المحلي والتطلع الكوني: المحلي يربطه دائماً بجذوره اللبنانية العربية، في تناغم وانسجام بين هذين البعدين في الهوية، والكوني يأخذه إلى فضاء ثقافي سياسي أوسع، باحثاً عن المشترك الإنساني ومحافظاً على خاصية الهوية: فلا ضياع لهذه ولا انقطاع عن تلك. يستعين بالتاريخ دائماً، وهو في ذلك بمثابة أرشيف جاهز، ليلقي ضوءاً أفضل على الحاضر وليؤكد ويصر دائماً على ضرورة استشراف المستقبل.

لم تكن الدبلوماسية التي مارسها رسمياً وإن لفترة غير طويلة كسفير للبنان لدى الأمم المتحدة، إلا منبراً يشهد له بالمواقف الوطنية والالتزام العروبي، لم تكن الدبلوماسية بالنسبة له مهنة بقدر ما كانت وسيلة بل فلسفة للتعاطي مع الآخر: الصديق والحليف، والخصم والعدو، في موضع وقضايا عدة في رحلته السياسية المتنوعة والمتشعبة، التقيته في مرات عدة وكان يعيش أصعب الجراح الشخصية والوطنية، فكان دائماً متعالياً على جراحه تشعر بذلك وأنت تتحدث معه تحاوره فلم يقتنع بموقع رد الفعل، بل كان دائماً في موقف المبادر الباحث معك عن حل لأزمة أو مخرج من مأزق.

غسان تويني ابن جبل عربي شهد نكسات ونجاحات، جيل أحلام لم تتحقق وأخرى سقطت أو ترهلت، لكنه مثل الكثيرين لم يفقد إيمانه ولا التزامه، مارس ورافق وشهد السياسة العربية بكافة ألوانها وتلوناتها، تياراتها ومدارسها من مواقعه المختلفة فلم ييأس ولم يفقد الأمل، فهو لا يتعب ولا يتراجع رغم كثرة أسباب اليأس والمعوقات والحواجز.

تحية إلى غسان تويني، وتمنيات له أن يبقى، وبصحة وعافية مشاركاً نشطاً في العمل على تحقيق طموحات لبنان الوطنية، وأهداف مجتمعاتنا العربية في مستقبل أكثر أمناً وتوفيقاً.

* الأمين العام لجامعة الدول العربية - القاهرة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة